2025- 01 - 15   |   بحث في الموقع  
logo الجيش الإسرائيلي يواصل عمليات التفجير في عيتا الشعب logo مُرافق الرئيس عون..."استراتيجية دفاعية بحدّ ذاته" logo "تيك توك": استحواذ ماسك على فرعنا الأميركي "محض خيال" logo “قوى الأمن” تكشف تفاصيل جريمة ضبية logo البيطار يتحضر لاستجواب سياسيين وقضاة فهل يتجاوب الحجار؟ logo الأرقام خيالية... هذه تكلفة حرائق الولايات المتحدة الأميركية logo غزة: 316 شهيداً وجريحاً في 6 مجازر بـ24 ساعة logo مؤشرات إيجابية ومؤتمر اقتصادي... هل تعود الاستثمارات إلى لبنان؟
مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف يناقض في منطلقاته الدستور
2025-01-15 12:25:47


مشروع قانون معالجة اوضاع المصارف في لبنان الذي عرض على مجلس الوزراء مؤخراً يتضمن مغالطات خطيرة ستؤدي حتماً إلى إعلان عدم دستوريته في حال الطعن فيه بعد إقراره أمام المجلس الدستوري.
فمعدوه ينطلقون من فكرة أساسية خاطئة "أن الدستور يحمي الملكية الخاصة لا الوديعة التي هي دين غير مضمون خارج ما تُؤمِّنه مؤسسة ضمان الودائع" وبالتالي ستيم التعامل مع المودع الذي تفوق قيمة وديعته الـ100 ألف دولار كمستثمر فتعاد أمواله إليه على أساس طرق مالية يفهمها.
التحليل السابق يناقض التطور الفقهي لمفهوم الملكية والذي ترسخ في قرارات المجلس الدستوري الفرنسي وفي الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان على اعتبار " كل منفعة دخلت في الذمة المالية، ومن ضمنها بالطبع ملكية الوديعة المصرفية، موضوع حق ملكية tout intérêt patrimonial serait l’objet d’un droit de propriété بالتالي فهي محمية دستورياً".
تتجلى عدم دستورية المشروع المطروح بوضوح في ما ورد في أسبابه الموجبة من أن هدفه ليست الحماية الكاملة للوديعة بل بقدر الإمكان. والمستغرب أن هذا الأمر لم يلفت انتباه القضاة الثلاثة الاعضاء في الحكومة لمخالفته لاحكام المادة 15 من الدستور التي تذكر أن الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكية إلا لأسباب المنفعة العامة وبعد تعويضه (مسبقاً) تعويضاً عادلاً.عِلل المشروعيلحظ مشروع القانون آجالاً طويلة للسداد تمتد من عقد إلى ثلاثة عقود بحيث تتعدى بالتأكيد العمر المتبقي للعديد من المودعين ومن بينهم المتقاعدين علماً بأن اتفاقيات دولية عدة خاصة بحقوق الانسان تمنع الحجز على تعويضات الخدمة.
أيضاً كان هناك شطباً غير مبرر للفوائد التي تزيد عن نسبة الواحد في المئة على الايداعات ما بعد عام 2015 بحجة أنها تفوق المعتمدة في الأسواق المالية الدولية. وهذه الحجة ينقضها كتاب لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامه نشر على الموقع الالكتروني للمصرف أوضح فيه أن الفوائد اللبنانية المدفوعة هي بذات المستوى الذي تتعامل فيه دول في منطقة الشرق الاوسط كمصر وتركيا. كما أن معدلات الفوائد اللبنانية تتحدد وفقاً للتصنيفات الائتمانية للبنان وهي أدنى من الدول المتقدمة.
كذلك اعتمد مشروع القانون سعر صرف أقل بنسبتي 50 في المئة و40 في المئة عن سعر الصرف الواقعي للدولار في حال اعتماد خيار تحويل الوديعة بالدولار إلى الليرة اللبنانية وهو أمر يخالف الالتزام الذي ارتبط به لبنان في محادثاته مع ممثلي صندوق النقد الدولي بتوحيد سعر الصرف ويضاعف الهيركات من دون حق، من مقدار الرسوم والضرائب على المودعين
والانحراف السابق في قضم الودائع استتبعه قضم آخر في اكتتاب المودعين بأسهم المصرف الجديد وبالسندات المرؤوسة غير القابلة للتحويل إلى أسهم اذ اعتمد في ذلك نسبتي تحويل تساوي بين كل 5 دولارات او 10 دولارات محلية ودولار واحد جديد.
