2025- 01 - 14   |   بحث في الموقع  
logo غداً.. من سيزور الرئيس المكلف نواف سلام؟ logo نواف سلام اتصل بالحريري ودياب logo الرئيس عون عرض مع ماغرو ترتيبات زيارة الرئيس الفرنسي logo ميقاتي استقبل سلام: تطرقنا خلال الجلسة للأمور الراهنة وبعض الملفات الشائكة logo بالفيديو.. عملية “ضخمة” نفذها العدو في بلدتين جنوبيتين! logo لغاية هذا التاريخ.. لا تسلكوا شارع جاندارك الحمرا logo انتشال جثامين الشهداء في الجنوب مستمر logo السيدة اللبنانية الأولى: دمّي جنوبي..وسنعمره معاً
سوريا كأنها جامع وكباريه!
2025-01-14 10:25:47


اشتُهر في الأيام الأخيرة تسجيل فيديو لمهرجان دعويّ في مدينة جبلة السورية، المهرجان أُقيم تحت رايات هيئة تحرير الشام التي تحكم البلاد، وكان هناك مسلّحون بين القائمين عليه. في تقديم القائمين على المهرجان، أُعلن عن أجانب كالتركستاني والليبي.. والغاية هي تعليم أهالي جبلة الدين الإسلامي، وقد أتى هؤلاء مصطحبين معهم ألبسة "شرعية" لتوزيعها على بنات في سنّ الطفولة. وواحد منهم بدأ بوعظ طفلين لا يحفظان القرآن، بأن طلب منهما ألا يشابها اليهود والنصارى، ثمّ توعّدهما بالفلَقة إذا لم يحفظا القرآن، وهي عقوبة الضرب على القدمين، وتأكد المجاهد من أن الطفل يعرف ما هي الفلَقة!رغم بشاعة تهديد طفل بالضرب، بقي الأسوأ في الظروف الانتقالية الحالية أن يحكي هؤلاء عن العهد البائد بوصفه نظاماً "نصيرياً"، فهذه اللغة (في مدينة جبلة على نحو خاص) لا تساعد إطلاقاً في إشاعة السلم الأهلي. يُذكر أنه، بعد التسجيل-الفضيحة، شاع خبر اعتقال "أبي سفيان الجبلاوي" الذي قيل أنه المنظّم، لكن حسبما أكد شقيقه لمنصة "تأكد" أتى اعتقاله لأسباب مختلفة، وغير مرتبطة بالمهرجان الدعوي. في حين لم يصدر رسمياً ما يفيد باعتقاله، والأهم ما يفيد بإيقاف هذه المهرجانات الدعوية وأمثالها من الظواهر الفردية.من أمام قلعة حلب مثلاً، كان قد شاع تسجيل على نطاق أضيق (قبل تسجيل جبلة) يدعو فيه المنظّمون الأهالي إلى الصلاة، وكأنهم آتون في مهمة عاجلة إلى معقل كفْر. ومن اللاذقية شاع تسجيل ثالث، يظهر فيه مسلح وهو يدخل مطعماً، ليطالب الزبائن بالإقلاع عن تدخين الأركيلة لأسباب دينية. أما التسجيل الذي اشتُهر تحت عنوان "عودة داعش"، من ساحة سعدالله الجابري وسط حلب، فهو محلّ سوء فهم معظم السوريين الذي لا يعرفون شيئاً عن حزب التحرير الإسلامي، وقد ظهرت نساؤه بين محجبة ومنقّبة يطالبن بالإفراج عن رجالهن في سجون هيئة تحرير الشام. الذي طغى على المطالبة هو ترديد عبارات مثل: لن نقبل بالأحكام الوضعية، نريدها إسلامية. وهتافات من قبيل: لا إله إلا الله والخلافة وعد الله، قائدنا للأبد سيدنا محمد.
