2025- 01 - 15   |   بحث في الموقع  
logo الإحباط الشيعي..أطلقه محمد رعد وتغذيه "القوات" logo سلام "يمدّ اليدّ" لحكومة كفاءات: المستقبل يبدأ الآن logo "الثنائي" يقاطع الاستشارات أم الحكومة؟ logo حزب الله يفكك ميليشياته بسوريا ويتخلى عن مقاتليه السوريين logo قتلى وأسرى ومخطوفين.. ماذا حصل في ريف جبلة؟ logo هؤلاء افتعلوا حرائق أميركا الكارثية!..(جهاد أيوب) logo جريمة قتل مروعة في لبنان.. إليكم التفاصيل logo "العربي الجديد" ينشر تفاصيل الاتفاق المرتقب بين حماس وإسرائيل
عن سعادة المقهورين
2025-01-14 17:25:47

لم تكن سورياً يوماً، لا سيما بعد العام 2011، تشبه الأوطان في شيء. كان نظام الأسد يحولها إلى قبر كبير، ويحول السوريين إلى جثث تمشي على أقدام، تحاول جاهدة إثبات بقائها على قيد الحياة، مشغولةً بذلك عن كلّ حق من حقوقها، وعاجزة عن المطالبة بأدنى ما تستحقه من متطلبات الحياة الكريمة.لسنوات طويلة عشت في هذا القبر، ولسنوات طويلة اعتقدتُ أن التفكير في الخلاص ليس أكثر من ضرب جنون، لكني رغم ذلك لم أتوقف لحظة عن تخيل مشهد السقوط. مشهد هزيمة الأسد، وانتصارنا، انتصارنا جميعاً، حتى أولئك الذين لم يقولوا يوماً للأسد "لا نريدك"، لأني في قرارة نفسي كنت أعلم جيداً أن أحداً لا يريده، وأن الخوف من المجهول هو ما جعل البعض منحازاً لمؤسسات الدولة، لا للأسد كرئيس.ثمّ بدأت مؤشرات السقوط تلوح في الأفق. تجددت العمليات العسكرية، وتحت اسم عملية "ردع العدوان" انطلقت الفصائل المسلحة من إدلب لتحرير سوريا. وهنا عجزت عن حسم يقيني بهدف المُحرِّرين. تأرجحتُ بين سؤالَين: ثوار أم مجاهدون؟ لكني التزمت الصمت، فيما راقبتُ فرحة أصدقائي العارمة مع كل مدينة يُعلن تحريرها. حاولت مقايضة مخاوفي بفرح صافٍ لا تشوبه شائبة، لكني لم أنجح كثيراً. تركتُ الشبكات الاجتماعية، والمحللين والمثقفين والمطبّلين من الجهتين، وعدتُ إلى شوارع مدينتي الساحلية، إلى الناس البسطاء الذين أكل الفقر والجوع ملامحهم. تحدثتُ مع كل شخص صادفتُه في طريقي، مع سائق السرفيس، والراكب بجانبي، مع أصحاب المحلات والبسطات، مع أناس شاركتهم الانتظار في مكان ما. سألتهم عن آرائهم، استمعت لمخاوفهم، لتوجسهم، لقلقهم على أبنائهم العساكر. شعرتُ مجدداً بأن كل شيء في هذا البلد أكثر تعقيداً من أن تأخذ جانباً واحداً وتكتفي بالنظر منه.ثم سقط الأسد. سقط النظام الذي كان يرعبني لدرجة أن الكوابيس لم تفارقني لحظة، منذ اضطررت لطباعة ورقة في مكتبة، وكانت هذه الورقة تثبت تعاملي مع موقع الكتروني معارض. كنت أتخيل سيناريوهات اعتقالي إن وَشى بي صاحب المكتبة. ولشدة خوفي، صرت أستخدم موبايلَين، وأخبئ اللابتوب قبل خروجي من المنزل حتى لو فقط توجهت للدكان.باب الحرية الآن مفتوح، وباب الفرح مُشرَّع. لكني تسمّرت أمامه، عجزت عن الخروج والتحليق في سماء الحرية التي لطالما رسمتها في خيالي. نعم، لم أكن في تلك اللحظات، أكثر من ذلك الإنسان المقهور الذي وصفه المفكر البرازيلي باولو فريري، الإنسان الذي يعرف جيداً أن الحرية فقط هي التي ستؤسس لوجوده يوماً، لكنه رغم ذلك يخشاها، ويخشى قتل شخصية المقهور داخله، ويخشى الانطلاق نحو إثبات وجوده في الحياة.