2025- 01 - 21   |   بحث في الموقع  
logo جريمة قتل مروّعة في لبنان.. إليكم التفاصيل! logo الصحة العالمية “تأسف” لقرار الولايات المتحدة الانسحاب منها logo نفط شرق الفرات بعد الحرب السورية: نعمة أم نقمة؟ logo ارتفاع أسعار الاستهلاك في كافة المناطق والشمال بالصدارة logo فاجعة تهز منطقة لبنانية.. وفاة إمراة جراء حريق في منزلها logo أرقام يوسف بلايلي تحرج بيتكوفيتش logo جماهير برشلونة تهدد مدربا بالقتل.. اليكم التفاصيل logo رجل أعمال شهير يخدع نجم الأهلي المصري.. اليكم ما جرى
سيناريو قصير لانفصال كردي عن سوريا
2025-01-21 10:25:43

نفترض في هذا السيناريو أن يلاقي أحلام نسبة وازنة من الأكراد في إقامة دولة مستقلة، وأنه من الجهة الأخرى يلاقي إقراراً من بقية السوريين بأحقية تلك الأحلام، أو على الأقل باستحالة العيش المشترك. على ذلك نفترض حدوث اجتماع بين ممثّل عن الأكراد وممثّل عن الحكومة المركزية، لينتهي ببيان "طال انتظاره" يعلن فيه الطرفان اتفاقهما على قيام دولة كردية، وعلى أن أياً من الطرفين لن تكون له مطالبة مستقبلية ضمن حدود الطرف الآخر.كانت أخبار السيناريو الانفصالي "المفترض" قد وصلت أنقرة، فتوالت تصريحات مسؤوليها المنددة بالنوايا الانفصالية، واتفقوا جميعاً على التهديد بعواقب وخيمة، فيما إذا وضع الانفصال قيد التنفيذ. قسم أيضاً من أحزاب المعارضة التركية شارك الحكومة تنديدها وتهديداتها، والبعض من زعماء المعارضة أعلن أن التصدي لهذا الخطر الوجودي على الأمن القومي التركي يستدعي إنشاء غرفة طوارئ وحكومة وحدة وطنية.
أما ردود الأفعال الإقليمية والدولية فلم تكن مشجّعة، فمع التهديدات الإيرانية بالتدخل لإيقاف الانفصال احتشدت ميليشيات عراقية على الحدود مع سوريا، بينما دعت الجامعة العربية إلى اجتماع طارئ بعد أسبوع. الناطق باسم البيت الأبيض عبّر عن قلق بلاده ورفضها اتخاذ إجراءات أحادية من أي طرف أو أطراف، بينما اتهم الناطق باسم الكرملين واشنطن بسعيها إلى إثارة الفوضى من خلال دعمها الضمني لانفصال الأكراد، أما الناطقة باسم المفوّضية الأوروبية فأعلنت عن دعم الاتحاد المبدئي لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وحذّرت من التسبب بأزمة إنسانية.في هذه الظروف، وما أن أُعلن رسمياً عن الانفصال حتى بدأت القوات التركية قصف كافة أراضي الدولة الكردية الوليدة. وأعلن وزير الدفاع التركي أن بلاده لا تستهدف الأكراد الذين هم بمثابة أشقاء، بل تستهدف الانفصاليين، وأن قواته لن تتراجع حتى تحقيق هدفها بالقضاء على آخر "انفصالي إرهابي". هكذا لن تكترث أنقرة بالدعوات إلى الهدوء التي تصدر من هنا أو هناك، وسيستمر زخم القصف التركي على نحو يذكّر بما حدث في غزة، وسرعان ما ستأتي الأخبار عن توغل للقوات التركية بين تكذيب وتصديق من الأكراد أنفسهم، ليُعلنَ رسمياً عن سيطرة القوات الغازية على كافة الأراضي، وليخرجَ ناطق رسمي تركي بالإعلان عن أن بلاده لا تطمع بالأراضي التي يجب أن تعود إلى سوريا مستقبلاً، بعد ضمانات كافية بألا تهدد الأمن القومي التركي مجدداً.إذاً، بموجب السيناريو نفسه، انتهت مغامرة الدولة الكردية بأسرع من المتوقع، وصارت مصدر حسرة بعد أن كانت حلماً جميلاً. إلا أن تخيّل حدوث ذلك لا يخلو من فائدة سياسية اليوم، خصوصاً مع تصاعد التوتر بين فصائل تابعة لأنقرة في الشمال السوري وقوات قسد التي تسيطر على مناطق واسعة شرق الفرات، وما رافق ذلك من حملات على وسائل التواصل الاجتماعي صارت معتادة بكل ما تحمله من سوء وتسميم للأجواء المسممة أصلاً بين عرب سوريا وأكرادها.
