"سنضع حداً لكل الحروب، وقوّتنا ستجلب روحاً جديدة من الوحدة إلى عالم كان غاضباً وعنيفاً وغير قابل للتنبؤ بمستقبله". ترامب العائد إلى البيت الأبيض بمعجزة إلهية أنقذته من الموت المحقق كما يقول، لا يعد فقط في كلمة حفل تنصيبه بإطلاق العصر الذهبي لأميركا بل بـ"ملك ألفي" للعالم كله. وذلك على شاكلة ما تؤمن به بعض الكنائس الإفنجليكية ولاهوتيو التفسير الحرفي بشأن مجيء ثاني للمسيح، فيه يملك على الأرض ألف عام يسود فيها السلام، "حيث يسكن الذئب مع الحمل ويربض الجدي مع النمر... ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان"، أو كما يتنبأ أحد أنبياء العهد القديم الكبار، "لا ترفع أمة على أمة سيفاً، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد".المهام المسيحانية ليست جديدة على ترامب ويفهم مؤيدوه الإشارات والإيماءات الإنجيلية بيسر. فالرئيس الجمهوري في مجيئه الثاني سيعود بالبشرية إلى عصر البراءة الأولى، إلى جنة آدم وحواء، حيث ليس هناك سوى ذكر وأنثى. إلا أن إعلان ترامب عن عصر ما بعد الحروب، يتضمن كذلك هجاءً سياسياً لسابقه الذي اندلعت في عهده حرب أوكرانيا، وبعدها تفجرت أكثر الحروب متعددة الجبهات دموية في منطقة الشرق الأوسط. تهمة بايدن في عين ترامب ليست الوحشية بل أن الرئيس الديمقراطي المرتعش لم يكن حاسماً بما يكفي ليخيف أعدائه. فلو أن ترامب كان ما زال جالساً على كرسيه الرئاسي لما تجرأ بوتين على الإقدام على غزو أوكرانيا، ولما تجرأت حماس على شن هجوم السابع من أكتوبر.يضيف الرئيس الجديد إلى أن نجاحه سيقاس "ليس فقط بالمعارك التي نفوز بها، بل بالحروب التي ننهيها أيضاً، وربما الأهم من ذلك الحروب التي لا نخوضها أبداً". بهذا يقطع عهداً على نفسه لتحقيق سلام قائم على القوة المطلقة للولايات المتحدة واستئصال للحروب عبر التهديد بفتح أبواب الجحيم، كما سبق وهدد بفعل ذلك لو لم يتم التوصل لاتفاق في غزة."قبل يوم واحد من تسلمي المنصب عاد الرهائن في الشرق الأوسط إلى منازلهم وسأكون صانع سلام وسأعمل على وقف الحروب". يأتي وعد ترامب مع عربون لا يمكن التشكيك في رصيده. صحيح لولا فوزه لما توقفت الحرب في لبنان أولاً، ويسري الأمر نفسه على الحرب في غزة. حُدد وقف إطلاق النار قبل يوم واحد من تنصيبه، ليصير تحرير الرهائن جوهرة جديدة تضاف إلى التاج الإمبراطوري في يوم التتويج. عدادات الموت الفلسطيني ليست سوى حلية في لعبة التباهي التي يعشقها ترامب. هكذا يرينا الجالس في البيت الأبيض كيف يدير مفاتيح الحياة والموت مثل لعبة أو فقرة في مراسم تسليم صولجان السلطة.
يضع الرئيس الأميركي عيناه على جائزة نوبل، ويجاهر بأنه كان يستحقها بفضل رعايته للاتفاقات الإبراهيمية. في الجولة الثانية يخطط ترامب لإعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط، وتوسيع الاتفاقية لتشمل السعودية، وربما بعض الوعود بحل فلسطيني منقوص وبلا ضمانات كسابقه. الأرجح لن تكون هناك ضربات عسكرية ضد إيران الجريحة مثلما يأمل الإسرائيليين، بل المزيد من العقوبات الاقتصادية. ولعل ترامب في خضم فورة صناعة السلام يمد يده إلى طهران، في تكرار لنزوة لقاءه مع رئيس كوريا الشمالية ومصافحتهما التي لم تفضِ إلى شيء.على الأرجح ستكون المنطقة في عهد ترامب أكثر هدوء بلا ما يقارن مع سنوات سابقة الأربعة شديدة الدموية والعنف، وذلك ليس بالضرورة بفضل سياسات السلام المنتظرة، لكن نتيجة الأوضاع التي فرضت في لبنان والتحولات الزلزالية في سوريا. لكن هذا لا يمنعنا من التأمل في أن الاتفاقات الإبراهيمية كانت واحد من محفزات انفجار الأوضاع في غزة بعد أعوام قليلة، وبالتالي فأن المزيد من الشيء نفسه لا يعني سوى نتائج متقاربة.