تتسم المواقف الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل مما يجري في سوريا، بالتحريض والتضخيم والشيطنة للحضور التركي في سوريا الجديدة.جني مكاسبلا يتعلق الأمر بالتأكيد بمحاذير وقلق عربي وإقليمي عام يمكن تفهمه من الحضور التركي وفرضية حلول أنقرة محل طهران وموسكو فيما يشبه الوصاية بسوريا، وإنما بالابتزاز والضغط والتهويل السياسي والإعلامي والعسكري، وكما دائماً، كون إسرائيل دولة فريدة بالمعنى السلبي ولا تملك سياسة خارجية بل داخلية فقط، ثمة مساعي لتحقيق وجني مكاسب داخلية للحكومة والجيش والمؤسسة العسكرية عبر نيل مزيد من الميزانيات بحجة تزايد الأخطار الأمنية على الجبهة الشمالية، إثر سقوط نظام بشار الأسد وانهيار بل تحطيم وتدمير حزب الله، وانسحاب إيران وميليشياتها من سوريا التي تحتاج إلى سنوات وربما عقود من أجل التعافي وإعادة البناء بعدما ترك الأسد البلاد أطلالاً مدمرة بالمعنى الدقيق للمصطلح.إذن، وعلى طريقتها تعاطت إسرائيل مع الحضور التركي في سوريا الجديدة بعد انتصار الثورة وسقوط نظام الأسد، علماً أن هذا الحضور لا يمكن إخفاءه أو تجاهله أو تجاوزه في التعاطي مع المشهد السوري والإقليمي الجديد، لكن ثمة تجاوز إسرائيلي متعمد ومنهجي لصلب القضية والمتعلق أساساً بالعلاقات التاريخية والجغرافية والجيوسياسية بين أنقرة ودمشق، والتداعيات المباشرة للقضية والتطورات السورية على تركيا في أبعاد مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية.العثمانية الجديدةبداية، ثمة عوامل ومحددات إسرائيلية تقليدية لابد من الانتباه لها في التعاطي أو المقاربة الإسرائيلية للحضور التركي في سوريا الجديدة والمنطقة بشكل عام.هنا تحضر أبعاد تاريخية وفكرية وسياسية، كما يحضر بُعد فلسطيني بالتأكيد، مع اعتبار القضية الفلسطينية ركن وحجر عثرة أساسي في العلاقات التركية الاسرائيلية منذ تأسيس الدولة العبرية حتي زمن تركيا القديمة، وقبل وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة وانطلاق حقبة تركيا الجديدة بداية القرن الجاري.بالعموم تسعى المقاربة الإسرائيلية إلى تحقيق عدة أهداف مع الانتباه إلى التناسق التام بين المواقف والمقاربات الرسمية وغير الرسمية من معلقين وباحثين، غالبيتهم العظمى على صلات مفتوحة مع المؤسسة الأمنية التي رسمت دوماً ولا تزال، السياسة الإسرائيلية خاصة تجاه المحيط العربي والإسلامي.منهجياً ثمة تضخيم وتهويل وتخويف متعمد من الحضور التركي في سوريا الجديدة واستخدام عبارات برّاقة وخادعة للتأثير على الرأي العام الإقليمي والعالمي مثل العثمانية الجديدة أو السياسات الامبراطورية لتركيا الجديدة مع الرئيس رجب طيب أردوغان.وفي السياق نشهد ضخاً وتحليلات وتعليقات إسرائيلية موجهة تفيد بحلول تركيا كقوة احتلال بدلاً من إيران وروسيا في تجاهل للثمن الذى قدمته تركيا والترحيب والانفتاح الشعبي السوري تجاهها كونها كانت فعلاً على الجانب الصحيح من التاريخ أخلاقياً وسياسياً.تحريض عربيفي التغطية والمقاربة الاسرائيلية للقضية السورية نجد تحريض للدول العربية وسعي لدق إسفين بينها وبين تركيا، كما يحضر التحريض للأقليات خاصة الأكراد والدروز وحتى العلويين مع دعم واضح للانفصال تصريحاً أو تلميحاً، وطرح أفكار مثل الحكم الذاتي، والكونفدرالية وحتى الوصاية الخارجية، بينما وصل الانفصام والغطرسة إلى حد الدعوة لمؤتمر دولي لتنظيم وشرعنة الانتداب الجديد المتعدد الأطراف على سوريا الجديدة.وفي الحد الأدنى، تسعى الدولة العبرية إلى لفت الانتباه عن ممارساتها بهضبة الجولان، وخلق وقائع جبرية على الأرض بعيداً عن الأمم المتحدة والشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة مع الدولة السورية مع تجاوز المنطقة العازلة بالجولان لمحاولة فرض ما تسميه منطقة سيطرة-15 كم- وأخرى—60كم للتأثير والنفوذ، وفرض الأمر الواقع وفق الذهنية الإسرائيلية والهوس الأمني التقليدي، وما يمكن تسميته بمتلازمة نتسريم.