قضيتُ أسبوعاً كاملاً كالبلهاء، أكرر عبارة "سقط الأسد"، وأعيد فيديو خروج المعتقلين من صيدنايا. أقاطع بيني وبينهم، وأدرك كم أننا متشابهون. السوريون الذين خرجوا من معتقل صيدنايا، والسوريون الذين خرجوا من معتقل الوطن. ثم خرجت أخيراً، ومن شرفة شقتي، غنيت بأعلى صوتي ما غنته جارتي الممثلة السورية فدوى سليمان، التي دفعت ثمن رغبتها في الحرية باهظاً: "بلا بشار وبلا ماهر وبلا هالأسرة الغبية، سوريا بدها حرية".تذكرتُ أم فدوى، شجاعتها وهي تختار "لا" في كل استفتاء "تجديد البَيعة لحافظ" شارَكَت فيه، وأدركت أن الوطن الذي خفت عليه من تطرف بعض الفصائل المسلحة، هو الآن ملك شعبه، وأن الشجاعة حالياً ليست خياراً بل واجباً، وأن مَن سيعطي الشرعية للسلطة الحالية هو نحن. ونحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نسعى بكل ما لدينا من أمل في طريق التغيير الحقيقي لاستعادة أصواتنا وكراماتنا والمشاركة في صناعة مستقبل بلدنا، وإما السكوت والتبرير وإعطاء الفرصة تلو الفرصة إلى أن نخسر فرصتنا في سوريانا الجديدة.لا أعتقد أن أحداً الآن يستطيع تجاهل أهمية تحويل الدولة التي كانت مزرعة أسدية، إلى دولة تحوز شرعية فعلية وديموقراطية. ليس مفيداً تجاهل أو تسخيف كل نضال جادّ، مهما كان بسيطاً، لإرساء دولة مدنية. وقد اختبرتُ وأصدقائي منذ فترة، كيف تحولت وقفاتنا المطلبية مادةً للسخرية والاستهزاء في مواقع التواصل الاجتماعي. وكيف تتم محاولة تقزيم كل خطأ، إما بتبريره أو زجنا في مقارنات مع ما كان يجري سابقاً. رأيتُ، وفي خضمّ فرحنا العارم جميعاً بسقوط الأسد، كيف يمكن إسكات الأصوات المُطالِبة بخطاب واضح، وبخطة مستقبلية ذات جدول زمني واضح وأهداف محددة، لتُجنّبنا الضياع بين إعلان خبر (لجسّ النبض؟) ثم التراجع عنه أو نفيه. رأيتُ كيف يمكن أن تُحاط بالشكوك مُطالَباتٌ بدولة مدنية وحرية صحافة وتعددية سياسية. وذلك فيما يموت الناس جوعاً، كما حدث في الجامع الأموي قبل أيام، في مشهد مرعب لا يمكن تفسيره إلا بالحالة المزرية التي يعيشها السوريون. وتأكدتُ، بيقين هذه المرة، أننا لا بد أن نتذكّر أن تحسين الوضع المعيشي واجب السلطة، أي سلطة وكل سلطة، وليس هِبة أو مكرمة.نعم، كراهية السوريين للأسد وحّدتهم على الفرح بسقوطه طوال أسبوعين. ثم، لشرح الواقع، طفت مصطلحات تعبّر عن أفكار بعض الشارع، وتُناقض بعضه الآخر: "مَن يحرر يقرر"، "فلول النظام"، "دولة مدنية شرعية"، وغيرها الكثير مما يستدعي الحوار والنقاش الذي يبدو الآن مهماً ومصيرياً أكثر من أي وقت مضى. ربما الباب الأمثل، والذي ما زال مفتوحاً، هو تحويل كل اختلاف إلى حراك سياسي ومدني وسِلميّ، إلى أحزاب وتيارات فكرية، والتداول والكلام والاستماع إلى بعضنا البعض... وإلا فلا تغيير حقيقياً.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top