2025- 01 - 20   |   بحث في الموقع  
logo من المرجح أنها عائدة للموساد الإسرائيلي… الأمن العام يحذّر من التفاعل مع صفحة سوا SAWA logo ميقاتي: معاً سنبقى في خدمة لبنان logo سياسات مشبوهة وهدر أموال: من يسعى لإقفال المستشفى الحكومي؟ logo “تابعة للموساد”.. تحذير من صفحة على فايسبوك logo ميقاتي: سنبقى في خدمة لبنان ونتمنى عهداً ميموناً للرئيس عون logo منصوري: لا صحة لكلام منسوب عن دعوة المودعين الى تقبّل خسارة ودائعهم logo "شُعّ أيّها الماس الأخبل" logo الشرع يلتقي والدة الصحافي الأميركي المختفي منذ 13 عاماً
فرح سوري يتنفس الحياة من جديد
2025-01-20 11:55:54



كان التوقع أن تنتهي الفرحة السورية بسقوط النظام بعد شهر كحد أقصى، ولكنها باتت في منتصف الشهر الثاني، وهي مستمرة في المحافظات السورية كافة، بما فيها تلك التي لا تزال خارج السرب في أقصى الشرق والجنوب. لم تبدأ الاحتفالات بقرار من جهة ما، هي حالة عفوية انفجرت من تلقاء ذاتها، تحمل في طياتها الكثير من المشاعر التي كبتها السوريون طيلة ستين سنة، وحان الوقت كي تخرج مرة واحدة، ولذلك لا يستطيع أحد إيقافها بقرار. ليس في وسع السلطات التي تولت إدارة البلد بعد سقوط النظام، أن تقول للناس انتهى موسم الفرح عليكم العودة الى بيوتكم، لقد حان الوقت كي ترجعوا إلى حياتكم السابقة. لن يكون ذلك ممكناً، الكل يفتش عن حياة جديدة.
الناس فرحون لأن الخوف سقط بلا رجعة، ولن يتمكن أي حاكم مهما امتلك من القوة أن يعيدهم إلى الوراء. لأن ما حصلوا عليه لم يكن هدية من أحد، بل جاء ثمرة للصبر الطويل والتضحيات التي قدمها المجتمع السوري بكل تنويعاته. فما من عائلة سورية إلا وشاركت في صناعة هذه اللحظة التي طال طريق الوصول إليها. وعلى هذا يبحث كل فرد عن نصيبه الخاص مما حمله العهد الجديد من وعود بالخلاص والمستوى اللائق من العيش والخدمات الأساسية، التي كانت شبه معدومة في العهد البائد.
الفرح السوري لا حساب عليه، لا أحد له الحق حساب الحالة، أو تقنينها، ووضعها ضمن ضوابط معينة، طالما أنها تبقى في إطار شرح الحال الشخصي، ولا تصل إلى الفوضى التي تؤذي أو تزعج الآخرين، ولأنه فرح استثنائي، وفي مثل كل عيد، فلكل شخص الحق أن يعبر بالطريقة التي يراها مناسبة، الأغلبية صارت تغني في الساحات العامة والمقاهي والمطاعم والبيوت، لا أحد ينتبه إلى جمال الأصوات من عدمه، وهناك مظاهر لا يمكن تفسيرها بسهولة، ثمة من يهاتف شخصاً عزيزاً، لم يتحدث معه منذ زمن طويل، ليقول له إن مشتاق له ثمّ يجهش بالبكاء. حال الخوف حتى دون بث المشاعر عن طريق المكالمات أو الرسائل، بسبب الرقابة الأمنية الصارمة.
تعكس أشكال الفرح السوري قدرا من الجوع إلى الحرية، ويظهر ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت منابر للجميع كي يعبروا من دون خوف أو رقابة. تتعدد وتختلف مستويات التعبير، لكنها تلتقي عند حالة فرح قصوى، وتتحدث بعض وسائل الإعلام الأجنبية عن مهرجان مفتوح وعيد شعبي، تجلت فيه الشخصية السورية التي طمسها النظام السابق وحولها إلى خائفة صامتة، لا تعرف الفرح.
كل فرد سوري من الذين عبّروا عن فرحهم بسقوط النظام يريد الاحتفال. يتصرف الناس وكأنهم يستردون حقا مسلوباً، أو ديناً بات ميتاً، وعادة فجأة إلى أصحابه بعد أن استولى اليأس والإحباط، وذهب الملايين في رحلة طويلة على دروب الآلام والتهجير، لكنها انتهت بالنجاح الذي لم يكن في حساب العقل ولا العاطفة. كل الدراسات والتقديرات كانت تؤكد أن دولة آل الأسد باقية وتتمدّد، بدعم من إيران وروسيا وحراسة الميليشيات الطائفية العابرة للحدود. حتى الحلم برحيل النظام لم يكن يراود أحد، بل فقد الناس الجرأة على على تشغيل محركات الخيال من أجل تصور لحظة على هذا القدر من الغرابة.
هناك تجاوزات، ومشاكل ولكن المزاج العام لا يتوقف عندها، والطاغي هو الفرح الذي يتجاوز في زخمه التفاصيل النشاز، التي باتت جزءاً طبيعياً من المشهد. ورغم التشويش يستمر الحفل، وبدلاً من أن يتراجع عدد المشاركين فيه، فإنه يزداد ويتسع، وفي كل لحظة يجد المحتفلون مبرراً كي يغنوا ويتبادلوا التهاني، ويبكوا كذلك من شدة حمولة اللحظة التي لم تكن واردة أبداً. كان الوضع مأسوياً قبل 8 كانون الأول. وبلغ مستوى أن الذين لم يهاجروا كانوا يراجعون أنفسهم، ويتساءلون هل كان قرارهم بالبقاء صحيحاً، بعد أن وصلوا إلى حافة الجوع، ثم فجأة انزاح عن صدورهم نظام متكلس استمر اكثر من ستين عاماً، واكتشفوا بين عشية وضحاها أن الرعب لم يعد موجوداً.
الصور الأولى للمدن السورية بعد سقوط النظام عكست الكثير، عن بلد منهار، وكان واضحاً على قسمات الناس أنهم عاشوا سنوات من الفقر والقمع، ولكنهم أحياء، حالهم يشبه الغريق الذي وصل إلى القاع، وبقي فيه رمق من الحياة، تشبث به حتى الثانية الأخيرة، التي فصلت بين الحياة والموت. وعاد من جديد ليتنفس الحياة، ويحتفل بالخلاص.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top