بعد مرور أسبوع على تسميته، تبدل رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، لكأنه غادر عفويته وبات أكثر تشدداً وصرامة في التعاطي. قلّب في حسابات الماضي، وخرج إلى من يعنيهم الأمر، وهم كثر، قائلاً: أطبق الدستور ومن معينه سأغرف في التعامل مع تشكيل الحكومة وبيانها الوزراي، كما في جلسات مجلس الوزراء. أعلن ثلاثيته، لا للمالية في عهدة الثنائي ولا لثلاثية جيش وشعب ومقاومة ولا للثلث الضامن، مع واحدة إضافية، رئيس الحكومة ليس "ليبان بوست" (ليس صندوق بريد). اجتماعان سبقا زيارته إلى بعبدا: الأول مع الثنائي الشيعي والثاني مع التغييريين.
إلى بعبدا توجه ومعه مسودة حكومة توزع الحقائب على الكتل النيابية. تلاوته كلمة مكتوبة مسبقاً، أشار إلى أنه لم يكن راضياً عما تسلمه. كل ما نطق به دلل على وجود عقبات تؤخر التشكيل وسيؤخر الإعلان عن الحكومة الذي كان مرجحاً نهاية الأسبوع الجاري.رويات متضاربةهنا تعددت الروايات حول أسباب غضب الرئيس المكلف واختلفت بين جهة وأخرى. رواية تقول إن أساس المشكلة رفض سلام تسمية ياسين جابر، تقابلها رواية للثنائي بأن لا تسميات نهائية بعد، وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيسلم أسماء وزرائه يوم الإعلان عن التشكيلة، خصوصاً وأنه بصدد التراجع عن تسمية كان اقترحها لتولي وزارة خدماتية. مصادر الثنائي تقول إن العقدة مسيحية، قواتية، وبين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية لناحية الصلاحيات.
أما الوقائع فتقول إنه وبعد اجتماع كان الأول بينه وبين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، خرج الرئيس المكلف نواف سلام ليوزع رسائله في أكثر من اتجاه. قال كلاماً كثيراً حمال أوجه، وأظهر بلا لبس وجود عقبات لا تزال تعتري تشكيل حكومته، وأن المسودة الحكومية الأولية التي حملها للتباحث بشأنها مع الرئيس عون لم يكتب لها النجاح، ليتبين وجود عقبات عدة من بينها عقدة وزارة المالية التي يرشح رئيس مجلس النواب لتوليها الوزير السابق ياسين جابر. وهو الاسم الذي اصطدم بتحفظ سلام بوصف جابر سبق وشغل حقائب وزارية في أكثر من حكومة وهو نائب لدورات عدة. يرفض سلام ترشيح وزراء سابقين لتولي حقائب وزراية.
عقدة ثانية تمثلت في إصرار القوات على تسلم وزارات خدماتية وسيادية نظراً لحجم تمثيلها النيابي. أما العقدة الثالثة فكمنت في مسألة إدارة الجلسات داخل مجلس الوزراء.
معلومات المشاركين في البحث الحكومي قالت لـ"المدن": "إن البحث بالأسماء لم يستكمل بعد. فالرئيس بري لم يسلم أسماء المرشحين لتولي الحقائب من حصة حركة أمل، وما يحكى عنه هو الأسماء المتداولة وليس المثبتة، وقد اصطدم الرئيس المكلف بطلبات الكتل النيابية. فكان جوابه في ما قاله بعد اجتماع بعبدا: "أنا اتداول وأتشاور واستمع إلى هذه الكتل، إنما أنا من أشكل الحكومة، وهذه مسؤوليتي. لذلك قلت بالعودة إلى الدستور، وإذا كان ذلك أسلوباً جديداً فليكن، فلست "ليبان بوست".
يعتب الرئيس المكلف على الكتل والأحزاب التي تودعه مطالبها وتشترط الحقائب التي تريدها، كما تلزمه بأسماء لا تتوافق، بحسبه، مع تطلعات المرحلة الجديدة، وما تسلتزمه من نفسٍ جديد في التعاطي. وعنهم تحدث حيث قال رداً على سؤال: "لم التزم إعطاء أي حقيبة لأحد. أما في ما يتعلق بحقيبة المال، فهي كغيرها من الحقائب، ليست حكراً على طائفة، ولكن لا يمكن أن تكون ممنوعة عن أي طائفة أيضاً. وما يسمى بالحقائب السيادية، فبالنسبة إليّ كل الحقائب هي سيادية، وهناك مصطلحات وتعابير علينا أن نحاول الخروج منها شيئاً فشيئاً". وعلى ما كشفت عنه المداولات، فلم يكن سهلاً على سلام الخروج عن تقاليد التأليف للحكومة، بدليل تطويقه بأسماء وحقائب تزيد على عدد الحكومة المقترحة وحجمها.انفعال الرئيس المكلفمصادر أخرى لم تجد مبرراً لانفعال الرئيس المكلف، وحديثه الذي أوحى بوجود مشكلة، بينما كان يقول إن نتائج اجتماعاته مع الكتل كانت إيجابية، وتغمز المصادر من قناة اجتماع سبق وصوله إلى بعبدا مع مجموعة من التغييريين انتقدته على طريقته التقليدية في التشكيل، والتي لا تحاكي المطلوب من خطوات تغييرية تستوجبها المرحلة الراهنة.
على الضفة المقابلة، برز من يقول إن العقبات هي بين المسيحيين المختلفين على توزيع الحقائب السيادية والخدماتية، فضلاً عن حصة رئيس الجمهورية، الذي سينال حكماً من حصة القوى المسيحية، لتخلص إلى القول إن طريق التشكيل لن يكون معبدة ولا سالكة على خطيّ الرئيس والساحة المسيحية، والرهان على تدخل خارجي قد يتأمن بمجيء وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان.
وتتقاطع هذه المصادر مع معلومات أطراف معارضة، اعتبرت أن الصيغ المطروحة لا تحاكي تطلعات الإصلاح المطلوبة من دول الخماسية، ما يهدد تمويل المشاريع الإصلاحية وإعادة الإعمار، فضلاً عن ضغوط مورست على سلام على اعتبار أن التشكيلة التي يعمل عليها لا تحاكي الرأي العام الطامح للتغيير، وأن الأسماء المطروحة وطريقة التشكيل ومحاصصة القطاعات بدت وكأنها توزيع للدولة. وهذا يفترض أنه لم يعد يتلاءم مع الظرف الحالي، فضلاً عن رفض مبدأ منح حقيبة وزارية لكل خمسة نواب، كما ورفض الأسماء التقليدية لمرحلة غير تقليدية.
وفي حين كرر سلام تمسكه بتطبيق الطائف، فإن تطبيقه الحرفي للطائف يصطدم بالواقع المعاش والأعراف. لكنه بالمقابل يحتاج إلى ثقة مجلس يطالب بتشكيلة حكومة تقليدية.
أمس بدأ الرئيس المكلف أولى معاركه لتشكيل الحكومة. كلامه والوقائع أفصحا عن وجود مشكلة. بحصيلة الجولة الأولى خرج الرجل بلا داعم لتوجهاته إلا من نواب التغيير. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من الضغط الدولي لتشكيل حكومة تستكمل معها الخطوات التغييرية على أكثر من مستوى.