كانت سوريا تنتج حوالي 400 ألف برميل يوميًا من النفط الخام في عام 2011، مع احتياطات تبلغ نحو 2.5 مليار برميل، بعد أن وصلت القدرة الإنتاجية في أفضل حالاتها إلى 600 ألف برميل يوميًا. وكانت الدول الأوروبية تستورد سنويًا ما لا تقل قيمته عن 3 مليارات دولار. أما احتياطات الغاز فبلغت 8.5 تريليون قدم مكعب، مع إنتاج يومي وصل إلى 316 مليار قدم مكعب وفقًا لموقع Oil Price.
تأثرت إمدادات النفط والغاز بشكل كبير خلال الحرب التي استمرت نحو 14 عامًا. تعرضت البنى التحتية لأضرار جسيمة نتيجة القصف والتخريب المتعمد، وفقدت المنشآت مواردها البشرية، وفرضت الميليشيات الضرائب على الصهاريج النفطية وواجهت الجهات الفاعلة في السوق قيودًا على حركتها. استمر الإنتاج في الانخفاض حتى سقوط نظام الأسد، وتحول ما تبقى منه لدعم تسليح الأطراف المتصارعة، فارتفعت أسعار المنتجات النفطية مقابل انخفاض القدرة الشرائية للسوريين، فيما انتشرت السوق السوداء، خصوصاً في مناطق سيطرة النظام السابق، وتوسعت خطوط تهريب النفط خارج سوريا، خصوصًا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفصائل المعارضة. ساهمت العقوبات الاقتصادية التي فرضت على القطاع في تعزيز السوق السوداء، إلى جانب انهيار نظام إدارة الجودة وتحديد أسعار متفاوتة للمنتجات النفطية.
أدى هذا التدهور إلى تغييرات كبيرة في طبيعة الجهات الفاعلة في السوق، خصوصاً مع تعزيز كل من إيران وروسيا استثماراتهما من خلال دخول عدد أكبر من الشركات المتخصصة. ورغم تغير المشهد بعد سقوط النظام، لا يزال الوضع كما هو في مناطق سيطرة "قسد" شرق الفرات، حيث تسيطر على الجزء الأكبر من الإنتاج بالتعاون مع القوات الأميركية التي أنشأت قواعد عسكرية في معظم الحقول. ويتميز هذا الوضع بالضبابية بسبب عدم توفر إحصاءات دقيقة حول حجم الإنتاج والتجارة.الاحتياطات: مبالغات وأفخاختُعتبر احتياطات النفط والغاز السورية ضئيلة مقارنة بالدول النفطية الأخرى. فهي كافية لتلبية الاحتياجات المحلية، لكنها لا تكفي لتحقيق فائض كبير يمكن تصديره بشكل مستدام. وبالتالي، لن تلعب دورًا كبيرًا في النهوض الاقتصادي كما هو متوقع في مرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً عند النظر إلى حجم الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري.
أشار مستشار تحرير "منصة الطاقة"، الدكتور أنس الحجي، في إحدى مقابلاته الصحفية إلى أن "الاحتياطات المتاحة لا تتساوى مع ما يمكن استخراجه"، وأن هناك "مبالغات كثيرة بشأن وجود احتياطات ضخمة من النفط والغاز، مما قد يؤدي إلى تقليص المساعدات الخارجية بحجة وجود ثروة نفطية يمكن للسوريين الاعتماد عليها". وشدّد الحجي على ضرورة "الفصل بين ما هو متوقع من الثروة النفطية وبين إيرادات الدولة بشكل كامل، إلى حين تقييم الوضع النفطي استنادًا إلى دراسات جديدة".
الظاهر من الأمور هو أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تستخدم ورقة النفط والغاز بحجة تسليم الحقول الواقعة تحت سيطرة "قسد"، للضغط على الحكومة السورية المؤقتة، وأي حكومة لاحقة ينتجها مؤتمر الحوار الوطني الموعود الذي تأخر انعقاده، للتخلي عن حق الشعب السوري في الحصول على الدعم الدولي اللازم لإعادة إعمار البلاد، بخاصة مع الزيادة التي شهدها عدد القوات الأميركية المتواجدة على الأراضي السورية، حيث ارتفع من 900 في عام 2020 إلى 2000 في عام 2024، وذلك بحسب وزارة الدفاع الأميركية بذريعة "زيادة التهديدات"، في ظل تشبث الحكومة السورية المؤقتة في دمشق باسترجاع كل الموارد. تبدو هذه القضية كفخ مزدوج يستهدف كلًا من "قسد" والحكومة الجديدة في دمشق في آنٍ واحد، على الرغم من الجهود الغربية المبذولة لإقامة توافق سياسي بين الطرفين، وحاجة سكان شرق الفرات للقوات الأميركية لمنع توسع العدوان التركي.الحقول شرق الفراتيُقدَّر أن حوالي 70 في المئة من إجمالي احتياطات النفط والغاز في سوريا تقع في مناطق سيطرة "قسد" في محافظتي دير الزور والحسكة، منذ عام 2017، بعد أن كان تنظيم "داعش" يسيطر على 80 في المئة منها عام 2015، محققًا أرباحًا تصل إلى 1.5 مليون دولار أميركي يوميًا. أشار الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية جوناثان هوفمان، في عام 2019 إلى أن أرباح هذه الحقول ستعود إلى "قسد"، والتي بلغت أرباحها الشهرية، وفقًا لموقع Oil Price عام 2019 حوالي 10 ملايين دولار. ويعود هذا الفارق بين أرباح "داعش" وأرباح "قسد" إلى الدمار الكبير الذي لحق بالمنشآت، خصوصاً في محافظة دير الزور، بالإضافة إلى استرجاع نظام الأسد بعض الحقول في محافظتي الرقة ودير الزور. ومن أكبر حقول النفط والغاز في مناطق شرق الفرات:
1) حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي، بقدرة إنتاجية قصوى 29 مليون برميل سنويًا قبل عام 2011، قبل أن تنخفض إلى 2.74 مليون برميل سنويًا بحسب تقديرات "فايننشال تايمز" عام 2016. توقّف إنتاجه في فترات متقطعة من الحرب بسبب القصف والتخريب، سواء من قبل الفصائل السورية المتحاربة أو من قبل الميليشيات الموالية لإيران في العراق التي استهدفت القاعدة العسكرية الأميركية المتواجدة فيه، وهي من كبرى القواعد الأميركية في سوريا وتضم سجنًا ومهابطاً للطيران المسيّر والمروحي. ويحتوي الحقل على احتياطات كبيرة من النفط الخام تصل إلى 760 مليون برميل كما تشير دراسة بعنوان "حقل العمر يتغلب على أزمة منتصف العمر" عام 2008.
2) حقل التنك النفطي في ريف دير الزور الشرقي، بقدرة إنتاجية قصوى 40 ألف برميل يوميًا وفقًا لتقديرات موقع Oil Price عام 2018، أي 14.6 مليون برميل سنويًا. وقد أنشئت في المدينة العمالية التابعة له قاعدة عسكرية للقوات الأميركية، تضم حوالي 50 عنصرًا وعددًا من الطائرات المروحية. كان إنتاج هذا الحقل يمثل حوالي 40 في المئة من إجمالي الإنتاج النفطي في سوريا قبل عام 2011، وقد تعرّض إنتاجه بعد سيطرة "قسد" عليه عام 2017 للإعاقة عدة مرات بسبب هجمات متكررة من تنظيم "داعش".
3) حقل كونوكو للغاز شمال شرق دير الزور، ويضم أكبر معمل للغاز في سوريا أنشأته شركة "كونوكو فيليبس" الأميركية عام 2001 بمواصفات حديثة. تبلغ قدرته الإنتاجية 4.7 مليار متر مكعب سنويًا، ويُساهم في تلبية احتياجات الغاز المنزلي والكهرباء المحلية وإنتاج الأسمدة والأمونيا. وقد أنشأت القوات الأميركية المتواجدة في سوريا قاعدة عسكرية لحماية الحقل، بالتنسيق مع "قسد"، تضم عشرات الجنود الأميركيين.
4) مجمع حقول الجبسة للنفط والغاز في ريف الحسكة الجنوبي، بقدرة إنتاج قصوى للغاز تبلغ 1.095 مليار متر مكعب سنويًا. يُساهم الحقل أيضًا في تلبية الاحتياجات المحلية من الغاز والكهرباء إلى جانب حقل كونوكو، ويبلغ مجموع إنتاج الحقلين معًا حوالي 53 في المئة من إجمالي إنتاج الغاز في سوريا. نفطيًا، أظهرت دراسة بعنوان "النفط في سوريا، بين الإرهاب والديكتاتورية" عام 2016 أن إنتاج الحقل تحت سيطرة تنظيم "داعش" بلغ 3500 برميل يوميًا عام 2015، أي 1.277 مليون برميل في السنة، دون إحصاءات رسمية متاحة. وأنشئت قاعدة عسكرية أميركية كبيرة في منطقة الشدادي على مقربة منه تضم مهابط للطيران المسيّر والمروحي، ويعمل فيها أكثر من 350 عنصرًا.
5) مجمع حقول رميلان للنفط والغاز في ريف المالكية شمال الحسكة، ويُعتبر من أكثر حقول الحسكة إنتاجًا، حيث يحتوي على حوالي 1332 بئرًا نفطيًا وأكثر من 25 بئراً للغاز. انخفض إنتاجه اليومي منتصف عام 2014 إلى حوالي نحو 15 ألف برميل، أي 5.475 مليون برميل سنويًا، بعد أن بلغ أقصى معدل له بنحو 165 ألف برميل يوميًا، وفقًا لدراسة بعنوان "دمار قطاع الطاقة في سوريا خلال الحرب 2011-2020". كما تقع جنوب شرق مدينة رميلان قاعدة عسكرية أميركية كبيرة تضم أكثر من 500 عنصر.