في أحسن الأحوال، وبصرف النظر عن حساسية الظرف الحالي على أكثر من صعيد، يصوّر هؤلاء سوريا كأنها كباريه وجامع، ومن واجبهم هداية "مجتمع الجاهلية" الذي ورثوه من "النظام العلماني" البائد. واحد من الأمثلة المباشرة، تلك الصور التي انتشرت سريعاً لبناء مسجد في كلية الآداب-جامعة دمشق، حيث لا يمكن لأية جهة غير حكومية البناء هناك. هكذا تبدو السلطة متلهفة لبناء المسجد وكأنها (رمزياً على الأقل) في حرب مستعجلة على الكباريه، بينما في الجهة الأخرى من دمشق، بدءاً من "جوبر" مثلاً، تنتشر تلك المساحات المهولة من خراب البيوت الذي خلّفه القصف الأسدي لها.وتعميم صورة سوريا بين كباريه وجامع لا ينقصه فقط عدم رؤيتها كبلد متعدد دينياً ومذهبياً وإثنياً، بما يعنيه التعدد من اختلاف نسبي على صعيد العادات في الملبس والمأكل؛ التعميم ينتقص منه أولاً انطلاقه من رؤية خاصة للإسلام السني نفسه، وهي رؤية لا تعترف بوجود تفسيرات متباينة (بل متعارضة أحياناً) في العديد من المسائل، ولا تعترف أولاً بوجود مسلمين (سُنّة) متخالفين بحسب ظروفهم ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم السياسية.
خارجياً، قد تساهم مظاهرات حزب التحرير المطالِبة بوعد الخلافة، وبشعاراتها المعادية للغرب، بإظهار قيادة هيئة تحرير الشام كتمثيل للإسلام السني المعتدل، ومن المفهوم أن الأخيرة مهتمة بإرسال هذا النوع من الإشارات حالياً. إلا أن المظاهرات نفسها، وتوزيع منشورات تحض على الحجاب في أحياء يغلب عليها طابع غير سني، إلى جانب المهرجانات الدعوية وحتى التصرفات الصادرة عن أفراد تابعين للهيئة، لن تعطي إشارات إيجابية في الداخل. فالتبشير المسلَّح لا ينطوي على احترام الحريات العامة، وحتى إذا لم يُستخدم السلاح فإرهابه ماثل في الأذهان. هذا ما يحدث عندما يطلب مسلح من سافرة أن تتحجب، ولو اعتذر منها بلطف عندما تسأله عمّا إذا كانت مجبرة على الحجاب. مثل هذه الحوادث تذكّر، على نحو مقلوب، بالسلوك المخزي لمظليات رفعت الأسد، عندما نزلن إلى شوارع دمشق ونزعن الحجاب عنوة عن بعض السيدات.على صعيد متصل، أسرع وزير التربية في الحكومة المؤقتة فأصدر تعديلات على المناهج مع نهاية العام الفائت. بذريعة حذف دعاية السلطة السابقة المبثوثة في الكثير من الكتب، حذف الوزير الجديد مع تلك الدعاية فصولاً من الكتب مثل "أصل وتطور الحياة"، و"تطور الدماغ"، وما يشير إلى الربات والآلهة القديمة مثل ربة الينبوع، أو الإله الكنعاني ملقارت، وطلب إزالة صورة حمامة ترمز للآلهة. التعديلات طالت حتى أبيات من الشعر القديم، مثل الإشارة في القرار إلى أنه (لا استثناءات في الموت، العاشقون وغيرهم سواء) اعتراضاً على بيت المتنبي: وعَذلتُ أَهلَ العشق حَتّى ذُقتُه فعجبتُ كيف يموت مَن لا يعشقُ.
