رفضت الخضوع لمشيئة مدير عام الاستثمار والصيانة باسل الأيوبي ووزير الاتصالات جوني قرم بهدر المال العام، فكان مصيرها "القبع" من منصبها. هذا ما حصل منذ أيام في وزارة الاتصالات عندما قرر الوزير قرم إعفاء رئيسة مصلحة الشؤون المالية دلال المعوش، التي رفضت تنفيذ "الأوامر" بالسماح لشركات مقدمي الإنترنت بتقسيط المتأخرات للدولة لقاء استخدام الخطوط الدولية E1 (سعات الانترنت الدولية)، من دون أي سند قانوني. لكن إعفاء المعوش، الذي تزامن مع إعفاء الموظفة ماري رين سعد منذ أيام، لم يكن لغايات انتقامية، بل لأسباب لا يمكن القول إلا أنها تحمل شبهات هدر المال العام والفساد، وتستدعي التحقيق مع الوزير والمدير العام فوراً.تقسيط أموال الدولةمصادر مطلعة كشفت لـ"المدن" أن الموظفة رفضت تنفيذ تعليمات (رغبات) المدير العام والوزير بتقسيط متأخرات شركات مقدمي خدمات الإنترنت. فحيال تخلف الشركات عند دفع الرسوم إلى الدولة منذ نحو عام، وعوضاً عن توقيف عقود هذه الشركات، وفرض غرامات عليها، قرر الأيوبي والقرم، تقديم خدمات إضافية لهذه الشركات لتكديس المزيد من الأرباح على حساب المال العام. وطلب الأيوبي من المعوش تنفيذ كتاب تقدمت به بعض الشركات لتقسيط المتوجبات. وعلى رأس هذه الشركات شركة "انرجي بريدج" لصاحبها محمد منصور، كما يظهر في كتاب تقسيط تقدم به مؤخراً.المعوش مارست صلاحيتها للحفاظ على المال العام، وطلبت رأي ديوان المحاسبة قبل التنفيذ. علماً أنها سبق وأنذرت الشركات بالدفع تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية. وهو ما أثار غضب الشركات بطبيعة الحال، لكن ما كان غير مفهوم، غضب المدير العام والوزير المؤتمنين على المال العام. فعوضاً عن مكافأة موظف يريد تطبيق القانون ويحرص على المال العام، اتفقا، رغم خلافاتهما المعروفة في الوزارة، على "تطيير" الموظفة من منصبها، لأنها تجرأت على الاستفسار عن مدى قانونية التقسيط. وهو أمر غير قانوني بكل الأحوال لأن الأمر يتعلق ليس بتقسيط ضريبة أو رسم. فالشركات تحصل الأموال من المشتركين وبالدولار، ما يستوجب منها دفع الاشتراكات للدولة.استغل غيابها لدواعي صحيةوكان يفترض بعد شهرين من التخلف عن الدفع، توقيف وزارة الاتصالات عقود هذه الشركات، وذلك عملاً بمبدأ حفظ حق الدولة بالتحصيل، وتغريمها جراء التأخير. لكن بعد سنة من التخلف عن الدفع، وجد "البعض" في وزارة الاتصالات فتوى للشركات لتقسيط المستحقات ومن دون أي سند قانوني. السند الوحيد كان قانون تعليق المهل، الذي أبطله المجلس الدستوري بكل الأحوال. وعندما طلبت رئيسة الشؤون المالية رأي استشاري من ديوان المحاسبة يجيز للشركة والوزارة التقسيط، قبل تنفيذ الكتاب، كان مصيرها "الإزاحة".رفض المدير العام طلب رئيسة الدائرة أخذ رأي ديوان المحاسبة وأمرها بالتنفيذ. ثم استغل غيابها لدواعي صحية الأسبوع الفائت وكلف شخصاً آخر للتوقيع نيابة عنها، وتبع هذا القرار، قرار آخر صدر عن القرم أعفى بموجبه المعوش من مهامها كرئيسة مصلحة الشؤون المالية. بذريعة وجود حكم صادر عن مجلس شورى الدولة منذ عام يطعن بتكليف المعوش، لصالح موظفة أخرى. ولم ينفذ الوزير هذا الطعن إلا منذ أيام، بدليل الوثائق التي حصلت عليها "المدن". ما يطرح علامات استفهام كبرى حول هذا التصرف.اخطبوط الانترنتوبحسب ما تبين لـ"المدن" فإن اتفاق القرم مع الأيوبي على المعوش كان بهدف تقديم هذه "الخدمة" للشركات المتخلفة عن الدفع، وأهمها شركة "انرجي بريدج" لصاحبها منصور، التي تغطي مناطق عدة في لبنان بالأنترنت، وضمنها الضاحية الجنوبية. والمعروف أن شركة منصور هي من ضمن اخطبوط شركات الأنترنت الشرعي وغير الشرعي، كما يؤكد مطلعون على ملف الشركات لـ"المدن".استفادت هذه الشركة من المال العام وكدست الأرباح، لكنها تخلفت منذ سنة عند دفع نحو 400 ألف دولار شهرياً للخزينة العامة، وهي بمثابة المتوجبات على الشركة للدولة لقاء استخدام الخطوط الدولية E1 (سعات الانترنت الدولية). فالشركة توزع الانترنت للمشتركين وتحصل الاشتراكات بالدولار وبأسعار تزيد عن أسعار الدولة. هذا فضلاً عن أن العمل في سوق الإنترنت غير الشرعي (اشتراكات لا تدفع عليها لا رسوم ولا ضرائب ولا ضريبة على القيمة المضافة) يكدس لها أربحاً مضاعفة عن تلك التي تستفيد منها من الدولة. لكن بكل بساطة تستكثر الشركة دفع الاشتراك للدولة، كأنها تريد الاستفادة على ظهرها. وبما أن هذه الشركة محظية، سيصار إلى تقسيط متأخرات باقي الشركات المتخلفة عن الدفع، كي لا يظهر الأمر وكأن الوزارة وضعت نفسها بخدمة شركة معينة.عدم دفع الشركات الاشتراكات من دون وقف العقد معها له انعكاساته، ليس على هدر المال العام فحسب، بل على ضرب مبدأ التنافسية بين الشركات. فالشركات المتخلفة عن الدفع تستفيد من الأموال المستحقة للدولة بتطوير خدماتها وتوسيع اعمالها على حساب المال العام. وعوضاً عن فرض غرامات عليها تريد الوزارة منحها إمكانية التقسيط المخالف للقوانين. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كرمى لعيون أصحاب الشركات يتفق المدير العام والوزير على الموظف فيعفى من مهامه لكونه أراد تطبيق القانون وضمان حق الدولة.