ابتزاز لتركياالتضخيم المتعمد للتطورات والأخطار في سوريا يهدف كذلك لتحقيق مكاسب سياسية لحكومة بنيامين نتنياهو، بادعاء المساهمة المباشرة في إسقاط نظام الأسد كما حصد ميزانيات إضافية، وفق توقعات الجنرالات بالمؤسسة العسكرية، وكما قالت فعلاً لجنة نغن المعنية بدراسة الميزانية الأمنية ومواجهة الأخطار المحيطة بالدولة العبرية، والتي عرجت كذلك على الحضور التركي بسوريا وسبل مواجهته.في المقاربة الإسرائيلية نرى كذلك ابتزاز لتركيا من أجل فتح قناة تواصل وتنسيق أمني مستمر معها، وما قالته القناة 12 العبرية منذ أيام يعبر عن هذه الأماني و التوقعات حيث الطموح الإسرائيلي لشق خط أمني ساخن بين تل أبيب وأنقرة على غرار ذلك الذي تم تفعيله مع روسيا عند تدخلها في سوريا-2015- بين قاعدة حميميم باللاذقية والكرياه –مقر رئاسة الأركان -بتل أبيب والذى انهار عملياً مع سقوط نظام الأسد كما الحضور والنفوذ الروسي في سوريا بشكل عام والمنطقةيقظة تركيةرغم ذلك كله لرؤية وفهم المشهد كاملاً، لا بد من الإشارة إلى أن تركيا تبدو منتبهة ومتيقظة للتحريض الإسرائيلي وحساسة تجاه الهواجس المطروحة عربياً ودولياً، وهي وليس بوارد الهيمنة أو الوصاية على سوريا وفق التصريحات المعلنة، كما السياسات العملية على الأرض التي لا يمكن إخفاءها.وبتفصيل أكثر، فقد التزمت تركيا بما يمكن تسميتها مبادىء العقبات الثلاثة تجاه سوريا بصفتها محل توافق عربي ودولي، والتي تتمثل بالحفاظ على وحدة وسلامة والأراضي السورية ومنع انهيار مؤسسات الدولة وذهاب الأوضاع الى الفوضى بما في ذلك عودة التنظيمات الإرهابية أو فقدان السيطرة على الأسلحة الاستراتيجية، إضافة إلى اطلاق عملية انتقال سياسة شاملة وجامعة دون اقصاء لأي من المكونات السياسية والاجتماعية بسوريا. والعمل على القضايا الثنائية- عودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية - مع القيادة الجديدة بدمشق تماماً كما يفعل الأردن –مكافحة التهريب وعودة العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري- ولبنان -ضبط الحدود ومكافحة التهريب واللاجئين والمعتقلين والمخفيين قسرياً- وكل ذلك علي قاعدة مبادىء العقبات المتفق عليها.كما تعمل تركيا بتنسيق تام مع الدول العربية بظل قنوات التواصل المفتوحة خاصة مع العواصم المعنية مباشرة بالشؤون السورية. لتكون مجتمعة عامل استقرار في سوريا الجديدة مع السعي لعلاقات تعاون استراتيجية متكاملة وشاملة بظل توجه عربي مماثل مع الانخراط الفاعل تحضيراً وتنفيذاً في اللقاء الموسع بالرياض -العقبة 2- بمشاركة القيادة السورية الجديدة.بالمقابل تظهر إسرائيل كمعتدية تحتل أراضي سورية وتتجاوز الشرعية الدولية والاتفاقيات الدولية مع الدولة السورية، وتدعم علناً الأفكار الانفصالية والخطط التقسيمية بما يرتد سلباً على سوريا والمحيط العربي والإقليمي كله.الشرق الأوسط الجديدأخيراً، باختصار وتركيز ورغم التهويل السياسي والإعلامي والعسكري فإسرائيل ليست قوة عظمى والشرق الأوسط الجديد لا ولن يبنى بالقوة ونقطة الانطلاق فيه تتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية وإعطاء الشعب الفلسطيني كما السوري الحق في تقرير المصير وتجاوز ذهنية القوة الارتكان والعيش على حد السيف والإعداد للحرب القادمة بمجرد الانتهاء من الحرب السابقة.وللمفارقة فإن إسرائيل -كما روسيا وايران- لا تملك قوة ناعمة علي عكس ما تدعى ومعظم منتجاتها وصادراتها أمنية وعسكرية، بينما تبدو متعلقة بالحديد والصلب والأجهزة الكهربائية من تركيا والخضر والفاكهة -من تركيا والأردن- والنفط من أذربيجان، وكانت ولا تزال دولة صغيرة لا تستطيع فرض إرادتها ببث الكراهية وأنهار وشلالات الدم مع شعوب المنطقة والاستلاب "رغم أيادي السلام الممدودة" لفكرة القلعة، والثكنة العسكرية "ماتسادا" وقاعدة إن ما لن يتحقق بالقوة يتحقق بالمزيد منها.