كمية الهواجس التي عبّر عنها المغردون والمحللون الشيعة بعد تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، تعكس إحباطاً دخلت فيه الطائفة، عززه تصريح النائب محمد رعد بعد لقاء كتلة "الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله البرلمانية) مع الرئيس جوزاف عون، وكرّسته الشروط التي وضعها حزب "القوات اللبنانية"."القوات اللبنانية"
بدت تصريحات "القوات"، وهي أبرز خصوم "حزب الله"، تصريحات المنتصرين في الاستحقاقات الأخيرة، مما يعطيها الدافع لمحاولة فرض شروط على تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري، وعلى الرئيس المكلف نفسه. جاء أولها على لسان رئيس الحزب سمير جعجع بالقول إنها ستكون خارج أي حكومة تلحظ في بيانها الوزاري معادلة "جيش، شعب، مقاومة" او تضم وزراء عليهم أي شبهة، وثانيها للنائب جورج عدوان الذي قال "إننا مع تأليف الحكومة خلال مدة قصيرة لا تتجاوز الـ15 يوماً، وإذا لم تتألف ضمن هذه المهلة، فعلى المكلَف أن يسلم الأمانة كي نعود إلى الاستشارات النيابية". وتعزز الإحباط لدى جمهور الثنائي الشيعي، إثر تلك التصريحات. فما قاله النائب رعد، أحيا المخاوف من عزل الطائفة، بالإشارة الى "الانقلاب على التفاهمات"، فهو بذلك نفخ في صفّارة الانطلاق للتعبير عن الهواجس من العهد الجديد. عزل وانكسار؟
غرق الشيعة، طوال الساعات الـ24 الماضية، في إحباطهم. ذلك أن العزل، عُرفاً، سيكون ناتجاً عن هزيمة، كما أن الاستبعاد ناتج عن انكسار.. وإذا كانت نتائج الحرب الإسرائيلية الاخيرة على لبنان لم تُنهِ الحزب (والطائفة استطراداً) كقوة سياسية، فإن الاستبعاد والعزل في الداخل، من شأنهما تكريس هذا الشعور. ومع أن الرئيس المكلف بدد تلك الهواجس بتصريحاته الثلاثاء من القصر الجمهوري، إلا أن مقاطعة نواب "الثنائي" للاستشارات النيابية غير الملزمة في البرلمان، الأربعاء والخميس، يوحي بأن الأزمة لم تُغلق، مما يعطي الجمهور مادة إضافية تحيي مرحلة الاعتصام في وسط بيروت في خريف 2006، إثر استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة، وما تبعها من تأزم وتوتر، إنتهت إثر أحداث 7 أيار 2008، في ما عُرف وقتها بـ"غزوة حزب الله لبيروت". طواحين الهواء
والمسار السياسي راهناً من طرف "الثنائي"، يبدو في أحد وجوهه، قتالاً مع "طواحين الهواء"، طالما أن الرئيس المكلف نواف سلام، بخبراته وفهمه للتعقيدات اللبنانية والتوازنات الداخلية، طمأن وأكد "مدّ اليد".. لكن هذا السلوك لا يمكن أن يكون مفهوماً بالكامل بالنسبة لجمهور لم تتضح له صورة نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه... وهو جمهور إعتاد في السنوات الماضية، على "الكلمة المسموعة" لـ"حزب الله"في السياسة الداخلية، من شروطه حول تشكيل "حكومة وفاق وطني"، الى "التفاهمات المسبقة"، وصولاً الى رفض قرار قضائي بخصوص ملف انفجار المرفأ. لم يعتد الجمهور هذه الوضعية الجديدة، والتغيير في ذهنية التعامل مع الملفات الداخلية. وربما يحتاج وقتاً إضافياً للتكيّف مع "الحياة الطبيعية" كأي نظام برلماني في العالم. لكن ذلك لا يكفي لإنهاء "الإحباط" السائد على مستوى الجمهور الشيعي. سيحتاج قبل أي جهد، الى إقناع مسؤولين سياسيين لدى "الثنائي" بالتكيف مع الدينامية الجديدة بمرونة، وإلى إقناع بعض المحللين المحسوبين على المحور، بأن خطاب التخويف لا ينقذ طائفة ما زالت تبحث بين الركام عن أشلاء الشهداء. طائفة تولي اهتمامها قبل كل شيء لتمويل إعادة إعمار من الجهات الدولية التي لا يمكن أن يخاطبها الا شخص مثل نواف سلام أو العماد جوزاف عون في سدة المسؤولية.. وما الاندفاع الدولي للترحيب بهما سوى دليل على ذلك.