من جهة اخرى ينطلق مشروع القانون من سداد شهري لأصحاب الودائع الدولارية تبلغ قيمته 400 دولار ما يمدد المخالفة الحالية لأحكام المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعدم توفير الحقوق الدنيا لكلِّ مودع بمستوى معيشة يكفي تأمين سكنه ومأكله وملبسه ويؤمنه من المرض والعجز والترمُّل والشيخوخة.أزمة مركزية لا نظاميةيذكر مشروع القانون في أسبابه الموجبة ان ما حصل هو "ازمة نظامية" للتملص من ارتكابات وتبعات عدة وهذا التوجه خاطىء. فالأزمة النظامية تقوم على فكرة تفشي الخطر النظامي ما بين المصارف لتشابك العمليات فيما بينها كما حصل مع أزمة الرهونات العقارية الاميركية. في حين أن الذي حصل في لبنان هو أزمة مركزية سببها اخفاق مصرف لبنان والحكومة برد ايداعات واكتتابات عمل على تكوينها كل مصرف بما لديه من اموال المودعين بطرق تخالف القوانين والانظمة، ما يعني ان ما حصل سببه نتيجة ارتكابات حصلت بارادة المصارف ويتعين عليهم تحمل تبعاتها لا التملص من المسؤولية بالقول بأن الأزمة نظامية.
وهذا ما دعت اليه السيدة كريستين لاغارد الرئيسة الحالية للمصرف المركزي الاوروبي صراحة في ندوة نظمها الاحتياطي الفيدرالي الاميركي في تشرين الثاني 2015 وكانت وقتها المدير العام لصندوق النقد الدولي اذ ذكرت بأنه "من الضروري تحميل المصرفيين المسؤولية الكاملة عن أفعالهم في حالة ارتكابهم المخالفات القانونية ويجب ألا يكونوا قادرين على الإفلات من العقوبات بدفع الغرامات فقط فهكذا تدبير أثبت محدوديته".
والمنحى الأساس الذي اتخذه واضعو مشروع القانون هو القضم بما امكن من الودائع واغفال اي كلام عن موارد مالية من المؤكد ان القانون يجيز استقطابها لتعزيز فرص رد الودائع إلى اصحابها، وعلى راسها استرداد الاموال التي قامت المصارف بتحويلها لصالح النافذين إلى الخارج، في الوقت الذي كانت تفرض فيه الضوابط المهنية ثم الإدارية على السحوبات المصرفية على العموم. وقد أقر حاكم مصرف بكتابه الموجه إلى وزير المالية في كانون الثاني 2020 بوجود معاملة مصرفية غير متساوية بين العملاء، واشار إلى ذلك لاحقاً مسؤولون آخرون من بينهم رئيس مجلس النواب ونائبه.
وكان هناك تسديد من قبل العديد من النافذين لقروضهم المصرفية المعقودة بالدولار بالليرة على أساس سعر صرف متدني على وجه غير قانوني ما قلّص من فرص استرداد المودعين لما يفوق العشرين مليار من ودائعهم الدولارية، ويضاف إلى ما سبق الفوائد المرتفعة التي دفعت للهندسات المالية والتي قدرها صندوق النقد الدولي بحوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي سنوياً.
مع الإشارة إلى أن حجم الايرادات المتوقعة من مجمل العمليات السابقة تتراوح بين الـ60 والـ70 مليار دولار أي ما يناهز الـ80 في المئة وأكثر من حجم الودائع . وبدلاً من أن يكون هناك تركيز على كيفية إعادة استقطابها لتعزيز فرص إيفاء ودائع المودعين، بعكس ذلك كان هناك اقتراحات معاكسة للتمويه عليها وشرعنتها بضرائب تفرض عليها بأثر رجعي خلافاً للمبادىء القانونية.
ويقترح المشروع إنشاء هيئة مختصة بإعادة هيكلة المصارف لدى مصرف لبنان تتألف من الحاكم رئيساً ومن نوابه الأربعة وخبراء ثلاثة معينين من قبل مجلس الوزراء من أصحاب الخبرة من لائحة يقترحها الحاكم ونوابه: الأول قانوني والثاني مالي/مصرفي والثالث اقتصادي.
