في اليوم الثاني لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بدأ آثار 471 يوماً من الوحشية تتكشف شيئاً فشيئاً في القطاع المدمر. وتمكن الدفاع المدني في القطاع، من انتشال جثامين 39 شهيداً من مناطق متفرقة، من مدينة رفح، جنوبي قطاع، منذ يوم أمس الأحد وحتى اليوم. فيما بدأت عمليات بحث بطيئة عن حوالي 11 ألف مفقود منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
انشال جثامين الشهداء
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بالسماح الفوري وغير المشروط بدخول فرق الطب الشرعي والفحص الجنائي إلى قطاع غزة. وقال إن هناك حاجة ماسة لإدخال المعدات الفنية اللازمة لدعم فرق الإنقاذ المحلية في انتشال جثامين الضحايا من تحت الأنقاض.
وأضاف أن الفرق الميدانية وثّقت وجود جثامين متحللة بشكل كامل في رفح، وشمال غزة، بعد انسحاب قوات الاحتلال من تلك المناطق. وأكد أن وجود فرق طب شرعي وخبراء في الفحص الجنائي، أمر ضروري للتعرف على الجثامين المتحللة والكشف عن مصير المفقودين.
وأضاف المرصد أن التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 11 ألف مفقود في غزة، بينهم شهداء تحت الأنقاض ومختفون قسرياً في السجون الإسرائيلية. وطالب بتوثيق حالة الجثامين كأدلة قانونية يمكن استخدامها في محاسبة مرتكبي الجرائم أمام المحاكم الدولية.
كما طالب بالكشف عن المواقع التي يُشتبه بأنها تحتوي على مقابر جماعية، تحت إشراف خبراء دوليين، لضمان حماية الأدلة.
دمار المباني
في غضون ذلك، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، إن 92% من المنازل في قطاع غزة، أي نحو 436 ألف منزل، دمرت أو تضررت جراء العدوان الإسرائيلي، فيما نزح 90% من المواطنين عن بيوتهم.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في فلسطين الدكتور ريك بيبركورن اليوم الاثنين، إن "إعلان وقف إطلاق النار يبعث الأمل، ولكن التحدي الذي ينتظرنا مذهل". وأضاف "ستكون معالجة الاحتياجات الهائلة واستعادة النظام الصحي مهمة معقدة وصعبة، بالنظر إلى حجم وتعقيد العمليات والقيود المترتبة عليها".
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تسبّب القصف الإسرائيلي للقطاع المحاصر بقدر "غير مسبوق من الدمار في التاريخ الحديث"، بحسب تقرير الأمم المتحدة.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، تصل التكلفة الإجمالية لإعادة بناء ما دمرته الحرب إلى 40 مليار دولار أميركي، وحسب التقديرات نفسها، فإن كمية الأنقاض في القطاع بلغت نحو 37 مليون طن، كما أن أكثر من 70% من إجمالي المساكن في غزة، تضررت أو تم تدميرها.
وأكدت الأمم المتحدة أن الدمار في القطاع الفلسطيني هائل ومخيف، وأن القطاعين التعليمي والصحي تم تدميرهما بشكل شبه كامل.
وبحسب آخر تقييم للأضرار أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فإنه حتى بداية كانون الثاني/ديسمبر 2024، تضرر أو دمر ما يقرب من 69% من مباني القطاع، أي ما مجموعه 170 ألفاً و812 مبنىً.
وأحصى الباحثان الأميركيان كوري شير وجامون فان دين هوك، استناداً إلى تحليلات الأقمار الصناعية، ولكن باستخدام منهجية مختلفة، 172 ألفاً و15 مبنىً متضرراً جزئيا أو كلياً في القطاع حتى 11 كانون الثاني/يناير الجاري، أي ما يعادل، 59.8% من مباني القطاع.
ومن خلال الجمع بين بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية وقاعدة بيانات أوبن ستريت ماب الدولية (البيانات التعاونية والمفتوحة)، يتبيّن أن 83% من مساجد القطاع تضررت جزئياً أو كلياً.
المدارس والبنية التحتية
ولم تسلم مدارس غزة، التي تُستخدم منذ بدء الحرب كمراكز إيواء للنازحين، بما في ذلك تلك التي ترفع علم الأمم المتحدة الأزرق، إذ دفعت ثمناً باهظاً أيضاً في الحرب.
وحتى الأول من الشهر الماضي، أحصت (يونيسيف) تضرّر ما لا يقلّ عن 496 مدرسة، أي ما يقرب من 88% من أصل 564 منشأة مسجّلة. ومن بين هذه المدارس 396 مدرسة أصيبت بقصف مباشر.
أما فيما يتصل بشبكة الطرق، فقد بلغت نسبة الضرر حوالي 68% من إجمالي طرق القطاع، حيث تم تدمير ألفاً و190 كيلومتراً، وفقاً لـ"تحليل أولي" أجراه (UNOSAT) في 18 آب/أغسطس الماضي.
من جهتها، قالت بلدية غزة، شمال القطاع، إن أكثر من 70% من طرق المدينة دُمرت بالكامل. وأوضحت أن "أولويات المرحلة الأولى إعادة الحياة إلى المدينة وتأمين الخدمات وإعادة فتح الشوارع".
وأشارت إلى أن المياه مقطوعة عن نحو 60% من سكان مدينة غزة. وقالت إن إجراءات الإنقاذ مرتبطة بدخول المساعدات الفنية وأدوات الصيانة.
الصحة والغذاء
وفي السياق، رحبت منظمة الصحة العالمية بوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن والسجناء، معتبرة ذلك خطوة إلى الأمام تبثّ الأمل في نفوس ملايين الأشخاص الذين دمر النزاع حياتهم.
وقالت المنظمة إن تلبية الاحتياجات الهائلة واستعادة النظام الصحي في غزة، تُعتبر مهمة معقدة للغاية، وسوف تشكل تحدياً كبيراً، بالنظر إلى حجم الدمار والتعقيدات والقيود التنفيذية، مؤكدة أن هناك حاجة إلى ضخ مليارات من الاستثمارات لدعم تعافي النظام الصحي، وهو ما سيتطلب التزاما ثابتا من المانحين والمجتمع الدولي.
كذلك، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، سعيه لتوفير الغذاء لأكبر عدد ممكن من سكان قطاع غزة، بعد إعادة فتح المعابر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال نائب المدير التنفيذي للبرنامج كارل سكاو: "نحاول الوصول إلى مليون شخص في أقرب وقت ممكن"، مشيراً إلى أن شاحنات المنظمة ومقرها في روما بدأت دخول القطاع. وأضاف "نقدم الدقيق ووجبات جاهزة وسنعمل على كل الجبهات لإعادة تموين المخابز وتوفير مكملات غذائية للأطفال الأكثر تضررا من سوء التغذية".