يبدو أن ثمة هوّة واسعة بين خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد جوزيف عون وخطاب الرئيس المكلف نواف سلام، وبين بعض التيارات السياسية التي قامت بتسميته وتريد أن يرد لها الجميل بتمثيلها في الحكومة المقبلة.
وفي الوقت الذي أوحى فيه الرئيس المكلف أن حكومته يُفترض أن تتشكل من الكفاءات والخبرات الشبابية غير الحزبية، وهي ربما تكون من ٢٤ وزيرا تكنوقراط أو من من ٣٠ وزيرا بإضافة ٦ وزراء سياسيين، حاولت القوات اللبنانية أن تنصب نفسها وصية على الرئيس سلام وحكومته، حيث قال النائب جورج عدوان في تصريحات صحافية أن “الحكومة ستكون من ٢٤ وزيرا ويجب أن تتشكل في غضون ١٥ يوما، وأن القوات ستشارك فيها وفقا لتمثيلها السياسي والنيابي”،(أي وبحسب التسريبات وزير واحد لكل خمسة نواب).
كلام النائب عدوان جاء ليصادر دور الرئيس المكلف أو ليفرض عليه خيارات قواتية، ما يعتبر تدخلا سافرا في صلاحياته وضربا لهيبة الرئاسة الثالثة التي يناط بها وحدها تشكيل الحكومة بالتعاون والتنسيق مع رئيس الجمهورية.
لذلك، فقد عملت القوات اللبنانية كل ما بوسعها مع حلفائها لإبعاد الرئيس نجيب ميقاتي عن التكليف، من خلال الحملة الشعواء التي شنتها عليه، كونه لديه تجارب سابقة ومواقف واضحة في الحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة والتصدي لكل من يريد التدخل في عملية التأليف منذ ما قبل إنتهاء عهد الرئيس ميشال عون عندما واجه كل محاولات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل للحصول على الثلث المعطل في الحكومة، ولكونه الرجل السني القوي المشهود بكفاءة إدارته البلاد وأزماتها وطنيا وعربيا و إقليميا ودوليا.
لا شك في أن كل الكتل النيابية التي قامت بتسمية الرئيس سلام ستبلغه خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة التي سيجريها اليوم في مجلس النواب بأنها تتمسك بتمثيلها في الحكومة سواء سياسيا أو عبر التكنوقراط، الأمر الذي يناقض كل المفاهيم التي يحملها والتصريحات التي أدلى بها، وهذا السلوك سيضعه أمام محاصصة واضحة أو مقنعة قد تضع العصي في دواليب قطار التأليف.
من المفترض أن تتجه الأنظار خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة إلى موقف الثنائي الشيعي الذي إعتكف عن التسمية في إستشارات قصر بعبدا وإعتبر أن هناك إنقلابا على الاتفاق الذي حصل قبيل انتخاب رئيس الجمهورية، وتحدثت معلومات عن إمكانية مقاطعته لاستشارات الرئيس السلام الذي سيجد نفسه أمام مأزق حقيقي لجهة تشكيل الحكومة من دون المكون الشيعي ما سيضع حكومته والعهد أمام أزمة ميثاقية قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
وبالرغم من الاجتماع الثلاثي الذي جمع الرؤساء عون وبري وسلام والذي أكدت المصادر أنه “كان ممتازا”، وبالرغم من تصريحات الرئيس بري بأن “الأمور ليست سلبية للغاية”، فإن الأزمة لم تحل وهي ما تزال عالقة، ما يتطلب من الرئيس سلام الذي أكد في خطاب التكليف أنه “ليس رجلا إقصائيا بل مؤمنا بالشراكة الوطنية” بذل الجهود مع الثنائي لاقناعه أولا بالمشاركة في الاستشارات ومن ثم بالدخول إلى الحكومة.
أمام هذا الواقع، بات الرئيس سلام أمام مفترق طرق، فإما أن يرضخ لوصاية القوات ومطالب الكتل النيابية بتكريس المحاصصة الوزارية ما يعني ضرب لكل المبادئ والثوابت التي تحدث عنها، أو أن يقلب الطاولة على الجميع ويشكل الحكومة التي تشبه تطلعاته ومبادئه وعندها سيواجه معارضة ممن سمّوه وربما أزمة ثقة لحكومته في مجلس النواب، أو أن يتدخل الرعاة الدوليون والعرب ويفرضوا على الكتل التي سمّته حكومة تشبه خطابيّ القسم والتكليف، بعيدة عن المحاصصة التي تعلن هذه الكتل رفضها وتضمر الحفاظ عليها لتحقيق مكاسب سياسية مع إنطلاقة العهد الجديد!..
The post التأليف أمام مفترق طرق.. والقوات تحاول فرض وصاية على الرئيس المكلف!.. غسان ريفي appeared first on .