لم يترك تصريح رئيس الحكومة المُكلّف نوّاف سلام أمس، بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزاف عون في قصر بعبدا لإطلاعه على نتيجة المشاورات التي يجريها لتأليف الحكومة، مجالاً للشّكّ أنّه لم يغادر المربع الأول بعد في مهمته، وأنّ الأيّام التي مضت منذ تكليفه تأليف الحكومة في 13 كانون الثاني الجاري أوصلته إلى حائط مسدود، ما جعلته يضطر إلى إعادة ترتيب أوراقه من نقطة البداية.
دلالات تصريح سلام في هذا السّياق كانت واضحة للغاية، وتضمّنت إيحاءات تؤكّد ذلك، من أبرزها ما يلي:
أولاً: أكّد رئيس الحكومة المُكلّف موقفه المبدئي من أنّه كان ولا يزال ضد مبدأ “المحاصصة” في توزيع الحقائب الوزارية على الأحزاب والكتل، لكنّ هذا المبدأ يصطدم بالنّظام الطائفي في لبنان الذي يُلزم توزيع الحقائب الوزارية في أيّ حكومة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، أيّ المحاصصة بشكل أشمل، ومن ثم توزيع هذه الحقائب على المذاهب الإسلامية والمسيحية وفق آلية معينة تخضع للقوى والأحزاب والكتل، ولا يمكن تجاوزها، ما يجعل سلام يبدو وكأنّه يُغرّد خارج سرب النّظام الطائفي الذي يقوم عليه دستور البلاد.
ثانياً: مع أنّ نوّاف سلام قال إنّه يتشاور مع الكتل النيابية لتأليف الحكومة، لكنّه قال إنّه هو من يُشكّلها في نهاية المطاف، رافضاً أن يكون “ليبان بوست”، أيّ أنْ يعطيه كلّ تكتل نيابي أسماء مرشحيه لدخول الحكومة وإسقاطها على الحقائب المفترضة لهم.
إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتشاور سلام مع الكتل النيابية بعدما أجرى معها إستشارات غير مُلزمة غداة تكليفه، ويعمل على تقديم تشكيلة حكومته إلى رئيس الجمهورية لتصدر المراسيم بخصوصها؟
ثالثاً: أدرك رئيس الحكومة المُكلّف أن التزامه إعطاء وزارة الماليّة للطّائفة الشّيعية، بعد لقائه أكثر من مرّة منذ تكليفه ممثلين عن الثنائي الشّيعي (حزب الله وأمل)، فتح عليه الباب واسعاً أمام انتقادات شتّى من خصوم الثنائي، ومطالبته بالمقابل أن يلتزم بإعطاء فرقاء سياسيين آخرين وزارات معيّنة يطلبونها، ما جعله يحاول الخروج من هذا المأزق بقوله إنّه لم يلتزم إعطاء حقيبة المال للشّيعة لأنّها “ليست حكراً على أحد”، حسب قوله، لكنّه بالمقابل ترك الباب موارباً أمام حصولهم عليها بأنّ “هذه الوزارة ليست ممنوعة على أيّ طائفة”.
رابعاً: بعدما نفى سلام كلّ ما يُقال عن التشكيلة الحكومية المرتقبة، معتبراً ذلك شائعات غير صحيحة، وبأنّ بعض الأسماء المطروحة للتوزير لم يسمع بها أو يعرفها، أكّد أمراً وحيداً هو أنّ حكومته ستتكون من 24 وزيراً، وكلّ وزير سيحمل حقيبة وزارية واحدة فقط “من أجل إنتاجية أفضل، وتفرّغ أكبر”، ونظراً للمهام الكثيرة المطلوبة من حكومته المنتظرة.
خامساً: رفض سلام ما يقال عن إعطاء الكتل النيابية حصصاً في حكومته وفق حجمها العددي في مجلس النواب، لأنّ ذلك “يُحوّل الحكومة إلى مجلس نيابي مصغّر” على حدّ تعبيره، لافتاً إلى “أسلوب جديد في العمل” لم يكشفه، وداعياً إلى “احترام الدستور”، ما يطرح تساؤلات حول إذا كان سلام لن يلتفت إلى مطالب الكتل النيابية، ويُشكّل حكومة خارج رغباتها، فكيف سينال ثقتها في المجلس النيابي، وهل يعرف حجم الإنتقادات والإستهدافات التي ستنهال عليه من كلّ حدب وصوب، سواء عن حقّ أو عن غير حقّ؟
موقع سفير الشمال الإلكتروني