احتدمت معركة الصورة مع انطلاق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الأحد، بين إسرائيل وحركة "حماس"، مع محاولة الطرفين تصدير رسائل التحدي وممارسة حرب نفسية متبادلة بينهما.
وكانت أكثر الصور استنفاراً لإسرائيل هي ظهور أفراد من "كتائب القسام" بأسلحتهم وزيهم الموحد، وكذلك عناصر الشرطة، في شوارع غزة، بوصفه مشهداً أرادت "حماس" منه القول انها "تتحدى الاحتلال"، وحديثها عن فشل إسرائيل في تحقيق هدفه بالقضاء على الحركة عسكرياً وسلطوياً رغم الحرب التي استمرت نحو 15 شهراً.وشغلت تلك المشاهد محطات التلفزيون والإذاعة العبرية، فتسائل محللون إسرائيليون: "كيف أفلت أفراد القسام ومعهم مركباتهم وأسلحتهم من الحرب الاسرائيلية؟ أين كانوا؟". في حين، نشرت صحيفة "هآرتس" اليسارية مقالاً بعنوان "نريد أن يتوقف هذا الجنون"، مستعرضة الألعاب النارية ولافتات النصر في غزة، تحت عنوان "حماس باقية، وغزة انتصرت".وبرزت صورة ثانية لأفراد "القسام" أثناء تسليمهم ثلاث رهينات إسرائيليات لـ"الصليب الأحمر الدولي" في ساحة السرايا وسط مدينة غزة، وسط تجمهر وهتافات عدد كبير من المواطنين الغزيين. واللافت أن محطات التلفزيون الإسرائيلية نشرت الصور مع أسئلة المذيعين عن دلالات هذه المشاهد العسكرية والنفسية.وأثارت الصور غضب أحد الصحافيين الاسرائيليين خلال مؤتمر صحافي للمتحدث باسم الجيش الاسرائيلي، فوجه له سؤالاً استنكارياً: "هل يمكن للجيش أن يمنع مستقبلاً تكرار المشهدية التي أظهرت إحاطة عدد كبير من مسلحي حماس والناس حول المحتجزات الإسرائيليات أثناء تسليمهن للصليب الأحمر الدولي؟".وكانت المشاهد الواردة من غزة موضوع نقاش رئيسي في التلفزيون العبري الرسمي "مكان"، حيث نوه مذيع النشرة الصباحية بأن الفرحة الإسرائيلية بإطلاق سراح المحتجزين امتزجت بغضب في إسرائيل بسبب المشاهد الواردة من غزة، وسأل مذيع "مكان" عن ما فعله السياسيون الإسرائيليون، وتحديداً مكتب نتنياهو، للتخفيف من حدة الصور وتأثيرها السياسي.وأقر محلل الشؤون السياسية للقناة العبرية بأنه رغم إنهاك "حماس" جراء الحرب الطويلة، واغتيال عدد كبير من قياداتها، إلا أن صور استعراض قوتها في غزة، شكلت صدمة للوعي الجماهيري الإسرائيلي، وأن المستوى السياسي في تل أبيب أراد تغطية الصور الغزاوية، عبر المباركة للمحتجزات والاحتفال بعودتهن، لمنع الإسرائيليين من طرح السؤال الصعب: "لماذا نرى حماس تفرض السيطرة على غزة حتى الآن؟".إلى ذلك، أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمتحدث باسم مكتبه كي يهدئ وتيرة هذه الأسئلة، ومعها غضب أقطاب اليمين، بتأكيده أن إسرائيل "تريد تطبيق كل أهداف الحرب"، وهي رسالة فسرها الإعلام العبري بأنها "طمأنة لليمين الغاضب، بأن الحرب عائدة". كما تدخل وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كرعي بتغريدة في موقع "إكس"، كتب فيها على صورة لأفراد القسام في غزة أثناء تسليم المحتجزات الإسرائيليات: "راجعين لكم"، في إشارة إلى عودة الحرب.