الانتصار الذي لمسه اللبنانيون، اليوم الاثنين، في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة، يقف وراءه النائب إبراهيم منيمنة، وآزره فيه زملاء له في كتلة التغيير، رفضوا "ستاتيكو" المراوحة بين شخصيات معروفة، أو أخرى بلا حظوظ، داخل النظام اللبناني العالق في حلقته المفرغة منذ عقود، والذي لم يستمع الى أصوات الشارع على الأقل منذ العام 2019.
النائب ابراهيم منيمنة والنائب فراس حمدان في ليل الامس الطويل لاسقاط ميقاتي وتكليف نواف سلام. @Ibrahim_mneimne @FirashamdanLB pic.twitter.com/ZFzEGGwgv3
— Rawad Taha (@rawadtaha) January 13, 2025
حتى مساء الإثنين، كانت الخيارات محتجزة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والنائب فؤاد المخزومي. يمثل الأخير خيار المعارضة التي سمّته، واختارته بين شخصيتين، الى جانب اللواء أشرف ريفي، على قاعدة تسمية شخصية معارضة لـ"حزب الله" والعهد العوني السابق، ومن شأنها أن تخاطب جمهور المعارضين، خصوصاً "القوات اللبنانية" وبعض المستقلين.
أما خيار ميقاتي، فجاء من باب استكمال المرحلة، لجهة انجاز تعيينات مطلوبة في الحكومة الجديدة، وإجراء الانتخابات النيابية، على أن تسفر الانتخابات عن توازنات جديدة تحدد شكل العهد، وتحدد، تالياً، حكومته وشخصياته. بمعنى آخر، كان الخيار يقضي بـ"إمرار المرحلة"، وإبقاء الشيء على ما هو عليه، تكراراً لتجربة تمديد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2008 بعد اتفاق الدوحة الذي ساهم في انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وإجراء انتخابات قادت الرئيس الأسبق سعد الحريري الى رئاسة حكومته الأولى.
"ستاتيكو الأمر المحسوم"
هذه المعادلة، هي "ستاتيكو الأمر المحسوم"، بمعنى حسم الخيارات قبل الشروع في تنفيذها، وهي تقليد لبناني درجت عليه القوى السياسية التي تتهيب التغيير، وهو ما رفضه النائب منيمنة الذي خطا خطوة ثورية على حلفائه وخصومه في السياسة، عبر ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، وذلك لإحداث صدمة، تظهر أن الانقسام وتشتت الأصوات، سيبقي البلاد في دائرة المراوحة، ولن يتم القفز فوق "المحسوم"، إلا بخلط الأوراق، واختيار شخصية قادرة على حيازة أكثرية.
سميت القاضي نواف سلام كي لا نفوت الفرصة، وكي نعيد الامل للبنانيين. pic.twitter.com/AdH8KJrvIg
— Ibrahim Mneimneh | ابراهيم منيمنة (@Ibrahim_mneimne) January 13, 2025
كان معروفاً، منذ البداية، أن أسهم مخزومي غير مرتفعة، ذلك أن "التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، والنواب السنّة، لن يسموه. فهو المرشح الخصم لـ"التيار الوطني الحر" و"الاشتراكي"، كما أن ترشيحه جاء من قبل شخصية مسيحية (رئيس حزب القوات سمير جعجع)، مما يثير حساسية السنّة السياسية، فيعزفون عن ترشيحه. وتالياً، تصبح حظوظ ميقاتي أعلى، حتى لو لم يسمّه "التيار الوطني الحر" على خلفية الاختلافات معه، والسجالات عالية النبرة ذات المحتوى المذهبي، حين كان رئيساً مكلفاً في أواخر عهد الرئيس السابق ميشال عون.
نحن الثورة والغضب لحظة اعلان الرفيق ابراهيم منيمنة انسحابه لصالح الاستاذ #نواف_سلام #ما_تجيب_نجيب pic.twitter.com/zadZFVwyC0
— Mustafa (@MustafaFahs) January 12, 2025
ضمن هذا المشهد، أراد منيمنة التغيير. أعاد ترشيح نفسه. ثم بيّنت المشاورات والحسابات ليلة الأحد، أن الشخص الوحيد القادر على حيازة أصوات جديدة، هو السفير والقاضي نواف سلام، فانسحب منيمنة، تاركاً له الساحة. ساحة استقطاب جديدة، وفرصة لتغيير "المعادلات المحسومة"، بما يتواءم مع أجواء التغيير القائمة، بدءاً من التحوّل المعلن في وضعية "حزب الله" باتجاه العمل الحزبي السياسي، وانتخاب رئيس للجمهورية خارج الاصطفافات والمدعومة حزبياً من قطبَي المواجهة الداخلية، وهو ما يشير إلى تغيير في المشهد اللبناني.
ترحيب لبناني عارم
أفرح هذا التغيير اللبنانيين، فاحتفلوا بتبدل المعادلات المحسومة والتوافقات المسبقة. تسمية سلام، تعزيز لفكرة التداول الديموقراطي والعمل المتحرر من قيود النموذج اللبناني في التعامل مع ملفات مصيرية، بعكس نموذج الأداء اللبناني المعمول به منذ عقود.
لكن الاحتفاء ليس كافياً. يراهن اللبنانيون اليوم على تغيير واسع النطاق، من التعيينات الإدارية، الى تفعيل المحاسبة، والعمل باستقلالية القضاء، ومحاربة الفساد واسترجاع أموال المودعين، وحصرية السلاح وإنهاء فرص الحرب وفرض هيبة الدولة وسلطتها على سائر القطاعات، وعلاقات ندية مع دول العالم... الآمال كبيرة، ويمكن لانسجام بين رئيسَي الجمهورية والحكومة، على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية، أن يقود الى مثل هذا التغيير.