على أن تراعى الاستقلالية وعدم تضارب المصالح في كل منهم، والسؤال الذي يطرح ذاته هنا لماذا لا يعتد بالضوابط السابقة بالنسبة لجميع الذين عملوا وشاركوا في صياغة مشروع القانون، بمن فيهم اعضاء الحكومة في مقدمهم رئيسها الذي يحوز هو وعائلته على نسبة وازنة من المساهمات المصرفية؟ كذلك على أعضاء المجلس النيابي الذين سيبتون في مشروع القانون خصوصاً أن التحويلات الاستنسابية للعديد منهم هي على كل لسان؟مماطلة متعمّدةالمتتبع للأمور لا بد وان يلحظ نوعاً من المماطلة المتمادية والمتعمدة في معالجة الامور فقد سبق لمصرف لبنان أن طالب بالتعميم 154 كل مصرف بإعادة تقييم موجوداته ومطلوباته ووضع خطة عمل لتفعيل نشاطاته وخدماته من خلال إعادة تكوين رأسماله ومراكز الملاءة والسيولة لديه على أن يعرض المصرف الخطة على المجلس المركزي لمصرف لبنان للحصول على موافقته خلال الفصل الاول من العام 2021.
ومرت أربع سنوات ولم يحصل المطلوب ولم تتم إحالة المتخلفين إلى الهيئة المصرفية العليا حسب الأصول لا بل أن مصرف لبنان أصدر قبل مدة قرارا بتمديد مهل تكوين المراكز المطلوبة لنهاية العام 2025 فتكون ولاية الحاكمية الحالية التي أصدرت التعميم 154 قد انتهت دون تحقيق المطلوب.
وكان بالإمكان منذ البداية اختصار الوقت بقيام الحاكم او القائم بمهامه بتعيين الخبراء لاكمال الخبرة اللازمة لدى الحاكمية سنداً للصلاحية المعقودة لهما بمقتضى المادة 26 من قانون النقد والتسليف بتعيين المستشارين.
هذا ويشير مشروع القانون في المادة 3 منه إلى أن من أهدافه "الحد من استخدام الأموال العامة في عملية إعادة هيكلة المصارف لتأمين استدامة الدين العام" حجة يمكن نقضها بالاشارة إلى ان الدين المذكور تكوّن لتمويل فساد الدولة كما يقر بذلك علانية كبار المسؤولين ورئيس جمعية المصارف الأسبق فرانسوا باسيل. وقد عمدت دول عدة إلى التملص من سداد "ديونها الكريهة" أو تخفيض قيمتها، كما ساعدت في ذلك بلجيكا بقانون"مكافحة الصناديق الانتهازية" وايضا فرنسا وانكلترا وغيرهم، وهناك توجهات مماثلة يبحثها المشرعون في ولاية نيويورك حالياً لتعديل قانون الولاية بهذا الاتجاه ويمكن للبنان الإفادة منها .
جدير بالذكر أن مشروع القانون يركز على إعادة الانتظام في المصارف من الناحية المالية وكان البروفسور دانيال تارولو، الأستاذ في كلية القانون في جامعة هارفرد، والعضو السابق في مجلس الإحتياطي الفيديرالي الاميركي ذكر "بأن الانتظام المصرفي الصحيح لا يرتكز فقط على ضرورة توافر المعايير الموضوعية التقليدية كرأس المال والسيولة والملاءة واختبارات الإجهاد وضمان الفصل بين نشاط المصرف التجاري والاستثماري وغيره، بل أيضاً على ضمان وجود قيادات مصرفية لا شائبة على سلوكها المهني في إدارات المصارف، ويجب عند انحراف هؤلاء أن يحظروا علنا من ممارسة العمل المصرفي". لكن المشروع لم ياخذ بهذا التوجه.
أخيراً ينهي مشروع القانون بإلزام سداد القروض المعقودة بالعملات بذات عملتها وهو أمر متوافق عليه من قبل القانونيين في ظل سيادة القوة الابرائية للاوراق النقدية الوطنية لكن يبدو من المثال الذي تم تقديمه، من أن الأموال الجديدة يتم تسديدها حصرياً من الأموال الجديدة، أن الغاية المستورة هي الاستمرار بما قرره التعميم الأساسي لمصرف لبنان 165 من تجاوز لاساسيات ولديناميكية العمل المصرفي المعروفة في تقبل ورد الودائع وأيضاً لأصول تنظيم العمل عند تعسر مصرف والاضطرار إلى معالجة الأمر عن طريق الفصل بين الكيان المتعسر الذي يقتضي أن يكون مستقلاً وخارجياً والكيان السليم وهو ما لم يعتمد.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top