رغم ذلك، رأت القراءات العبرية أن صور غزة ستزيد ضغط اليمين المتطرف على نتنياهو في جميع الأحوال. وفي سياق التفسير الإسرائيلي لصور القسام، رأى مراسل "مكان" العسكري، إيال عاليما، أن الصور لا تثبت بقاء قدرة "حماس" العسكرية، لأنها دُمّرت كثيراً جراء الحرب، لكنها تثبت إصرارها على السيطرة السياسية والسلطوية على القطاع، وأن "حماس" هي المقررة أولاً وأخيراً لليوم التالي.واعتبر عاليما في إفادته التلفزيونية أن تهرب اسرائيل من الحلول السياسية واتباعها نهج إدارة الصراع على مدار سنوات طويلة، أدى في نهاية المطاف إلى سقوطها في "فخ السابع من أكتوبر"، مشيراً إلى أن حرب غزة غيرت شكل المنطقة، لكنها لم تحدث تغييرات استراتيجية بغزة من ناحية إنهاء سيطرة "حماس" هناك حتى اللحظة.وقال المحلل السياسي روني شاكيد أن "حماس" تمارس حرباً نفسية، وأن إسرائيل مطلوب منها الرد بالأسلوب نفسه. وبينما فشلت إسرائيل في منع خروج صورة احتفالات مماثلة للفلسطينيين في الضفة الغربية، احتفاء بتحرير دفعة من الأسرى الفلسطينيين بموجب صفقة التبادل، قال شاكيد: "يجب علينا أن نمسك أنفسنا بسبب الاحتفالات الفلسطينية في شرق القدس ومناطق أخرى".وتطرق شاكيد إلى الأسير المقدسي، وائل قاسم، المقرر الافراج عنه بموجب المرحلة الأولى للصفقة، فاعتبره خطيراً، مستذكراً أنه أجرى لقاء معه في السجن قبل سنوات، في إطار بحث أكاديمي. وبحسب شاكيد، قال قاسم أنه "لن يضع يده على قطة صغيرة"، رغم أنه "مسؤول عن قتل 38 إسرائيليين في تفجيرات بالجامعة العبرية وغيرها"، بحسب شاكيد الذي وصف السجون الإسرائيلية بأنها "الكلية الوطنية للإرهاب"، وأن مَن سيخرجون من السجن سيكونون القيادة الجديدة لـ"حماس" في الضفة الغربية وغزة والخارج.وبعيداً من التأثير النفسي والسياسي لصور غزة، ينظر الجيش الإسرائيلي إلى صور غزة على أنها تمثل حركة "مهمة" لمراقبة تحركات أفراد القسام، وانطلاق مركباتهم وعتادهم، وهو ما يعني تحديث المعلومة الأمنية الإسرائيلية، على نحو يتم استثماره لضرب أهداف جديدة لـ"حماس" في حال استئناف الحرب، ما يشكل فرصة بالمنظور الاستخباراتي الإسرائيلي. فيما يحاول نتنياهو استغلال صور "القسام" في غزة، ليؤكد ذريعته أمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بأن الصور دليل على موقفه بأن أهداف الحرب لم تنتهِ بعد، وأنه بحاجة إلى استئنافها.في المقابل، نشرت إسرائيل صورة مضادة وهي فرحة الاسرائيليين في محاولة للتغطية على صور احتفالات الفلسطينيين. كما سعت من خلال عرض صور عاطفية، مثل بكاء عائلات المحتجزات لحظة اللقاء، لتدعيم دعايتها بأنها ذهبت إلى الحرب من أجل لحظة اللقاء، رغم أن التجربة أظهرت أن أهداف نتنياهو تتعدى بكثير مسألة إعادة الرهائن الذين اختطفتهم "حماس" إثر هجومها الذي أدى للحرب ضدها.والحال أن ثمة صورة أخرى تبرز أيضاً في خضم معركة الصورة بين "حماس" وإسرائيل، وهي صورة الوجع والدمار الكبير الذي أحدثته الحرب في القطاع، ما يجعل الأسئلة التي ستطرح بعد الحرب أكبر بكثير من تلك التي طُرحت خلالها، خصوصاً ما يتعلق بتدبير الأمور الحياتية والإنسانية للسكان، وإعادة الإعمار.