تتزايد مطالب الجالية السورية في تركيا، بضرورة تنشيط وافتتاح الإدارة السورية الجديدة ممثليات حكومية على الأراض التركية، بما يضمن تسهيل الخدمات وحماية مصالحهم وحقوقهم، بعد سنوات طويلة من غياب التمثيل القانوني والشرعي الذي جعلهم في مواجهة الإجراءات والقرارات المتغيرة للحكومة التركية.
ويبلغ تعداد السوريين المقيمين في تركيا تحت بند الحماية المؤقتة (كملك)، نحو 2.9 مليون شخص، بحسب وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، بينما تشير إحصائيات إلى أن العدد الإجمالي للسوريين يتجاوز 3.2 مليون شخص.
ومنذ فرار الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تشهد المعابر الحدودية مع تركيا حركة نشطة ومستمرة، دفعت المؤسسات الحكومية للعمل على تنظيم عودة السوريين، الذين تجاوز عدد العائدين منهم، 53 ألف شخص حتى الثلث الأول من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري.
عقبات أمام العودة
ومع ذلك، تعبّر شريحة واسعة من اللاجئين السورين عن ترددها باتخاذ قرار العودة، نتيجة عوامل كثيرة، أبرزها هاجس الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سوريا، بينما يتحدث آخرون، ومنهم اللاجئ محمد حسين، المقيم في مدينة كلس التركية، عن غياب و/ أو فقدان الأوراق والوثائق الرسمية لكثير من الأفراد.
ويوضح محمد حسين في حديثه لـ"المدن"، أن عدم امتلاكه وأفراد أسرته وثائق رسمية، وتوقف القنصلية السورية في إسطنبول عن إصدارها، وحتى ارتفاع تكاليفها والجهد الكبير الذي كانت تحتاجه لتحصيلها، تحول دون مرافقة والداه وأشقائه الذين قرروا العودة إلى مدينتهم خلب، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وينسحب وضع محمد على أسرته التي كوّنها في تركيا، إذ حُرم من الوثائق وحق تسجيل زواجه في سوريا لعدم حصوله على موافقة أمنية، وعليه حرمت ابنته من هويتها السورية، نتيجة التعقيدات التي وضعها النظام السابق على اللاجئين وارتفاع تكاليف إصدار الوثائق الرسمية.
القنصليات حاجة ملحّة
ويشدد محمد وغيره ممن تحدثت إليهم "المدن"، على ضرورة افتتاح قنصليات في المدن التركية التي تحتضن السوريين، لتقديم الخدمات من إصدار وثائق وتسهيل المعاملات الخاصة بأحوالهم المدنية ومتابعة شؤونهم وأوضاعهم في تركيا.
ويشير إلى أن تكلفة تسجيل ابنته في سوريا، وصلت إلى 700 دولار أميركي، بين أجور مواصلات من الجنوب التركي إلى القنصلية السورية في إسطنبول، وتصديق وإرسال إلى سوريا مع بقية المعاملات ودفع للسماسرة المتحكمين، ما دفعه للعدول عن الفكرة.
وسبق أن أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً اتهمت فيه نظام بشار الأسد بالتحكم في الوثائق الثبوتية لنحو 16 مليون مواطن بشكل تميزي وغير قانوني، وتكريس سلطته وحكمه في محاربة المعارضين وابتزازهم، خصوصاً اللاجئون منهم، وفرض تكاليف مرتفعة لا تناسب مداخيلهم وإجراءات أمنية مقابل استخراجها.
البعثات بحاجة إلى شرعية
ويُعتبر الوقت وعودة الخدمات في سوريا، من العوامل الحاسمة في قرار شريحة واسعة من اللاجئين، في ظل الالتزامات الحياتية الكثيرة، وعلى رأسها التعليم والعمل والأسرة، التي تمنع عودتهم على المدى المنظور، ما يحتم على الإدارة السورية الجديدة استغلال انفتاح أنقرة على دمشق، لإعادة تفعيل ممثلياتها في تركيا، لضمان توفير الحماية لرعاياها وإنهاء السيولة في التعاطي مع هذا الملف.
لكن رئيس تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل، يشير إلى عوامل تعيق هذه الخطوة حالياً، في مقدمتها الشرعية القانونية للإدارة السورية وارتباطها بالقرار السياسي بين الدولتين، وصعوبة تمثيل الجالية السورية عبر المنظمات المدنية، فضلاً عن احتكار السلطات التركية إدارة الملف.
ويوضح قرنفل لـ"المدن"، أن افتتاح قنصليات جديدة يجب أن يكون بطلب رسمي من قبل الحكومة الشرعية السورية، والقيادة الحالية لا تمتلك هذه الصلاحية الدستورية، باعتبارها حكومة تصريف أعمال أو حكومة ثورية، وبالتالي فإن هذا الإجراء منوط بالحكومة المقبلة في حال حصولها على اعتراف خارجي.
وتمتلك سوريا ثلاث قنصليات عاملة في تركيا قبل عام 2011، متمثلة بالقنصلية السورية في إسطنبول، والمبنى القنصلي في غازي عنتاب، إضافة إلى الملحق القنصلي الموجود داخل السفارة السورية في العاصمة أنقرة.
ومع انطلاق الثورة وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أغلقت السفارة في أنقرة والملحق الموجود في عنتاب، مع استمرار عمل قنصلية إسطنبول التي اقتصرت خدماتها على إصدار جوازات السفر والوثائق الضرورية.
ويقول قرنفل: "لدى الحكومة السورية قنصلية في عنتاب جنوب تركيا، ومن الممكن التوسع وطلب افتتاح قنصليات جديدة في ولايات تركية حاضنة للجالية السورية، منها مرسين السياحية، وهو أمر متوقف على شرعية الحكومة أولاً وموافقة الدولة التركية".
ومع نشاط حركة عودة السوريين من مختلف دول اللجوء، حيث تتوقع الأمم المتحدة مغادرة أكثر من مليون سوري إلى بلادهم خلال الفترة المقبلة، تحذر منظمات ومؤسسات إنسانية ودولية، منها مديرة منظمة الهجرة الدولية إيمي بوب، من عودة اللاجئين بأعداد كبيرة ستضغط على الدولة، وقد تؤجج الصراع في مرحلة هشّة تعاني منها البلاد.