تحت عنوان "مشادّات أو مساجلات" Quarrels، تقيم "غاليري شريف تابت" (الأشرفية، شارع عبد الوهاب الإنكليزي) معرضاً لنجا كيريلوس يضم مجموعة من اللوحات متوسطة الحجم، والمشغولة بمادة الأكيريليك، وهي تمثل آخر ما أنتجه الرسام، وذلك إستناداً إلى موتيفات ترتبط بالنواحي الحياتية والمجتمعية، والشخصية أيضاً.هو المعرض الفردي الأول لكيريلوس، وذلك بعد مشاركته في معارض جماعية عديدة، إضافة إلى مساهماته في تظاهرات فنية دعماً للصليب الأحمر اللبناني. غنيّ عن القول إن المعرض الأول هو حدث شخصي ينتظره كل فناّن، إذ يمثل، من حيث المبدأ، نقطة الإنطلاق في العالم الذي اختاره طوعاً، بالرغم من العثرات التي قد تعترض طريقه. أولى هذه العثرات، عدا عن مسألة الخيار التشكيلي والأسلوبي، هو العثور على صالة عرض تستضيف أعماله، وهذا الأمر يتعثر في أحيان كثيرة. ومن الواجب، في نظرنا، الحديث عما نراه في المعرض الفردي الأول لكل فنان، كي لا يقتصر الكلام، كما هي العادة، على ما ثبتوا أقدامهم في الحقل الفني.
جرت العادة، أو لنقل التقليد غير المكتوب، وذلك من خلال استعراضنا لتاريخ الفن الحديث في بلدنا، وفي بلدان أخرى كذلك، أن يبدأ الفنان مسيرته باعتماد أساليب أقرب إلى الواقعية في بداية مشواره الفني، وقد يستمر البعض في السير على هذا النهج لفترات طويلة قد تغطي مجمل مسيرتهم. على أن هذا "التقليد" لم يكن يوماً إلزامياً، خصوصاً في الزمن الحاضر. الأمر متروك للصانع، ولرد فعل الجمهور، الذي لم يكن يوماً على المستوى نفسه لجهة تقبل إرهاصات معاصرة، علماً أن بعضها صار من المسلّمات، ولم يعد يثير الإستغراب كما في الماضي.لوحة نجا كيريلوس تجريدية، تجتمع فيها أشكال هندسية وأخرى أقل ارتباطاً بالهندسة. شاء الصانع أن يعكس بعضاً من لحظاتٍ حياتية ومجتمعية، عبر أسلوب يعتمد الإشارات والرمز، أكثر من علاقته المادية بالظواهر المذكورة، لجهة تبيان شيء من الوضوح بين الفكرة وانعكاساتها الفنية. لكن المنحى العام، الذي يمكن أن يتركه لدينا تراكم الأشكال في اللوحة، وكيفية العلاقة بينها، أو انتشارها في مساحة القماش، يوحي بعدم الثبات ويشي بشعور بالتحطّم والدمار، أو ما يوازيهما من تناثر الأشياء بعد تخلخل بنيتها الأساسية. وما يؤكد هذا الشعور، كيفية التراكم المذكور ضمن مساحة اللوحة، فالنظام (كلمة نظام هنا ذات بُعد فني لاهندسي) الذي ظهرت عليه هذه البنية "المفككة" يتخذ نحواً إنحدارياً من الأعلى إلى الأسفل، ما يعني أن متن العمل ذو قاعدة أكبر من الأسفل مما هو عليه في الأعلى.هذا الأمر يشبه إلى حد بعيد الشكل الذي يصبح عليه البناء بعد انهياره، جراء سبب معين، في بعض الأحيان. هذا، مع العلم أن هذا الرسم البنياني ليس سارياً على أعمال كيريلوس كلّها، لكن التشظّي حاضر في معظمها. أما الملاحظة الأخرى، التي يصرّ عليها الرسام من خلال حديثه عن أعماله، هي أنه، وبالرغم من الشعور النسبي العام المذكور حول تداعي العناصر، فإن كيريلوس يعتبر أن لوحاته تحمل، أيضاً، شعوراً بالقوة والشموخ، وذلك في سعي لتلافي شعور الدراما البحتة. كما يذكر، أيضاً، أن أسلوبه يركّز على التقميش في العمل الفني، لناحية خلق نسيج لوني لا يغيب عنه التناقض والتعاكس.لكن، وفي شكل عام، يمكن القول إن أعمال المعرض يمكن تصنيفها ضمن فئتين: واحدة تعتمد الخيار اللوني الذي يتحدث عنه كيريلوس. أما الفئة الأخرى فتسير في درب مونوكرومي، يتسّم بحضور الأسود والرمادي. وكأن الفنان شاء هنا أن يخوض في خيارين اثنين من أجل التعبير عما يجول في ذهنه من أفكار ترتبط، أولاً وأخيراً، بالواقع الذي نعيشه هذه الأيام، والذي تغلب عليه مشاعر متناقضة، وهو بالفعل ما يميز الحياة نفسها في الإجمال.