ربما تكون عائلة آل سلام البيروتية العريقة، هي الأكثر تنوعاً بين العائلات السياسية السنيّة اللبنانية. فمنها سليم علي سلام (1968–1938) عضو "مجلس المبعوثَين" (النواب) العثماني، والعروبي داخل السلطنة العثمانية، والمعارض لإنشاء لبنان الكبير، والد صائب سلام (1905–2000) رئيس الحكومة الراحل، وجَدّ تمام سلام رئيس الحكومة الأسبق، وأيضاً جَدّ القاضي والدبلوماسي نواف سلام والآن رئيس الحكومة المكلف. وما بينهم، مالك سلام الوزير السابق، ونقيب المهندسين عاصم سلام (1924-2012)، أحد أيقونات العمارة اللبنانيَّة ومن أبرز معاصريها الذين عملوا على محاولة خلق هويَّةٍ معماريةٍ مُعاصِرةٍ للبنان تعتمدُ على الإرث الثقافيِ، والذي عارض إعادة إعمار وسط بيروت بالطريقة التي نفذتها شركة "سوليدير". إضافة إلى الكاتبة عنبرة سلام الخالدي (1897-1986) التي نزعت عن وجهها النقاب، في سنة 1927، عند البدء بمحاضرة في "نادي الأحد" في الجامعة الأميركية في بيروت حول زيارتها لإنكلترا، وكانت بعنوان "شرقية في إنكلترا". وكانت أول مسلمة في بلاد الشام تنزع النقاب في مكان عام، الأمر الذي سبب موجة غضب عارمة في الشارع البيروتي المحافظ. وهناك عبد الغني مُحيي الدين عبد الغني سلام (1942-2017)، صحافي ومُؤسس صحيفة "اللواء"، والمطربة نجاح سلام، حفيدة الشيخ عبد الرحمن سلام، مفتي لبنان، وابنة الأديب محيي الدين سلام أحد أبرز الملحنين وعازفي العود... وهكذا، لطالما تجلّت مسارات مختلفة في طرائق تفكير الشخصيات السّلامية، بين الحداثة والتقليد، بين البيروتية والثورية...
(عاصم سلام أيقونة الهندسة)كان والد الوجيه المؤسِّس سليم، علي عبد الجليل سلام، يعمل محاسباً في سوق الخضر في بيروت. أما سليم، فتزوج بكلثوم البربير وهي من عائلة علماء دين، وسمى ابنه البكر على اسم والده وتوجه إلى العمل التجاري، أنجب من زواجه 12 ولداً، وأفضى به عمله التجاري إلى عضوية غرفة التجارة ومحكمتها، والى رئاسة البنك الزراعي و"جمعية المقاصد الاسلامية"، وكان عضواً في "مجلس إدارة الولاية"، وعضواً في "المؤتمر العربي الأول في باريس".وإذا كان نشوء لبنان الكبير أدى الى تراجع وجاهة وزعامة سليم سلام وتهميشه، فإن نجله صائب أحياها وجدّدها منذ استقلال لبنان العام 1943، إذ انتخب نائباً عن بيروت، وفي السنوات اللاحقة، صار إسماً بارزا ومحورياً في السياسة اللبنانية، خصوصاً في أحداث 1958 وشعارات "لبنان لا لبنانان"، "التفهم والتفاهم"، "لا غالب ولا مغلوب".(عنبرة سلام أول مسلمة في بلاد الشام تخلع النقاب في مكان عام)كان النسيج الأهلي البيروتي يردّد: "ما بيصائب إلا صائب". وقد أسهم في تأسيس "شركة طيران الشرق الأوسط" وترأس مجلس إدارتها، فيما ترأس أخوه محمد سلام "جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" حتى وفاته العام 1956، فتولى صائب رئاستها حتى هجرته السياسية من لبنان للإقامة في جنيف في أواسط ثمانينات القرن العشرين، فآلت رئاسة الجمعية إلى نجله تمام. خاض صائب سلام