2025- 01 - 22   |   بحث في الموقع  
logo بيان للأمن العام: إحذروا من هذه الروابط.. logo الرئيس عون التقى المدير الإقليمي للبنك الدولي وبطريرك السريان الارثوذكس logo “التيار”: لحكومة إصلاحيين ببرنامج سيادي واضح logo المصارف بانتظار "ضمانات تشريعيّة" لفتح باب التسليف logo فواتير مولّدات خياليّة في طرابلس.. وأمن الدولة تتحرّك logo جنين: المقاومة تتصدى للتوغلات الإسرائيلية.. وتحذير من إبادة جديدة logo الحرب تفاقم حجم الدين العام الإسرائيلي logo المجيء الثاني لترامب: ملك ألفي؟
نواف سلام المثقف والحقوقي "العريق": ثورة إصلاحية في شخص
2025-01-13 16:55:46


المرة الثالثة كانت ثابتة. تمت تسمية القاضي الدوليّ نواف سلام المشهد السّياسيّ اللّبنانيّ لرئاسة الحكومة في لبنان. اسمٌ ارتبط بالإصلاح والنزاهة، وبمسارٍ أكاديميّ وحقوقيّ حافل في لبنان والخارج. ولكن من هو نواف سلام؟ وما هي أبرز محطّاته وسيرته التي تجعل منه مرشّحًا يحمل آمالًا كبيرة لدى شريحة واسعة من اللّبنانيين، خصوصًا في ظلّ الانهيار الاقتصاديّ والإداريّ المديد الذي تعيشه البلاد؟جذورٌ بيروتيّة عريقةينحدر نواف سلام من عائلة بيروتيّة مشهورة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة اللبنانية. وُلد في 15 كانون الأوّل 1953، وهو ابن عبدالله سلام، أحد مؤسّسي شركة طيران الشرق الأوسط، وجده سليم علي سلام رئيس بلدية بيروت السّابق ونائبٌ في مجلس "المبعوثان" العثمانيّ. تفتخر عائلة سلام بدورها في الشأن العام، إذ تولّى اثنان من أعمامه، صائب سلام وتمام سلام، رئاسة الحكومة اللبنانيّة في مراحل مختلفة.
في كنف هذه البيئة البيروتيّة، تشكّلت شخصية نواف سلام على خليطٍ من الالتزام السّياسيّ والشغف بالعلم والانخراط في الشأن العام، متبنيًا مفهوم الدولة المدنيّة، وعاملًا على قضايا التحرّر والاستقلال منذ شبابه. فالمعروف عنه أنه كان ناشطًا في السبعينيات لمساندة الجنوب اللبنانيّ والقضيّة الفلسطينيّة، ما أكسبه رؤيةً عروبيّة شاملة، متجاوزةً الفروقات الطائفيّة والمناطقيّة. وتزوّج سلام من الصحافيّة سحر بعاصيري، الّتي شغلت منصب سفيرة لبنان لدى منظمة اليونسكو، ولهما ولدان هما عبد الله ومروان.مسيرةٌ أكاديميّة حافلةعلى الصعيد الأكاديميّ، تدرّج سلام في أرقى المؤسّسات التعليميّة حول العالم. بدأ مساره بحصوله على دبلوم من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة في باريس (1974)، ثم نال دكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون (1979). بعد ذلك حصل على ليسانس في القانون من جامعة بيروت العربيّة (1984)، فالماجستير في القانون من جامعة هارفارد (1991)، ثم دكتوراه دولة في العلوم السياسيّة من معهد الدراسات السياسيّة في باريس (1992) .
وعلى امتداد تلك السنوات، خاض نواف سلام تجربة أكاديميّة ثريّة جعلته يدرّس في جامعاتٍ متعدّدة مثل هارفارد، كولومبيا، ييل وجامعاتٍ أوروبيّة وعربيّة، فضلاً عن الجامعة الأميركيّة في بيروت الّتي ترأس فيها قسم الدراسات السّياسيّة والإدارة العامّة. وقد أصدر خلال هذه المسيرة عددًا من المؤلفات والدراسات حول القانون الدولي والإصلاح السياسيّ في لبنان، كما شارك في لجان عدّة لتحسين الأداء الانتخابي وتطوير القوانين.دبلوماسيّ مُخضرّم وواجهة لبنان الأمميّةشغل سلام منصب سفير ومندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة بين عامي 2007 و2017، ومثّل بلاده في مجلس الأمن الدولي، وترأسه مرّتين (أيار 2010 وأيلول 2011). كما انتُخب نائبًا لرئيس الدورة الـ67 للجمعيّة العامّة للأمم المتحدة (2012-2013)، وكان عضوًا في بعثاتٍ ميدانيّة لمجلس الأمن شملت دولًا عدّة، مثل إثيوبيا والسودان وكينيا وأفغانستان، مقدّمًا توصياتٍ لحلولٍ دبلوماسيّة للنزاعات.