السيناريو الذي وضعناه هو متخيَّل وواقعي معاً؛ المتخيَّل فيه أن انفصالاً ودياً من هذا القبيل لن يحدث، أما الواقعي فهو أنه إذا حدث سيُواجَه برد فعل تركي مماثل لما ذُكر أو أعنف. بصريح العبارة، انفصال الأكراد أو عدم انفصالهم عن سوريا لا تحكمه تطلعاتهم، ولا تحكمه موازين القوى في سوريا أيضاً، بل هو محكوم أولاً وثانياً بالجار الأكبر "التركي" الذي لا يسمح ولن يسمح بذلك.الخلاصة، التي لا تريد نسبة كبيرة من العرب والأكراد الإقرار بها، هي أن قراراً بتغيير الخرائط ليس في متناول أيٍّ من الطرفين، ولا رهن باختلافهما أو اتفاقهما. وواقعياً لا معنى لاتهام العرب الأكراد بأنهم انفصاليين، طالما بقي القرار خارج إرادة العرب والأكراد، ولا معنى أيضاً للردود المبدئية الكردية التي تنص على حق الأكراد بإقامة الدولة، ما دام هذا الحق معطّلاً بقوة تفوق قوة الأكراد في عموم الإقليم. لا وظيفة يؤديها هذا الجدل بين الطرفين في السياسة، إلا إذا كان تجاهل الواقع لإذكاء الاقتتال بينهما.
الواقعية السياسية شيء آخر غير ما هو صواب من وجهة النظر هذه أو تلك، ولا تستتبع بالضرورة الاستسلام التام للواقع. ومن الواقعية الاعتراف بأن سقف الحل الكردي ضمن سوريا لا يقرره عموم السوريين، بمن فيهم الأكراد، وعلى أطراف أية طاولة تفاوض فيما بينهم سيكون الشبح التركي ماثلاً بشروطه التي تتجاوز مبدأ الحل إلى تفاصيله. بعبارة صريحة أيضاً، لا يستطيع الحكم في دمشق، الآن ومن قبل وفي المدى المنظور، القبول مثلاً بفيدرالية تمنح الأكراد حق الاحتفاظ بقوات كردية محلية.أما عن التدخل التركي في الشؤون السورية، فهذا مكتوب في الصراع السوري الذي بدأ عام 2011، ثم أصبح حرباً داخلية. ففي التجارب المعروفة، كلما حدثت صراعات شبيهة كانت وصفةً لتدخل الجار الأكبر. لنا في تدخل الأسد في لبنان عام 1976 مثال من بين الأمثلة السيئة، وكذلك التدخل الإيراني في العراق الذي لم يستدعِه إسقاط صدام بقدر ما استفاد من أعمال العنف الطائفية التي اندلعت إثر سقوطه. عبر العالم، هناك الكثير من الأمثلة المشابهة، والتعاطي مع الجار الأكبر لا يُختصر بمنطق العمالة كما يصوِّره أعداؤه، مع أن العمالة والارتزاق حاضران هنا وهناك بطبيعة الحال.
مرة أخرى، فهْمُ الواقع لا يقتضي الاستسلام له بالمطلق، لكنه بالتأكيد يُغني عن إنكاره. من مظاهر الإنكار السورية أن نسبة كبيرة من العرب والأكراد يتبادلون الخطابات النارية، وكأن تقرير مصيرهم ومصير سوريا بأيديهم حقاً، وصاروا جاهزين لحربهم المقدّسة!يلزم الكثير الكثير من التواضع ليعترف السوريون جميعاً بأنهم ضعفاء جداً، وبأن بلدهم ليس قوة عظمى إقليمية، ولن يكون كذلك خلال عشرات السنين المقبلة. وهم الآن لا يملكون زمام أمورهم داخل بلدهم، ولن يقرروا بمفردهم حتى شكل الدولة السورية الجديدة. التواضع لا يلغي حقهم في تحسين شروطهم، بل هو حق لهم بمثابة الواجب، إذا توفرت النية لاسترجاع قرارهم المستقل يوماً ما.
وأول ما تقتضيه الحصافة هو التخلي عن العنتريات الفارغة، وأن يكفّ الطرفان عن الجدل فيما لا قرار لهما فيه. هكذا يمكن، مثلاً، البحث في المستوى الواقعي من اللامركزية بموجب الظروف الحالية، ويمكن الاستئناس حتى بوضع الأكراد في تركيا بحيث لا يفرض الجار التركي منسوباً أدنى لحقوق الأكراد في سوريا عمّا لديه في بلده. ورغم أن التبعية غير محببة عموماً، فلا بأس بالقول أن تركيا جار كبير ورائد بالنسبة لسوريا على العديد من المستويات، ومنها القضية الكردية التي سيكون حلها ديموقراطياً في تركيا بمثابة دليل للحل في سوريا، لا العكس بكل تأكيد.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top