من يعتقد أن حرب المساندة من لبنان لم تكن قاسية وكاسرة، وخسارتها كبيرة هو واهم جداً رغم أهمية دورها، ومن لا يعترف أن " طوفان الأقصى " محطة هامة في تاريخ فلسطين خارج العبودية الصهيونية، وأن مساندة المقاومة من لبنان هي حركة تحررية فائقة الأهمية والمسؤولية الإنسانية والدينية هو أحمق يعيش زمانه حاقداً ومتصهيناً...
نعم المناخ المحيط اليوم بعد تلك الحرب أكثر من متحرك وهو متغير، وبناء عليه المقاومة بحاجة لإعادة تقويم، وأن تضع استراتيجيات عمل تتناسب مع المرحلة، لذلك لا بد من مشروعية السؤال أي مقاومة نريد في ظل هذه الظروف المتحركة ضمن المتغيرات الكثيرة ؟!
صحيح، ومن دون مكابرة، تلك الحرب لم تكن حرباً عادية، ولكنها ليست أسوأ من واقع عام 1982 و1987 حينما كانت مقاومة حزب الله وانطلاقته مرفوضة من بيئتها وممن يسيطر سياسياً وجغرافياً وإعلامياً، ويعيش غالبية من سبقها الفوضى والاستغلال والمتاجرة والفساد والتبعية خاصة تبعية الختيار ياسر عرفات بكل تناقضاته وعناده وفوقيته واستسلامه لبعض المحاور، ومشاربع النظام السوري السابق في السيطرة كلياً على الواقع اللبناني!
وحرب 2024 لا تشبه بصعوبتها السياسية والاقليمية ومعسكراتها حرب 2006 و2012 رغم سعي الصهاينة وأميركا والأعراب للإكثار من الجرائم والدمار والإبادة... وهذا يعطينا التفاؤل المقبل رغم الجراح والأوضاع الدامية والوجع الداخلي!
علينا أن نعترف اليوم ليس كالأمس، ويوجد تغيرات هائلة جيوبولتيكية، ومنها وجود إسرائيل في جنوب لبنان بعد أن سلمت المقاومة الأمر إلى الجيش اللبناني، وإن بقيت قوات الجيش الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية سنجد مقاومة شرسة ومشروعة تشبه أفعال 1982" المقاومة لا تحتاج إلى تشريع أو بيان وزاري لكونها دفاعية شعبية نتيجة الاحتلال"، وإن انسحبت إسرائيل ستكون مقاومة ثانية!
وأيضاً الواقع السوري التائه يقضي اولاً انتظار ماذا سيحدث هناك، وعليه يبنى الاستراتيجيات !
لذلك كما أشرت هنالك مشروعية أي مقاومة نريد ويحدث من أجل إعادة تموضع المقاومة الدائمة والباقية ما دام الكيان المؤقت يتحرك، وهذا التموضع يتقاطع مع:
- ماذا سيحدث في الجنوب اللبناني، وعليه يتم أخذ القرار بالمواجهة، وأي مقاومة سنتلمس دورها وحضورها وطريقتها واسلوبها؟
- التغيير الشرقي فإسرائيل تخطت شمال فلسطين والجولان لتصبح بسبب ثورة الغلمان التركي في المصنع، وهذا يتطلب استراتيجية لمقاومة جديدة!
- لا أحد يضمن متغيرات الحالة السورية، ولا أحد يعرف من سيحكم هناك، وأي فريق سيسيطر هل تركيا وقطر أو السعودية ومصر والدول العربية الباقية، وهنا لا يمكن فصل لبنان عن هذا الحال المشربك في سوريا، وبالتأكيد الوضع في لبنان سيتغير على حساب الوضع السوري المشربك، وانتخاب نواف سلام وابعاد نجيب ميقاتي ضمن انقلابات خارجية تتحكم بها السعودية...كل هذا يتطلب نظرة عميقة من المقاومة ما بعد السيد حسن نصرالله في الواقع اللبناني، ومراجعة تحالفاتها بحسم التموضع، وبالتأكيد هنالك برامج جديدة في كيفية عمل المقاومة المقبلة في وطن كل ما فيه ليس وطناً، وهو طاحونة لزمن تتراكم عليه كثافة الغبار الذي يحجب الرؤية، ودائماً رؤية المقاومة صائبة إلا ببعض أحلافها الداخلية، ومن أجل حمايتها والحفاظ عليها خاضت تحالفات مع فاسدين، وهؤلاء سقطوا مع الحرب وبخيارات مصالحهم الضيقة!
المقاومة في لبنان تتطلب تموضعاً ومقاربات جديدة، وأكيد حملها كبير من ترتيب وترميم البيئة والعمران والحزب رغم أنها انهت تموضع المواجهة الميدانية جغرافياً على أمل الانتهاء من تنظيم الداخل الأكبر!