صولات وجولات في السياسة في خضم توترات الاقاليم والمحاور، وقد يكون الوئام السياسي المصري الناصري والسعودي من أبرز انجازاته. وقبل اغتيال رشيد كرامي، سقطت قذيفة صاروخية على منزله في المصيطبة، فأيقن أنها "رسالة" مباشرة إليه من النظام السوري، فغادر إلى منفاه في جنيف، حيث مكث حتى عودته إلى بيروت في العام 1994، من دون أن يعاود حياته السياسية حتى وفاته عن 95 عاماً في العام 2000. كان مشهوراً بسيجاره وقرنفلته وحبّه للفن الشكيلي وللفنانة صباح. ولم يكن الحضور السياسي لوريثه تمام سلام هو نفسه، ربما بسبب ما آلت اليه سياسة النظام الأمني السوري في لبنان، فهو قاطع مسرحية الانتخابات العام 1992 تضامنا مع المسيحيين، في حين برزت الظاهرة الحريرية التي استحوذت على الشارع السني، وخسر تمام جولات وربح جولات في السياسية وترأس الحكومة في مرحلة شائكة (2014-2016)، وفي الأشهر الأخيرة رفض زج اسمه في ترشيحات لرئاسة الحكومة... التي آلت أخيراً إلى ابن عمه، الذي برز اسمه كمرشح انتفاضة 17 تشرين، بعد استقالة حكومة سعد الحريري العام 2019. يومها، وضعت قوى المنظومة الحاكمة "فيتو" على اسمه، واختارت حسان دياب الذي حلّت الكوارث في عهده.(صائب سلام: لبنان واحد لا لبنانان)ثمة دورس وتقاطعات بين الرئيس المكلف نواف سلام، وعمّه صائب. كان صائب تقليدياً مدينياً، أمضى الستينيات ضد العهدين الشهابيين الرئاسيين، عهد فؤاد شهاب (1958–1964) وعهد شارل الحلو (1964–1970). بينما يأتي نواف رئيساً مكلفاً في عهد جوزاف عون الذي يُنظر إلى عهده بأنه سيكون "شهابية جديدة". وتولى صائب سلام الحكومة في مطلع عهد الرئيس سليمان فرنجية، فشكل "حكومة الشباب" بعد أشهر على اتفاق القاهرة 1969 الذي أجاز العمل المسلح للمقاومة الفلسطينية انطلاقاً من جنوب لبنان، وجعل شعار حكومته "ثورة من فوق"، فيما كانت "الثورة من تحت" كما قيل، تصدّع الدولة والمجتمع. في تلك الأيام، كان نواف ثوريّ الهوى، يؤيد المقاومة الفلسطينية، التي استقال صائب سلام من رئاسة حكومته في 10 نيسان 1973، اثر اغتيال اسرائيل ثلاثة من قادتها في فردان، مفتتحاً بذلك أزمة سياسية وحكومية مديدة. ولم يكن نواف وحده من أبناء العائلات السياسية الذين استهوتهم التجمعات اليسارية وفلسفاتها، فقد سبقه إلى ذلك أحد الباحث أحمد بيضون، والسياسي سمير فرنجية وغيرهما، وسرعان ما ذهب كل منهم في اتجاه. تبنى نواف سلام النضال الحقوقي لفلسطين طوال حياته، واليوم يأتي قاضياً ومثقفاً وصاحب تجربة في العمل النضالي، لترؤس حكومة إنقاذ، في بلد نخره الإفلاس والفساد وحروب الإسناد والدمار والزبائنية بعد سنوات من حكومات تُدرج في بيانها الوزاري معزوفة "جيش وشعب ومقاومة"، ووسط تلويح باجتراح أزمة ميثاقية بسبب عدم مشاركة "الثنائي الشيعي" في استشارات تأليف الحكومة.أمام الرئيس المكلف مسائل جوهرية، ليست بعيدة من شعارَي صائب سلام "لبنان لا لبنانان" و"التفهم والتفاهم"، لكن بصيغة "سلاح واحد لا سلاحان"، "دولة واحدة لا دولتان".