عند الساعة التاسعة من مساء أمس امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي في الشمال بعبارة "لبنان من دون ميقاتي". وقابلها فرحة وترحيب عام بتكليف القاضي في المحكمة الدولية نواف سلام لتشكيل الحكومة.بدا أهالي الشمال أكثر الفرحين بعدم إعادة تكليف أبن منطقتهم، بمقابل الترحيب بأبن بيروت رئيساً للحكومة الجديدة. فكما خرج الرئيس نجيب ميقاتي من الحياة النيابية في العام 2022 ولم تأسف عليه مدينته، يخرج اليوم من السراي الكبير، فتتفاعل طرابلس مع خروجه ولكن بفرح.انتصار على منظومة الفسادالمجتمع المدني تلقف تكليف سلام بترحيب غير مسبوق، وسط سخرية كبيرة من خسارة ابن منطقتهم. الدكتور فوزي فري سخر من أن 9 مليارات دولار يمتلكها آل ميقاتي أمنت للرئيس ميقاتي فقط 9 أصوات في الاستشارات. وقال: لو ألقى نجيب ميقاتي نظرة على رأي الناس به وبالأخص من أبناء مدينته لانسحب حفاظًا على كرامته وماء الوجه.وأضاف في حديث لـ"المدن" أن خروج ميقاتي وتكليف سلام لم يؤثر على طرابلس إلا ايجابًا. فالمدينة تطمح لتحريك اقتصادها ومرافقها الحيوية. ونحن اليوم أمام شخصيات مختلفة بذهنيات مختلفة لم تتلوث بفساد. ونرى برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف وجوهاً جديدة ولديهما سير ذاتية مميزة، ورصيد علمي ومعرفي كبير.بدوره اعتبر المحامي والناشط الطرابلسي مصطفى العويك في حديثٍ لـ"المدن" بأنّ "ما حصل منذ انتخاب الرئيس جوزاف عون ومن ثم بتكليف القاضي سلام، انتصار لمعركة خاضتها ثورة 17 تشرين ضد منظومة الفساد، عنوانها الرئيسي استعادة الدولة من المافيا والميليشيا". وشدد العويك على أنّ "كل مدينة تتمنى أن يكون رئيس حكومة لبنان من أبنائها، لكن المؤمنين بها، لا الجاحدين بدورها وناسها". ويتساءل: "ما الفائدة من أن يكون الرئيس المكلّف اليوم طرابلسيًا، إذا كانت طرابلس في أدنى اهتماماته ولا يعمل على حل أبسط مشاكلها الداخلية؟".انتقادات لميقاتيانتقادات أهالي طرابلس لابن مدنيتهم كثيرة. ولسان حالهم أن ميقاتي ومنذ دخوله عالم السياسة في لبنان، في العام 1998 كوزير للأشغال، لم يقدم أي مشروع للمنطقة من ماله الخاص، أو حتى من مال الدولة. فهو القابض مع شقيقه طه، على ثروةٍ مالية تفوق الـ 5 مليار دولار. وعوده الكثيرة لطرابلس، وآخرها شركة نور الفيحاء لإنارة المدينة، التي أنشأ لها صندوقًا تمويلياً باحتفال صوري انتهى في مكانه. ومبلغ الـ 100 مليون دولار لطرابلس، و 23 مليون دولار لعكار في حكومة الـ 2011، والوعود المتكررة بتشغيل مطار القليعات، بقيت إلى اليوم حبرًا على ورق.لعلّ هذا ما يفسّر فرحة طرابلس والشمال بنتائج الاستشارات النيابية الملزمة، وتكليف القاضي نواف سلام بـ 84 صوتًا مقابل 9 أصوات لميقاتي. إنها الفرحة ذاتها التي عاشتها المدينة الخميس الفائت، مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية.والانتقادات لميقاتي لم تأتِ من المجتمع المدني الطرابلسي فحسب، بل جاءت من الوزير السابق محمد الصفدي، الذي انتشر له تسجيل صوتي على وسائل التواصل، يقول فيه إن ميقاتي شكل ثلاث حكومات واحدة منها كان فيها 4 وزراء من طرابلس والنتيجة كمشاريع للمدينة ومرافقها كانت صفراً.لا تجيب نجيببعد 3 أيام من انتخاب الرئيس جوزاف عون نشطت ماكينة رئيس حكومة تصريف الأعمال الإعلامية للتسويق لترؤس الحكومة حتى موعد الانتخابات النيابية. إعلاميون، ومواقع إلكترونية، مجموعات (واتساب) وصفحات على التواصل الاجتماعي، جُنّدت جميعها في سبيل هذه الغاية، ولتشويه صورة أي مرشّح سنّي قد يظهر في وجه ميقاتي، ونزع غطاء الشرعية السنّية عنه. في المقابل كان صوت المجتمع المدني الطرابلسي أقوى بكثير. وكان لافتاً التفاعل الكبير لأبناء الشمال وطرابلس وبشكل عفوي مع هاشتاغ (#لا_تجيب_نجيب)، الذي انطلق مثل النار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، رفضاً لإعادة تكليف ميقاتي. مع ظهور رأي عام لبناني واسع يرفض عودة ميقاتي، ظهر بوضوح ميل الشماليين إلى تكليف رجل نظيف الكف من طينة نواف سلام. وبدا رفض الشماليين تكليف ميقاتي عارماً وبات بنظرهم يمثّل المنظومة السياسية الفاسدة، ولا يشبه الرئيس جوزاف عون في شيء. حتى النواب الذين سموا ميقاتي في الاستشارات نالوا الكثير من الانتقادات، ووصفوا على وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم يشكلون "لائحة العار".ويشرح الناشط السياسي الطرابلسي مصباح الساكت كيف جرت حملات الضغط المضادة في المدينة بالقول: "قدنا رأياً عاماً ضاغطاً وداعماً لخطاب القسَم المميز والتاريخي لرئيس الجمهورية جوزاف عون. لقد ساهم هذا الضغط بتغيير المواقف كما حصل مع النائب إيهاب مطر".ويضيف:" نجيب ميقاتي جُرّب في السابق وقدّم أسوأ نموذج لرجل دولة أو لرئيس حكومة لبناني. اليوم نعتبر أن لبنان أمام فرصة تاريخية، لتطبيق خطاب القسَم... الرفض الشعبي لتكليف ميقاتي في مدينة طرابلس مردّه لأن المدينة تفكّر وطنيًا، وميقاتي لم يقدّم لمدينة وُلد فيها أي شيء، أي مشروع، ويراها تتراجع أمام عينيه ولا يحرّك ساكنًا. والمواطن الطرابلسي يريد العيش في ظل دولة ومؤسسات، ولذلك كانت فرحة الناس بسقوط مرشح المنظومة أو ما تبقى منها، ورأى بنواف سلام النقيض لنموذج نجيب ميقاتي وأمثاله في الحكم والسلطة".