كثرت في الآونة الأخيرة اعتراضات السكان والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي حول تردي وضع نهر أبو علي في طرابلس. فقد بات مجراه سائبًا ومرتعاً للنفايات والقاذورات والمجارير، مع كل ما يحمله من أمراض ومخاطره على الصحة العامة. وباتت المنطقة مبعثاً للروائح الكريهة وتلوث الهواء بالسموم والانبعاثات. هذا فضلاً عن انتشار الذباب والبرغش، وحتى الكلاب الضارية، جراء رمي بقايا الذبائح في النهر.روائح كريهة والأوبئةالتعدّيات على مجرى نهر أبو علي تتكرر يومياً. ترصدها البلدية لكن تعجز عن وقفها. فقد تلقفت بلدية طرابلس صرخة المواطنين ونظمت دوريات، بين الحين والآخر، في محاولة لمنع التعديات تجاوباً مع شكوى الأهالي، وألقت شرطة البلدية القبض على سيارة بداخلها شخصين كانا يرميان مخلفات خضار ولحوم ودجاج في مجرى النهر، وقامت بحجز السيارة، كما تعقبت شاحنة كانت ترمي مخلفات خضار أيضًا. وتقصّدت نشر هذه الأخبار على صفحتها الرسمية، في محاولة لتلافي انتقادات السكان والناشطين لما آلت إليه أوضاع النهر واتهامها بالتقصير.
وحول معاناة السكان في المنطقة المجاورة للنهر يقول هاشم خضر: "معاناتنا كبيرة، فالروائح كريهة سواء من مخلفات النهر أو من حرائق المكب وبوَر النحاس المنتشرة في المنطقة. ولا نستطيع فتح نوافذ البيوت للتهوئة، ليس من الروائح فحسب، بل من انتشار الذباب والبرغش. وانتشار الأوبئة التي تعرّض حياة أبنائنا للخطر.البلدية عاجزة عن منع التعدياتمنذ سنوات، تحوّل مجرى نهر أبو علي إلى مكبّ للنفايات، ومرتعاً للمياه الملوّثة ومبعثاً للروائح الكريهة. وبات يشكل خطرًا صحيًا وبيئيًا على المدينة، بدل أن يكون أحد أهم أسباب الحياة فيها. في المقابل تقتصر إجراءات البلدية والقوى الأمنية، على تنظيفها بين فترة وأخرى، وإزالة تعديات البسطات التي ما تلبث أن تعود بعد أيام وكأنّ شيئًا لم يكن. معالجات مؤقتة وغير جذرية لواقع صعب يحتاج إلى خطة متكاملة.
أهالي طرابلس يقارنون النهر بأنهر أخرى تقع في مناطق أخرى. ويعتبرون أن نهراً بهذا الموقع المميز، يخترق المدينة القديمة من جانبيها ويجاري القلعة الأثرية، يجب أن تجنّد كل الطاقات لحمايته، والاستفادة منه للري وتوليد الطاقة الكهربائية، كأي نهرٍ بحجمه.
ويتأسف المحامي والناشط الطرابلسي خالد صبح " لأن يتحول النهر الشاهد على تاريخ طرابلس إلى مكب نفايات، بعد أن كان مصدراً للحياة في المدينة تروى منه الأراضي الزراعية والحدائق العامة".
ويضيف: "الإهمال وقلة المسؤولية وانعدام الوعي لدى البعض، ساهم بتحويله من شاهد على حضارة طرابلس إلى شاهد على تشوّيهها. هناك غياب للمعنيين، ما يطرح علامات استفهام عدة حول الغاية من وراء هذا الإهمال المتعمّد لطرابلس"، مطالباً "بوضع دراسة عبر البلدية والوزارات المعنية ورؤية لوقف هذه التعديات وتطبيق القوانين على كل من يلوث النهر، ولو أد ذلك إلى إقفال المحلات التي ترمي أوساخها ومخلفاتها فيه، ليعود معلماً سياحيًا وحضاريًا".تدهور البنية التحتيةرئيسة جمعية دنيا للتنمية المستدامة ناريمان الشمعة تقول: "نهر أبو علي يتعرّض لشتى أنواع الملوّثات والتشوّه البصري، فيما المعالجات لم تكتمل يوماً، ما أدّى إلى تدهور البنية التحتية للنهر لغياب الصيانة".تتهم الشمعة البلدية بأنها "لا تقوم بدورها، ومشروع الإرث الثقافي لم يُنفّذ بشكل صحيح، والمطلوب الآن التنظيف المستمرّ ومنع النفايات، ووضع خطة متكاملة للمنطقة لتأهيلها، تقع على عاتق الدولة بما يليق بطرابلس وسكانها وزوارها".
