بدأ يوم انتظار وصول الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة إلى قصر بعبدا هادئاً، وكان يعوّل على الاجتماع الثلاثي الذي سيجمع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري مع الرئيس المكلف القاضي نواف سلام.
لكن منذ لحظة دخول الرئيس بري القصر كان واضحا أنّ "العاصفة التي أحدثها انقلاب مشهد التكليف بتطيير الرئيس نجيب ميقاتي وتسمية القاضي سلام لم تهدأ في نفس رئيس المجلس".
اذ كشفت مصادر مطلعة على الاجتماع الرئاسي أنّ "النقاش بدأ ضاغطاً لكنّه انتهى صريحاً. تم طرح كل التساؤلات، ولاسيما ما إذا كان نقض الاتفاق الذي تم قبيل انتخاب الرئيس عون والاطاحة بالرئيس نجيب بميقاتي، سينسحب على نقاط الاتفاق الأخرى؟"
عون يستعجل التأليف
المؤكد أنّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف شدّدا على طمأنة الرئيس بري ومن خلاله حزب الله عبر التأكيد "على مشاركة المكونات اللبنانية والسياسية كافة في الحكومة، وأنّ مشاركة الثنائي كما غيره تتبلور في محصلة الاستشارات".
تقول المصادر "في خلال اللقاء الثلاثي لم يتمّ التطرق لا إلى شكل الحكومة ولا حتى إلى الأسماء أو الأعداد. إنما وضع الرئيسان عون وبري بأجواء توجه الرئيس المكلف من خلال الكلمة التي سيتلوها في ختام اللقاء. وفي معلومات "المدن"، فإنّ الرئيس بري اعتبر الكلمة جيدة، يبنى عليها إذا ما ترجمت أفعالاً في الحكومة العتيدة". واستكمالاً لتبديد الأجواء السلبية، فقد أدخل الرئيس المكلف بعض التعديلات على كلمته بعد الاجتماع الثلاثي.
النقاش الذي بدأ بحضور رئيس المجلس استكمله رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. حيث أبلغ "الرئيس عون، الرئيس الكلف أنه سيساعده ويساهم في تسهيل مهمته وأنه منفتح على كلّ الافكار والاقتراحات". دخل النقاش في العمق والرئيس سلام أبلغ الرئيس عون رغبته الاستماع إلى الجميع وأن يأخذ وقته في الاستشارات فأجابه الرئيس عون: "خذ وقتك"، وتقرر أن تكون الاستشارات في مجلس النواب وعلى مدى يومين.
طمأنة الثنائي فشلت
لكنّ الاجواء الايجابية التي انتهى إليها اللقاء الرئاسي الثلاثي، ومن ثم الثنائي سرعان ما تبددت. اذ لم تتأخر الأجواء السلبية في بلوغ القصر ومسامع الرئيس المكلف.
"الثنائي يرفض تشكيل حكومة لون واحد أو تكنوقراط أو حكومة أمر واقع". يصرّ "على تسمية الوزراء الشيعة، لا أن يؤخذ رأيه بمجموعة من الاسماء من أبناء الطائفة". ليس هذا فحسب، فقد علمت "المدن" أنّ حزب الله ذهب أبعد من ذلك، وأنه كان يريد منذ استشارات بعبدا، أن يضمن اتفاقاً متكاملاً يشمل سياسة الحكومة انطلاقاً من بيانها الوزاري.
خطوط بعبدا عين التينة مفتوحة
رئيس الجمهورية الذي يستعجل التأليف ليبدأ جولاته الخارجية لتأمين دعم لبنان ومساعدته في إعادة الإعمار، دخل على خط اتصالات تذليل العقبات أمام اطلاق سير الاستشارات، ومن ثم التأليف سريعاً. فكانت الخطوط بين بعبدا وعين التينة بين الرئيس عون والرئيس بري "شغالة"، ومن ثم كلف الرئيس بري معاونه النائب علي حسن خليل استكمال الاتصالات مع حزب الله، في محاولة للمعالجة قبل بزوغ صباح الاستشارات النيابية في مجلس النواب.
"لكن لا شيء محسوما"، قالت مصادر الثنائي لـ"المدن". إذ تصر مصادر كتلة الوفاء للمقاومة على "التوجه لمقاطعة الاستشارات"، فيما تقول مصادر مقربة من عين التينة: "الاحتمالان واردان، إما مشاركة وإما مقاطعة، اذا لم يتم التأكد من الالتزام بالضمانات، واذا لم يتم التأكد من العودة إلى ما اتفق عليه مع رئيس الجمهوية قبل انتخابه. نعم لا مشاركة في الاستشارات إلى حين الحصول على الضمانات."
اتصال بري ماكرون
هل الضمانات مطلوبة حصراً من رئيس الجمهورية ومن الرئيس المكلف؟
تكشف مصادر مطلعة على الاتصالات التي أجريت مع الرئيس نبيه بري، أنه في خلال الاتصال الذي حصل بينه وبين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يزور لبنان الجمعة، أن الرئيس الفرنسي مهتم ببت الخلافات والاسراع في تأليف الحكومة، وهو "وعد الرئيس بري أنه سيجري اتصالات مع رعاة التسوية في لبنان، ولاسيما المملكة العربية السعودية لضمان الاخذ بالهواجس التي عبر عنها الثنائي، وكان برعاية المملكة قد اتفق عليها قبل انتخاب الرئيس". المصادر شددت على أن الهواجس لا تقتصر على الحكومة وتركيبتها، أنما تتعلق بالسلاح شمال الليطاني، واعادة الاعمار. كان الرئيس نجيب ميقاتي الضامن لها بضمان تنفيذ الاتفاق. فكيف سنتأكد أن الحكومة المقبلة بمن تضم ستكون ضامنة لتبديد هذه الهواجس؟"
في معلومات "المدن" أيضا، أن النقاش حول الضمانات الحكومية التي تحولت من المستوى الداخلي الى الخارجي، طاولت "مقاربة الحكومة العتيدة للتعيينات مستقبلا، ولاسيما التعيينات الشيعية، واذا ما كانت ستكون معادية للثنائي بغض النظر عن مشاركته في الحكومة من عدمها.
"بانتظار نتائج الاتصالات، يبنى على الشيء مقتضاه في الساعات القليلة المقبلة".
حكومة جامعة او خطوة ناقصة
ازاء المطالب التي ارتفع سقفها في ساعات المساء عشية استشارات المجلس النيابي، قد يواجه الرئيس المكلف أكثر من سيناريو للتأليف: أن يتفق مع الثنائي على سلة الضمانات ويعيدان تثبيت الاتفاق الذي حكي عنه عند انتخاب الرئيس عون.
أو يؤلف حكومة ميثاقية بطبيعة الحال، لكن من دون مشاركة الثنائي.
لكن هل يخاطر الرئيس نواف سلام بتشكيل حكومة "قد لا تحظى بثقة النواب الشيعة في مجلس النواب، وتفتح الباب على مزيد من الاجتهادات حول مدى ميثاقية حكومة العهد الاولى، وبالتالي تعطيلها قبل انطلاقتها، وعرقلة العهد في أيامه الاولى."