تتفاقم أزمة مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت، من دون أن تجد نداءات الاستغاثة آذاناً صاغية رغم تكرارها من قِبَل الموظّفين الذين تعبِّر عن صوتهم لجنة مستخدمي ومتعاقدي وأجراء المستشفى. وينقل الموظّفون صورة المستشفى للرأي العام انطلاقاً من مشكلة تأخير دفع رواتبهم ومستحقاتهم المالية لبضعة أشهر، مع أنّ التأخير يعكس واقعاً يتّصل بتهديد استمرارية المستشفى كمؤسسة عامة فاعلة وجودة خدماتها.مطالب بدفع الرواتببالانطلاق من الرواتب والاعتصامات المتكررة، يتطرّق الموظّفون إلى النقص الذي يعانيه المستشفى في المعدات والمستلزمات الطبية وغياب أعمال الصيانة لا سيّما للمعدّات، الأمر الذي يهدّد استمرار عمل المستشفى بالمستوى المطلوب.
على صعيد الرواتب، أكّدت مصادر في اللجنة خلال حديث لـ"المدن"، أنه لغاية اليوم "لم نتقاضى رواتب شهر كانون الأول الماضي، ولا نعرف متى ستُصرف لنا، علماً أن موظّفي الإدارات والمؤسسات العامة تقاضوا رواتبهم قبل فترة عيديّ الميلاد ورأس السنة في نهاية العام 2024". وتُضاف هذه الرواتب إلى مستحقّات أخرى غير مقبوضة "منذ شهر تشرين الثاني 2023، منها الإضافات على الرواتب وبدلات المثابرة وبدلات البنزين وغيرها".وللمطالبة بحقوقهم، نَفَّذَ الموظّفون اعتصاماً أمام مدخل وزارة الصحّة. والتوجّه نحو الوزارة "ليس عبثياً"، إذ أنَّ الوزارة "مارست كل أنواع التنكيل بموظّفي المستشفى، ومارست كل أنواع تجاهل المشاكل التي افتعلَتها خلال ولاية هذا الوزير (فراس الأبيض)"، وفق ما قاله رئيس اللجنة بسّام العاكوم، في كلمته أمام مدخل الوزارة.وأشار عاكوم إلى أن "وزارة الصحة خلال 5 سنوات، كانت غائبة عن المستشفى ما خلا تبديل اللجان المؤقّتة والقيام بإجراءات انتقائية فيها مصالح خاصة". وكشفَ أن "الوزارة أمَّنَت الأموال للمورِّدين ورتَّبَت ديوناً على المستشفى، مقابل عدم تسديد مستحقات الموظفين". وهذه الأموال هي عبارة عن سلفتَين من مجلس الوزراء، الأولى بقيمة 156 مليار ليرة ذهبت لتسديد مستحقات مورِّدي المعدات والمستلزمات الطبية، والأخرى بقيمة 200 مليار ليرة أُقِرَّت حصراً لتسديد مستحقات الموظفين، لكنها لم تُستَخدَم في وجهتها الصحيحة، وحُرِمَ الموظّفون من مستحقاتهم. وأعتَبَرَ عاكوم أن الأموال "صُرِفَت بسياسات مشبوهة".سياسات أضَرَّت بالمستشفىفنَّدَت المصادر ما قيل في اعتصام اليوم. ومع أنَّ كل ما يُحكى عن المستشفى وأزماته، ليس بالأمر الجديد، بل تراكمات لم يُعمَل على حلّها، أوضحت المصادر أنّ الممارسات التي تحصل بحقّ المستشفى تترك انطباعاً عند الموظّفين بأن "هناك مَن يتعمَّد تدمير المستشفى تمهيداً لإقفاله".
وحول الممارسات السلبية، أشارت المصادر إلى أنه على سبيل المثال "بعد تكليف اللجنة المؤقّتة لإدارة المستشفى، أحد رؤوساء الأقسام (م.ق) بمهام الرئاسة المالية التي يناط بها التوقيع على صرف الرواتب، ضَغَطَت وزارة الصحة لسحب هذا التكليف وإسناد مهامه إلى شخصين آخرين، أحدهما رئيس دائرة والآخر رئيس قسم، ويوقِّع الطرفان على الأمور المالية إلى جانب رئيس لجنة الإدارة، ومع ذلك، لم تُصرَف الرواتب والمستحقات بعد، إذ تنتظر المسألة موافقات وزارتيّ الصحة والمالية بالإضافة إلى مصرف لبنان". وإلى جانب هذا التبديل، شهدت لجنة الإدارة أيضاً "تغييراً طاولَ عضوَين استُبدِلا بعضوين آخرين يشغلان منصب رئيسيّ قسم في المستشفى. ويزيد هذا الاستبدال فرص التحكُّم بقرارات اللجنة". وفي المسألة المالية أيضاً، يعاني المستشفى من بطء في معالجة فواتير الاستشفاء. وبين وزارتيّ الصحة والمالية، يتأخّر تدقيق القواتير وصرف قيمتها.مصالح الشركات المورِّدةومع أنّ الوضع في المستشفى لم يعد يُحتَمَل "لم يتدخّل وزير الصحة لتدارك الوضع واتخاذ الإجراءات المطلوبة". لكنّ الأبيض ليس غائباً تماماً، فقالت المصادر إنّ "وزير الصحة عمل على تأمين سلفة مالية بقرار من مجلس الوزراء، لتسديدها للشركات المورِّدة للمستلزمات والمعدات الطبية. وعليه، تمّ دفع نحو 65 بالمئة من ديون المورِّدين على المستشفى، عن فترة زمنية تمتدّ من العام 2015 حتى العام 2024". وأوضحت المصادر أنّ السلفة الأولى التي أقرَّت للمورِّدين لم تكفِ، ما دفع إدارة المستشفى إلى اقتطاع جزء كبير من السلفة الثانية (200 مليار) لتسديد مستحقات المورِّدين وحرمان الموظفين من مستحقاتهم".
وعلى ضوء هذه الخطوة، رأت المصادر "أن على التفتيش المركزي التحرُّك ومنع إدارة المستشفى من التصرُّف وفق هذا القرار، خصوصاً وأن عدداً كبيراً من الفواتير نُظمت قبل العام 2019، أي قبل تدهور سعر صرف الدولار، وعليه، هناك فواتير بالليرة دُفِعَت اليوم بالدولار وفق سعر الصرف الحالي، وحقَّقَ بذلك المورِّدون أرباحاً كبيرة".ولا تقف تداعيات تلك الخطوة عند هذا الحدّ "فبعض الشركات المورِّدة التي قبضت مستحقاتها، كانت تقاطع المستشفى منذ سنوات ولا تورِّد له شيئاً، بحجة عدم دفع المستحقات السابقة، فيما المستشفى بحاجة للمواد الطبية".وأسفت المصادر إلى وجود مثل هذه الممارسات بحقّ المستشفى الذي يقدِّم خدماته في أصعب الظروف وبالإمكانيات الضعيفة "مع أنّ وزير الصحّة يؤمِّن المستلزمات لمستشفيات أخرى، فيما الكثير من معدّات مستشفى الحريري متوقّفة عن العمل، وبعض ما يقدِّمه للمستشفيات الأخرى، يحتاجه مستشفى الحريري". لا يبدو أنَّ معضلة مستشفى الحريري قابلة للحلّ قريباً، فهناك الكثير من الأسرار في الأروِقة. لكن الواضح أن نتائج الإهمال تصبّ في خدمة إقفال المستشفى أو في أحسن الأحوال إضعافه تماماً ليخرج من منافسة مستشفيات أخرى حكومية أو خاصة "وبعضٌ من تلك الممارسات يعود لدوافع شخصية وليس لعراقيل إدارية بيروقراطية".