عندما اختارته مجلة “تايمز” الأمريكية كشخصية العام، أشار الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حوارٍ لها إلى أن “كل شيء ممكن”، فيما يتعلق بإيران. هذا التصريح يفتح المجال أمام احتمالية اتخاذ ترامب قرارًا بالتصعيد العسكري ضد طهران أو منح إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات عسكرية ضدها.
ولعلّ التصعيد المحتمل يعكس الواقع المتوتر بين إيران والولايات المتحدة، حيث إن العلاقة بين البلدين في عهد ترامب أصبحت على المحك، خاصة مع بدء ولايته الثانية.
قبل أن يدخل البيت الأبيض، أظهر ترامب قدرة على إنهاء العديد من الحروب في مناطق مثل غزة ولبنان وسوريا. فهل سيكون دور إيران هو التالي؟ وهل سيقدم ترامب على الخيار العسكري أم سيسلك طريق التفاوض؟ ومن جانب إيران، ما هي التنازلات التي يمكن أن تقدمها لتجنب مواجهة عسكرية مفتوحة؟
العقلية الإيرانية: البراغماتية والتحفظ على الحرب
تنقسم الآراء الإيرانية إلى فريقين رئيسيين: الأول، يعتقد أن التفاوض مع الولايات المتحدة هو الخيار الوحيد لتجنب المزيد من العقوبات التي أرهقت الشعب الإيراني. فغياب التفاوض يعني تصعيدًا مع الولايات المتحدة وحلفائها، في وقتٍ لا تملك إيران حلفاء أقوياء يمكن أن يعينوها في لحظات الشدة. هذا الفريق الإصلاحي يرى أنّ حضور إيران في المحور الأوراسي لا يضاهي قوة وجود إسرائيل في المحور الغربي. وبالتالي، فإن المصلحة البراغماتية تقتضي التفاوض لإنهاء الأزمة.
أما الفريق الآخر، الذي يرفض التفاوض، فيتكون من عدة فئات. أبرزها “تجار العقوبات” الذين يستفيدون من الأنشطة غير القانونية المرتبطة بالعقوبات عبر التهريب، والمحافظين الذين يرفضون أي تعامل مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل الأيديولوجية التي ترفض أي “تسوية مع عدوّهم الأكبر”. والأهم من ذلك، الحرس الثوري الذي يرى أن التفاوض مع أمريكا لا يتوقف عند الملف النووي، بل يشمل جميع القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة.
خيارات ترامب: التفاوض أم التصعيد؟
من الجانب الأمريكي، يمتلك ترامب ثلاثة خيارات لا رابع لها. الخيار الأول هو التفاوض مع إيران في صفقة شاملة، حيث سيعتمد على سياسة الضغط الأقصى من خلال تكثيف العقوبات وحصار إيران اقتصاديًا، مما يجبرها على قبول شروط قاسية، تشمل تجميد الاتفاق النووي والسماح للمفتشين الدوليين بالوصول إلى مواقع حساسة، كموقع “بارتشين” حيث يُشتبه وجود منشآت لتخصيب اليورانيوم عالي التخصيب. إضافة الى المطالبة بتخلي إيران عن بعض حلفائها في المنطقة، والتوقف عن دعم الحوثيين عسكريًا، وكذلك التوقف عن إرسال الأسلحة إلى روسيا في سياق الحرب الأوكرانية، فضلاً عن إنهاء دعمها لفنزويلا وكوبا. لكن من غير المرجح أن تقبل إيران بهذه الشروط القاسية، وبالتالي، فإن فرص فشل هذه المفاوضات تفوق فرص نجاحها.
السيناريو الثاني، هو مفاوضات جزئية أو غير مكتملة. هذا الخيار قد يثير خلافًا داخليًا في أمريكا، حيث إن جزءًا من الجمهور الجمهوري، الذي يعتبر ترامب “المنقذ” لأمريكا، سيرفض شكلهذا التفاوض، الذي يشبه ما فعله الرئيس أوباما سابقًا، مما يجعل التفاوض في هذه الحالة غير مجدٍ.
السيناريو الثالث هو التصعيد العسكري المباشر، وهو الخيار الذي بدأ يظهر بشكل متزايد في الأفق. تسعى السياسة الأمريكية إلى إضعاف إيران داخليًا على جميع الأصعدة: اقتصاديًا واجتماعيًا، لتجعلها غير قادرة على مواجهة أي تهديدات خارجية. بالإضافة إلى ذلك، تمارس واشنطن استراتيجية “شد الأطراف”، التي تعتمد على الضغط على إيران من جميع الجوانب لتقويض استقرارها. وأهمّ مثال على ذلك هو تحركات طالبان لبناء سد على نهر هلمند، مما يفرض على إيران شراء المياه من أفغانستان، وهو ما يزيد من هشاشتها الاقتصادية.
من جانبها، تستعد إيران لاحتمال المواجهة العسكرية. فهي تعمل على تعزيز المواقع العسكرية التي تعرضت للضربات الإسرائيلية في 26 أكتوبر الماضي، وتنفذ مناورات عسكرية في مواقع استراتيجية على الحدود الغربية، وحتى مع باكستان وأفغانستان. هذا التحرك يشير إلى استعداد إيران لمواجهة أي تصعيد عسكري محتمل.
وفي خطوة تكشف عن استراتيجيتها التصعيدية، يستعد الرئيس الإيراني للسفر إلى موسكو في أواخر يناير 2025 لتوقيع اتفاقية شاملة مع روسيا، على غرار الاتفاقية التي عقدتها روسيا مع كوريا الشمالية. هذه الخطوة تعكس بشكل واضح أن إيران تواصل تحدي الغرب، وتصر على تعزيز تحالفاتها في مواجهة الضغوط العسكرية والدبلوماسية، مما يزيد من تعقيد الوضع ويشير إلى تصعيد محتمل في المستقبل القريب.
احتمالية المواجهة العسكرية: تحديات وتداعيات
الاحتمال الأقوى الآن هو التصعيد العسكري، خاصة أن هدف ترامب الرئيس هو سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، وهو ما لن يتحقق إلا بعد تحقيق سلام بين العرب وإسرائيل عبر تطبيع العلاقات، خصوصًا بين السعودية وإسرائيل. لكن التحديات التي تواجه هذا المسار كبيرة، فالمصالح الخليجية، خاصة السعودية التي تحضر لرؤية 2030، تشترط استقرار المنطقة وبقائها خالية من التوترات، مما يجعل أي خطوة نحو التصعيد العسكري أمرًا معقدًا.
الخلاصة: لحظة مفصلية
في الختام، تبقى العلاقات الإيرانية الأمريكية في مفترق طرق حاسم، حيث تترنح بين مفاوضات قد تفشل ومواجهة عسكرية قد تندلع. مع تعقّد المصالح الإقليمية والدولية، يبقى الخيار الأبرز هو البحث عن حل دبلوماسي قبل أن يتحول المشهد إلى صراع مفتوح قد يعصف بالمنطقة والعالم.
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن للسياسة الحكيمة أن تسبق حافة الحرب، أم أن المواجهة العسكرية ستظل الخيار النهائي الذي لا مفر منه؟.
الكاتبة: د. إيمان درنيقة الكمالي
أستاذة جامعيّة- باحثة سياسيّة..
The post إيران وأمريكا: خيارات مصيرية في لحظة حاسمة!.. بقلم: إيمان درنيقة الكمالي appeared first on .