وتشير إلى أن المعالجة للكارثة الحالية تبدأ من لعب البلدية دورها. وهذا يجب أن يترافق مع مواكبة أمنية لإزالة المخالفات. كما يجب السعي مع مجلس الإنماء والإعمار والمنظمات لتنفيذ مشاريع للنهوض بالمنطقة، ولاحقًا يأتي دور المجتمع المدني. فقد قمنا سابقًا بالعديد من المبادرات التجميلية والتشجير والتزيين والرسومات وغيرها. لكنّ العمل المستدام يحتاج أولاً لجهود البلدية والدولة لحل المشاكل البنيوية، ثم يأتي دور التجميل والتحسين".البلدية تحاول بالمستطاع:ودافع رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق عن دور البلدية شارحاً الخطوات التي أنجزتها في هذا الصدد وقال:" البلدية قامت مؤخراً بالتعاون مع غرفة طرابلس وشركة لافاجيت، بتنظيف مجرى النهر. وتقوم بشكل دائم بإزالة المخالفات ومنع أصحاب البسطات من التعدّي. لكن الحل النهائي يجب أن يكون بتضافر كل القوى. نحن لا ننفي وجود تقصير، ولكن كبلدية نعمل على مشروع متكامل، يقوم على حماية مجرى النهر بشكل حضاري. لكن المؤسف أن الظروف التي تمر على المدينة، ليست مشجّعة دائمًا للقيام بما نخطط له، ونطلب من الجميع الوقوف إلى جانب البلدية ودعم الجهود لأن مسؤولية حماية طرابلس هي مسؤولية مشتركة".مشروع الإرث الثقافييقول العارفون إن "أبو علي" كان تحفةً خضراء ومقصداً للزوار. قامت بفضله جنائن واشتهرت زراعة التوت وصناعة الحرير وبعد ذلك أصبحت طرابلس مزرعة لليمون والبرتقال تفوح منها رائحة عطرة ومن هنا أطلق لقب الفيحاء على طرابلس. النهر الهادر والقوي هو اليوم صار بلا هدير، استُعيض عنه بأصوات أصحاب بسطات الخضار والفاكهة الذين يطوّقونه ويجعلونه مرمى للمخلفات، ما يعيق حركة المياه. ذاك أن النفايات تسدّ المجرى ويفيض في المنطقة.
إحدى محاولات المعالجة تمثلت في مشروع إحياء الإرث الثقافي لمدينة طرابلس في العام 2008. استفاد النهر من مشروع تشييد "سقف مجرى النهر"، الذي يمتد من باحة جامع البرطاسي نزولاً باتجاه البحر، ليغطي نحو 300 متر، بتمويل من البنك الدولي. كان الهدف منه نزع بسطات الخضر عن جوانب الطريق وضفافه، مقابل إنشاء محال بديلة فوق النهر. هذا فضلاً عن إحياء قلب المدينة التاريخية. لكن المشروع الذي رصد له مبلغ 19 مليون دولار أميركي لم يكتمل بالصيغة العلمية والهندسية التي وُضعت، لأسباب منها التدخلات السياسية والتنفيعات، وغياب الرقابة، فكانت النتيجة أن تحول مجرى النهر إلى مكب، وأما سقفه فتحول مرتعًا للعربات وبسطات "البالة" وشتى أشكال المخالفات.