كان طبيعياً أن تحتاج صفقة غزة إلى رئيسين أميركيين وإدارتين لتبصر النور، فهي جاءت ثمرة تعاون "غير مسبوق"، بين إدارتي الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، والرئيس المنتخب دونالد ترامب، وبتعاون حثيث مع الوسيطين القطري والمصري، بحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى، كشف النقاب عن جزء مما دار في المفاوضات الجارية في الدوحة.
ضغط ويتكوف
وأوضح المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، أن ستيف ويتكوف، المبعوث الجديد الذي اختاره ترامب لمنطقة الشرق الأوسط، سافر قبل أربعة أيام إلى الدوحة، حيث عقدت المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل، وساهم في "الجهد النهائي" إلى جانب بريت ماكغورك الذي يتولى هذا المنصب في إدارة بايدن التي تشارف نهايتها.
وأشارت تقارير عدة، عن دور لافت للانتباه وفعّال لمبعوث ترامب، خصوصاً الضغط الذي مارسه على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لدفعه للرضوخ لإرادة الرئيس المنتخب والمضي قدماً نحو الاتفاق. وأكّد المسؤول الأميركي، أن هذا التعاون بين الإدارتين "لا مثيل له على مستوى التاريخ"، مشيداً بشراكة "بنّاءة جدّاً ومثمرة جدّاً" بين المسؤولين لدرجة تقاسم المهام.
مبعوث ترامب لنتنياهو: لا تدمّرها
وأضاف المسؤول، انه فيما كان مبعوث الرئيس بايدن، يشرف على المفاوضات في قطر، "أردنا تبادل وجهات النظر مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فذهب ويتكوف إلى إسرائيل لتولّي المهمّة ثم عاد"، مضيفاً أنه "بغية انتزاع الاتفاق، الذي أُعلن مساء الأربعاء، تطلّب الأمر مناقشات امتدّت على مدار 18 ساعة في اليوم أو أكثر، منذ الخامس من كانون الثاني/ يناير الجاري". وكشف عن مسار يتقدّم تارة ويتراجع تارة أخرى، مع استئناف المفاوضات في منتصف كانون الأول/ ديسمبر، بمبادرة من الولايات المتحدة وإنجاز اختراق بعد عيد الميلاد.
وروى المسؤول الأميركي، أن ويتكوف الذي وصل السبت الماضي، إلى تل أبيب قادماً من قطر، أبلغ نتنياهو، أن "ترامب جاد بشأن هذه الصفقة، لا تدمرها"، مشيراً إلى أن ويتكوف دفع نتنياهو إلى رفع مستوى فريق التفاوض الإسرائيلي، بإرسال رئيسي الموساد والشاباك إلى الدوحة، مع تفويض لإتمام الصفقة، وانصاع نتنياهو.
وتابع "لاحقاً، وفي اليوم نفسه، انضم ويتكوف إلى جلسة مشاورات بين نتنياهو ورؤساء فريق التفاوض. كما شارك ماكغورك في الاجتماع عن بعد. وخلال أكثر من ساعة، ناقش مبعوثا بايدن وترامب، مع المسؤولين الإسرائيليين حدود المرونة في مفاوضاتهم بشأن الصفقة".
وكشف المسؤول الأميركي، أن مسؤولاً إسرائيلياً قال: "كانت لحظة غير مسبوقة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي شهدت العديد من اللحظات الاستثنائية". وأضاف "ويتكوف مؤيد لإسرائيل في جوهره، لكنه جاء بآرائه ومواقفه. كان من الواضح الشعور بزخم ترامب في ذلك الاجتماع".
وقال مسؤول إسرائيلي آخر: "لعب ويتكوف دوراً حاسماً في المفاوضات خلال الأيام الأخيرة، ومارس الضغط نيابة عن ترامب. كان العامل الحاسم"، وشدد مسؤول أميركي على أن "كل اللاعبين المعنيين فهموا أن ويتكوف يتحدث باسم ترامب".
فرق كبير
وتابع المسؤول الأميركي أن "رحلة ويتكوف إلى المنطقة أحدثت فرقاً كبيراً. القادة في المنطقة لا يريدون بدء علاقتهم مع ترامب بشكل سيئ"، ومن إسرائيل، عاد ويتكوف إلى الدوحة، وانضم إلى ماكغورك لـ96 ساعة من الدبلوماسية المكثفة. وفي لحظة أخرى غير مسبوقة، "ذهب الاثنان معاً للقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني".
وأوضح المسؤول الأميركي، أنه كما هي الحال، في كل المفاوضات الدبلوماسية، فإن بعض المهل الزمنية تفرض نفسها، ومن بينها انتقال السلطة من رئيس إلى آخر. وصرّح أن الظروف العامة التي "حفّزت هذا المجهود الدبلوماسي تمحورت على هزيمة حزب الله ووقف إطلاق النار في لبنان".
وكشف أن عدم اليقين ظلّ يخيّم على الجولة الأخيرة من المفاوضات حتّى آخر لحظة، في مبنى كان فيه وفد حماس في الطابق الأول، ووفد إسرائيل في الطابق الثاني، وحيث بقي الوسطاء القطريون والمصريون يصعدون وينزلون من طابق إلى آخر، حتى ساعات متأخرة في الليل.
وقال المسؤول الأميركي إن المفاوضين عكفوا على تسوية "أدقّ التفاصيل"، سواء في قائمة الأسرى الذين ستطلق إسرائيل سراحهم، أو في ما يتعلق بمواقع تمركز القوّات الإسرائيلية بعد سريان وقف إطلاق النار أو الجهود المبذولة في المجال الإنساني. وأقرّ المسؤول الأميركي الرفيع، بأنه لم يتأكّد من أن الاتفاق سيبرم فعلاً هذه المرّة إلا "في نهاية فترة بعد الظهر" بتوقيت الدوحة.