في اليوم الثاني من جولة الإستشارات النيابيّة غير الملزمة التي أجراها رئيس الحكومة المُكلّف نوّاف سلام في مجلس النوّاب، يوم أمس، ذكّره النائب جهاد الصمد الذي التقاه قبل ظهر أمس بما حصل مع الرئيس الأسبق للحكومة أمين الحافظ، الذي سقطت حكومته التي شكّلها عام 1973 وقدّمت إستقالتها قبل أن تنال الثقة في مجلس النوّاب، نتيجة الإنقسام السياسي الحاد عامها، داعياً إيّاه إلى تجنب أن يلقى المصير نفسه إذا أراد النجاح في مهمته.
نيّة الرئيس المُكلّف المعلنة النجاح في مهمته أبداها عندما لفت النائب الصمد نظره إلى أنّ “أيّ خلاف أمامه حلّين التفاهم أو التصادم، وأنا أشجع أن يكون هناك تفاهماً”، فجاوبه سلام: “أيضاً يوجد حلّين إمّا تفاهم وإمّا تفاهم”، مستعيداً على نحو غير مباشر مقولة قريبه الرئيس الراحل صائب سلام الشهيرة: “تفهّم وتفاهم”، التي كان يرفعها في مواجهة أيّ أزمة تعترضه خلال مسيرته السياسية الطويلة.
إستعادة ما حصل مع الرئيس أمين الحافظ قبل 52 عاماً وإسقاطها على تكليف نوّاف سلام، نبعت من تداعيات الأزمة السياسية ـ الميثاقية التي رافقت تكليفه عندما رفض جميع النوّاب الشيعة الـ27 تكليفه، وعدم تسميته في الإستشارات النيابية الملزمة، إحتجاجاً على “الإنقلاب” على التفاهمات التي سبقت تكليفه، ما أوقعه والبلاد في أزمة كبيرة أرخت بذيولها على عهد رئيس الجمهورية جوزاف عون بعد أربعة أيّام فقط على انتخابه في 9 كانون الثاني الجاري.
ففي 10 نيسان 1973 قامت فرقة من الموساد الإسرائيلي باغتيال 3 من قادة منظمة التحرير الفلسطينية هم أبو يوسف النجّار وزوجته وكمال ناصر وكمال عدوان بمحلة فردان في بيروت، في حادثة أثارت هياجاً في الشّارع الإسلامي دفعت رئيس الحكومة حينها صائب سلام للطلب من رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية إقالة قائد الجيش إسكندر غانم، بعد تحميله المسؤولية، لكن فرنجية رفض ذلك ما دفع سلام إلى الإستقالة، أعقبه رفض جميع أعضاء نادي رؤساء الحكومة والشّخصيات السنّية البارزة تولّي مهمة رئاسة الحكومة قبل إقالة قائد الجيش، ما دفع فرنجية لتسمية الحافظ الذي قبل تولّي المهمة، إذ كان الدستور حينها يمنح رئيس الجمهورية هذا الحقّ من دون العودة إلى النوّاب، حيث كانت تلك الإستشارات لا تتجاوز الإطار الشكلي، وليست مُلزمة كما في اتفاق الطائف لاحقاً.
في 25 نيسان من العام 1973 شكل الحافظ حكومته مكوّنة من 16 وزيراً، وأصدر فرنجية مرسوم تشكيلها رقم 5513، لكن كان ينقصها أن تنال الثقة في مجلس النوّاب. وبعد عمليات تجاذب واسعة وغليان في الشّارع الإسلامي، حدّد موعد 12 حزيران لجلسة الثقة، وكان النصاب مؤمّناً بحضور 63 نائباً (كان مجلس النوّاب حينها مكوّناً من 99 نائباً)، لكنّ الحضور السنّي الباهت نظراً لغياب الوزيرين السنّيين في حكومة الحافظ، وهما بهيج طبّارة وزكريا النصولي، ومقاطعة 16 نائباً سنّياً الجلسة من أصل 20 (كما أوردت مجلة الشهرية ذلك في عددها الصادر في 9 نيسان عام 2014)، أدت إلى عدم عقد جلسة الثقة، وإلى استقالة طبّارة والنصولي في اليوم التالي، أعقبهما تقديم الرئيس الحافظ إستقالته في 14 حزيران من العام نفسه، واستمر في تصريف الأعمال إلى حين تشكيل الرئيس تقي الديّن الصلح حكومته في 8 تموز من ذلك العام.
إستعادة تجربة الرئيس الراحل أمين الحافظ شكّلت تحذيراً وتنبيهاً للرئيس المُكلّف نوّاف سلام من أن يلاقي المصير نفسه. وسط أسئلة حول إنْ كان سيتمكن من تشكيل الحكومة في ظلّ مقاطعة الثنائي الشّيعي لها، فهل ستستطيع هكذا حكومة أن تنطلق وتعمل، وهل سيقبل رئيس الجمهورية جوزاف عون أن يبدأ عهده بـ”حكومة أزمة”، وكيف سيتصرف الرئيس المُكلّف إذا دخل مجلس النوّاب لينال منه الثقة على حكومته ووجد أنّ جميع النوّاب الشّيعة قد قاطعوها، وكيف سيواجه الشّارع الشّيعي إذا خرج معترضاً على استبعاد ممثليه في المجلس عن الحكومة؟
أسئلة تحتاج إلى أجوبة وحلول، فهل سينجح الرئيس المُلّكف في مسعاه، مستيعناً بمقولة الرئيس صائب سلام، ويتجاوز الأزمة، أم أنّه سيسير على خطى الرئيس أمين الحافظ ويلقى المصير نفسه؟..
The post نوّاف سلام.. بين مقولة صائب سلام أو مصير أمين الحافظ!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .