تُعتَبَر الاستنسابية والمحسوبيات رمز المنظومة الحاكمة في لبنان، والتي تلجأ إلى توزيع المغانم على المحازبين والأزلام، وإن كان ذلك من المال العام. ولا تترك المنظومة باباً إلاّ وتطرقه، حتّى في أحلك الظروف التي تشكِّل أحياناً غطاءً مثالياً لتوزيع المكرمات على المنتفعين. وهذا حال منشآت النفط في الزهراني التي وُزِّعَ من أموالها ما تَيَسَّرَ على حزبيين، بحجّة أنّ منازلهم تضرَّرَت في الحرب الأخيرة، وفق ما أكّدته مصادر متابعة للملف، في حديث لـ"المدن". وللمفارقة، جرى التوزيع بموافقة وزير الطاقة وليد فيّاض الذي حدَّدَ أسماء المستفيدين.
توزيع استنسابينُقِلَت عبر تطبيق واتسأب، رسالة تفيد بأن منشآت النفط في الزهراني "قامت بتوزيع مساعدات اجتماعية للمستخدمين في المنشآت بحجة تعويضهم عن الأضرار التي تعرّضت لها منازلهم في الحرب، بموافقة وزير الطاقة ومن دون أي سند قانوني. وقد شملت المساعدات حزبيين لم تتضرّر منازلهم من الحرب". وذكرت الرسالة أن المبالغ الموزَّعة "تراوحت بين 1500 و3000 دولار"، وتضمَّنَت 14 إسماً من بينهم مدير المنشآت زياد الزين.وجاء في الرسالة أنّ "هذه الخطوة أثارت حالة تململ بين المستخدمين الذين لم تشملهم هذه المكرمة، في ظل توقف الإيرادات المالية للمنشآت نتيجة توقف عن العمل بعد انتهاء مرحلة الدعم وتآكل احتياطها المالي الذي خُصص للإنفاق على سفرات ومكتب الوزير في الفترة الماضية".ولم تفلح "الحركة الاحتجاجية أمام مكتب وزير الطاقة" في رفع الغبن عن المستخدَمين الذين لم تلحقهم المكرمة، أو رفعه عن المال العام طالما أنّ المنشآت ليست في أفضل أحوالها المالية. ومع ذلك، أشارت المصادر إلى أنّ المستَخدَمين "حصلوا على وعود من إدارة المنشآت بأنّه فور توفُّر مبالغ مالية إضافية، سيتم إعطاء مساعدات مالية لأسماء جديدة"، وهنا، استغربت المصادر هذه الوعود "فعلى أيّ أساس وُضِعَت اللائحة الأولى للمستفيدين؟ وكيف سيتمّ اختيار الأسماء في الدفعة الثانية؟. وإذا كانت المنشآت لا تعمل، فكيف يتم الدفع من أموالها؟.
بموافقة الوزيرقلَّلَ مدير المنشآت زياد الزين من أهمية البلبلة الحاصلة في هذا الملف، مؤكّداً في حديث لـ"المدن" أن عملية دفع المساعدات جاءت "بموافقة وزير الطاقة وهو وزير الوصاية على المنشآت التي دفعت المساعدات من مالها". وأوضح الزين أن "المساعدات انقسمت بين 2000 دولار لصاحب المنزل المهدَّم كلياً و1000 دولار لصاحب المنزل المهدَّم جزئياً". ولفتَ النظر إلى أنه "كان هناك نحو 20 إسماً مطروحاً للحصول على المساعدات كتعويض لهم عن فترة الحرب، لكن الوزير أصرَّ على إعطاء التعويضات لمن تضرَّرَت منازلهم فقط، نظراً لأولوية المنازل. وقد كَتَبَ الوزير بخطّ يده أسماء مَن سيحصلون على المساعدات".استغربت المصادر هذا التبرير الذي يأتي في أعقاب التحضير لدخول مرحلة جديدة من إدارة الدولة ومرافقها وإداراتها ومؤسساتها. فوفق أي دراسة تمّ التأكّد من أنَّ مَن لم يحصل على المساعدات ليس فعلاً ممَّن هدم بيته أو تضرّر؟. وعلى أي أساس تُستَعمَل أموال المنشآت في دعم المتضرّرين في حين أن التعويض عن البيوت المدمّرة أو المتضرّرة يكون عبر مصادر أخرى، من الدولة أو حزب الله الذي وَعَد بالمساهمة في إعادة الإعمار؟.
المسؤولية على المديرمسارعة وزير الطاقة بالموافقة، انطلقت من نيّته "تقديم المساعدة لمَن توقَّفَ عن العمل طيلة الحرب، ومَن عانى التهجير ودُمِّرَت بيوتهم أو تضرّرت، خصوصاً وأن رواتبهم ليست مرتفعة وتتراوح بين 1200 و1300 دولار شهرياً في حين أن معدّل الرواتب في المنشآت يجب أن يكون 2000 دولار".ومع ذلك، توقّف الوزير في حديث لـ"المدن" عند الأسماء المتداوَلة، وأكّد أن "عدداً من الأسماء المتداوَلة لم يكن موجوداً في الورقة التي قُدِّمَت للحصول على الموافقة، والتي تضمّنَت نحو 10 أسماء فقط، وبالتالي المبلغ المطلوب ليس كبيراً ولا يؤثِّر على مالية المنشآت". وحَمَّلَ الوزير مدير المنشآت مسؤولية "تحديد الأسماء وحالات البيوت المهدّمة أو المتضرّرة. فإذا كان هناك أي معلومات غير صحيحة، فيتحمّل مسؤوليّتها المدير الذي أعَدَّ اللائحة".لا يعرف الوزير الأسماء الواردة باللائحة، ولم تُشَكَّل أيّ لجنة للتأكّد من صحّة المعلومات حول البيوت المهدّمة كلياً أو جزئياً. وهكذا، فُتِحَت مالية المنشآت لموظّفين من دون سواهم، فيما المُحاسبة مؤجَّلة وقد لا تُبصِر النور أبداً. وإذ انتهى النقاش عند حدود الأسماء وصحّة المعلومات، يبقى المسار مفتوحاً للتساؤل حول صحّة استعمال ألأموال العامة لتغطية نفقة ليست من مسؤولية المنشآت، وإنما جهات رسمية وحزبية. كما أن المساعدات التي يجري تبريرها، تفتح الباب أمام مطالبة موظفين من مؤسسات عامة أخرى، بالمعاملة بالمثل مع زملائهم.