6) مجمع حقول السويدية للنفط والغاز في ريف المالكية شمال الحسكة، ويضم احتياطات كبيرة لا يتم استثمار الجزء الأكبر منها، رغم عدم وجود تقديرات رسمية حولها بعد. بلغت قدرته الإنتاجية القصوى قبل عام 2011 حوالي 104400 برميل يوميًا، أي 38.1 مليون برميل سنويًا، وفقًا لـ "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، وكان يلبي نسبة كبيرة من الاحتياجات المحلية، قبل أن ينخفض إلى أقل من 7 آلاف برميل يوميًا بحسب منصة الطاقة المتخصصة. تعرضت منشآته لأضرار كبيرة نتيجة القصف التركي في عامي 2023 و2024. ويضم نحو 25 بئرًا تحتوي على كميات ضخمة من الغاز، ويُنتج معمله نصف مليون متر مكعب من الغاز يوميًا.حصة "قسد" ودور الولايات المتحدةفي حديث خاص إلى "المدن"، أشار الصحافي المختص في الشؤون الكُردية والسورية، شيروان إبراهيم، إلى أنه "لا وجود لإحصاءات رسمية حول إنتاج واحتياطات النفط والغاز منذ سنوات طويلة"، وأنه "لا وجود لشركات كُردية موقعة على عقود نفطية للتنقيب أو الاستخراج، وينحصر دور تلك الشركات في القطاعات الخدماتية المتصلة بقطاع الطاقة فقط". وأضاف أنه بحسب "المعلومات الواردة، فإن حصة "قسد" من أرباح النفط والغاز منذ بداية سيطرتها على الحقول حتى الآن تتراوح بين 10 إلى 20 في المئة فقط، وهي تختلف من سنة إلى أخرى بحسب المتغيرات الجيوسياسية والعسكرية"، وأن "النسبة الأكبر من الأرباح تستخدم لتغطية التكاليف العسكرية ورواتب الإدارة الذاتية".
وأكد إبراهيم أن "كل الدول والقوى التي تدخلت في الشأن السوري كان لها نصيب من النفط السوري، بما في ذلك الفصائل المعارضة". وقال إن "حصة إيران وتركيا كانت تصل عبر إقليم كُردستان العراق، من معبر سيمالكا عبر أنبوب نفطي"، وأن إقليم كُردستان العراق كان "يلعب دور الوساطة التجارية على عكس ما كان يُشاع من أن النفط كان يتم سرقته من قبل قسد"، وأن المشرف الرئيسي على عملية التوزيع النفطية منذ 2014 حتى الآن هي الولايات المتحدة".
وبعد سؤاله حول خطوط تهريب النفط من مناطق "قسد"، قال إبراهيم إن "العلاقة مع نظام الأسد كانت مقبولة في فترة سيطرة "وحدات حماية الشعب"، أي قبل تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية"، والنسبة الأكبر من النفط كانت تعود للنظام. لكن بعد مجيء القوات الأميركية، تغيرت الجغرافيا النفطية. وكانت حصة النظام من النفط تذهب عبر شركات حسام القاطرجي، الذي اغتالته إسرائيل منذ أشهر، لكنه كان مجرد وسيط تجاري".
أما حصة المعارضة السورية، فقد كانت القوافل تذهب شرقًا عبر معبر عون الدادات، ومن تلك المناطق التابعة للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وحكومة الإنقاذ في إدلب، كان يُهرَّب قسم من النفط إلى داخل تركيا".
أما في ما يخص المفاوضات الجارية بين "قسد" والإدارة الانتقالية، فأكد إبراهيم أنه، وبموجب اتفاقيات سوتشي وأستانا، قد "تم الاتفاق على المحاصصات النفطية، لكن النسب ما زالت مجهولة". وأشار إلى أن "القرار الحاسم مرتبط بإرادة الولايات المتحدة، وأن "قسد" مهمتها فقط إدارة وحماية الحقول". لكنه أوضح أن "القرار الأميركي يرتبط أيضًا بمستويات أخرى إلى جانب ملف النفط والغاز، منها الحرب مع تنظيم "داعش"، وسجناء "داعش" وخصوصاً في سجن غويران، وعائلات مقاتلي "داعش" في المخيمات ولاسيما في مخيم الهول، والاشتراط أن أي تحالف عسكري مع "قسد" في مناطق الوجود الأميركي لا يمكن أن يحصل سوى بموافقة أميركية". وأوضح في هذا السياق أن "الأميركيين هم الذين يضغطون في قضية منع حل "قسد"، فالولايات المتحدة تعتبر وجود هؤلاء ضروريًا لتحقيق الاستقرار الأمني لحماية الاستثمارات الأجنبية في سوريا على المدى الطويل.