بسبب الضجة التي ثارت على التعديلات، خرج الوزير بتوضيح أوحى بإمكانية التراجع عما لا يتعلق منها بالعهد البائد، إلا أنه لم يتراجع فعلياً حتى الآن بقرار يلغي التعديلات التي لا علاقة لها بالدعاية للعهد البائد. ويُسجّل للوزير نشاطه وهمّته بالمقارنة مع زميله في وزارة العدل، فالثاني تأخر عنه بأيام حتى أصدر قراراً بإعادة توقيف المسجونين الجنائيين الذين خرجوا من السجون مع فتحها أثناء عملية التحرير. الحديث هنا عن الألوف من أصحاب السوابق الذين أفلتوا في تلك الأيام، والذين يروّعون الأهالي بسرقاتهم واعتداءاتهم حتى صارت مدينة مثل حلب بمثابة مدينة منكوبة بهم.ومع أن السوريين عموماً لا يملكون ثقافة قانونية يُعتد بها فقد كان لديهم معرفة عمومية، وفي حدها الأدنى، عن القوانين الجزائية والمدنية المعمول بها. الآن، لا إجابة ولا معرفة لديهم بالقوانين التي يحتكمون إليها، وهناك عقوبات اعتباطية لا يُعرف سندها القانوني، ومنها عقوبات مهينة يجري تصويرها ونشرها على نطاق واسع. الإهانات كانت تحدث في أقسام الشرطة من قبل، بعيداً عن الكاميرا، لكن المقارنة بما سبق غير مشرِّفة في كل الأحوال.
الاستحقاق الأمني، على سبيل المثال، يفوق في الأهمية ما تركز عليه التصرفات الدعوية التي توحي بأن السوريين في كباريه، ويجب إعادتهم إلى الجامع على وجه السرعة، بينما هم غارقون في فوضى أمنية ومعيشية لا ترجع فقط إلى طبيعة المرحلة الانتقالية، وإنما أيضاً إلى الغموض الذي يكتنف الشأنين الأمني والمعيشي. ولا بد من الإشارة إلى أولوية الجانب المعيشي حتى لجهة إحلال السلم الأهلي، وقد تُلام السلطة الجديدة على الوضع البائس الذي تواجهه، إلا أنها اتخذت قرارات اعتباطية ثم تراجعت عنها، الأمر الذي لا يزرع الثقة بأن لديها رؤية للتعاطي مع التركة الثقيلة. فضلاً عن ذلك، لم تتوجه السلطة لتصارح السوريين بحقيقة الوضع، أو لتطالبهم مثلاً بالتحمّل إلى أجل مسمّى.عندما تزدهر الظواهر الدعوية، وفي المقابل يكون هناك إهمال (أو تقصير في المصارحة حتى) في صميم عمل الدولة، فهذا الاختلال ستكون نتائجه سلبية على السوريين وعلى السلطة الجديدة معاً، لأنه يُظهر الأخيرة كأنها تتلهى عنهم بما ليس في صلب مسؤولياتها. وحتى شيوع الجدال حول هذا كله بين السوريين، واقعياً وافتراضياً، يهدر الطاقات ويتسبب بعداوات هم بغنى عنها وعن نتائجها التي يصعب التكهن بها، ومن الأجدى في كل الأحوال أن تنصرف هذه الطاقات إلى النقاش في قضايا الدولة الراهنة والمقبلة.
ما يحدث، بسبب هذه الجدالات، هو تضييق على السوريين، لأنه يدفعهم إلى الحدود القصوى، وكأن على كل منهم الاختيار بين الكباريه والجامع، في حين أن قضايا بناء الدولة السورية الجديدة لا تبدأ من هنا، ولا علاقة لها بالاثنين، والسوريون متنوعون جداً بحيث لا يُختصر أحد منهم بهذا أو ذاك. ومن نافل القول أن التنوع السوري لا يقتصر على التقسيمات المذهبية والدينية والإثنية، فالتنوع موجود ضمن الأسرة الواحدة التي يعيش أفرادها بانسجام رغم اختلافاتهم الفردية. ومن نافل القول أيضاً أن السوريين، أسوة بكافة الشعوب، لا يفطرون ويتغدون ويتعشون على إظهار التمايزات العقائدية والمسلكية، ولا يهجس معظمهم بفرض النموذج الذي يفضّلونه على الآخرين. الحديث هو عن بلد بما للكلمة من معنى، ومن المهين لأبنائه جميعاً أن يُختزل بجامع وكباريه.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top