وقد برز دور سلام عام 2012 في قيادة حملةٍ أثمرت عن اعترافٍ أمميّ بالدولة الفلسطينيّة غير العضو في الأمم المتحدة، متحمّلاً ضغوطاً وانتقاداتٍ أميركيّة على خلفيّة مواقفه المؤيّدة للقضيّة الفلسطينيّة. كذلك يُنسب إليه دورٌ أساسيّ في بلورة قرار مجلس الأمن 1701 إثر حرب تموز 2006، لا سيّما صياغة النقاط السبع التي تتعلّق بآليات وقفٍ نهائيٍّ للعمليّات العسكريّة.
في عام 2018، انتخب مجلس الأمن والجمعيّة العامّة للأمم المتحدة نواف سلام قاضيًا في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، وهي أعلى هيئةٍ قضائيّة في الأمم المتحدة. وقد شكّل هذا المنصب تكريسًا للمكانة المرموقة التي حقّقها سلام في الأوساط الدبلوماسيّة والقانونيّة الدوليّة.
وفي شباط 2024، حقّق سلام إنجازًا جديدًا بانتخابه رئيسًا لمحكمة العدل الدوليّة لثلاث سنوات، ليغدو بذلك ثاني عربيّ يترأس هذه المحكمة منذ تأسيسها. يعكس هذا الانتخاب حجم الثقة الدوليّة بقدراته المهنيّة والنزاهة التي عُرف بها خلال السنوات الماضية.التّحديات الداخليّةفي خضمّ الأزمة اللبنانيّة، تردّد اسم نواف سلام أكثر من مرّة كرئيسٍ محتمل للحكومة. عاد هذا الترشيح ليطفو على السطح بعدما عجزت الطبقة السّياسية التقليديّة عن إيجاد حلول جذرية للانهيار الاقتصاديّ الحاصل. ينظر كثيرون إلى سلام على أنّه شخصيّة إصلاحيّة مستقلة، تملك رصيدًا دوليًّا واحترامًا أكاديميًّا، ما قد يشكّل فرصة فريدة لإحداث خرق في المشهد الداخليّ المتعسّر.
في المقابل، كان يواجه هذا الطرح تشكيكاً من بعض القوى السياسيّة، إذ تتهمه أطرافٌ بأنه "أميركيّ الهوى"، وأنّ ترشيحه ينبع من دوائرٍ دوليّة، متناسين في الوقت عينه أنّه خاض مواجهاتٍ دبلوماسيّة مع الإدارة الأميركيّة نفسها عندما دافع عن حقّ الفلسطينيين في الأمم المتحدة، أو حين تمسّك بقواعد السيادة اللبنانيّة أمام الضغوط الخارجيّة خلال عمله سفيراً لدى المنظمة الدوليّة.رؤيةٌ إصلاحيّة متكاملة: من حماية "الطائف" إلى إصلاح القضاءفي ندوةٍ نظّمتها جمعيّة المقاصد الإسلاميّة منذ نحو العامين، طرح القاضي الدوليّ نواف سلام مقاربةً إصلاحيّة شاملة تعكس نظرته لإدارة الأزمة اللبنانيّة. حملت الندوة عنوان :"الطائف في النص والممارسة: أين الخلل؟"، وشارك فيها قضاة وخبراء دستوريّون ووزراء سابقون.
ربط سلام في محاضرته بين ظروفٍ سياسيّة داخليّة وخارجيّة أدّت إلى توقيع اتّفاق الطائف، الذي أنهى الحرب اللبنانيّة عام 1989، وبين الحاجة الحاسمة لإعادة الاعتبار للمؤسسات الدستوريّة وتطبيق هذا الاتفاق نصاً وروحاً. ففي ظلّ تعثّرٍ متواصل لتشكيل حكوماتٍ فاعلة، وسجالاتٍ لا تنتهي حول الصلاحيّات، يرى سلام أنّه لا بدّ من:- إصلاح القضاء: بوصفه "الملاذ الأوّل للعدالة وضمان حقوق المواطنين"؛ حيث يعاني لبنان من تضاربٍ حاد بين الساسة والقضاء، واتهاماتٍ بالتسييس والتدخل في القضايا الحسّاسة مثل تفجير مرفأ بيروت.- استعادة التوازن السياسيّ: من خلال تشكيل حكومة تسعى فعليّاً إلى تطبيق مواد "الطائف" غير المطبّقة، وتؤمّن سلطةً تنفيذيّة قادرة على اتخاذ قراراتٍ إصلاحيّة بنيويّة.- بناء اقتصادٍ منتج: يرتكز على إجراءاتٍ ماليّة وخططٍ تنمويّة طويلة المدى، ويُمهّد لاستعادة ثقة المستثمرين والدول المانحة.- تطبيق المساءلة والمحاسبة: كشرطٍ أساسيٍّ لاستعادة ثقة اللبنانيين أنفسهم بدولتهم، والحدّ من انتشار الفساد والزبائنيّة في المؤسسات العامّة.تحدي بناء الثقّة في الداخلولم يخفِ نواف سلام في سلسلةٍ من لقاءاته الصحافيّة، أنّ إنجاز أيّ إصلاحٍ حقيقي يتطلّب توافقاً داخليًّا وإرادة سياسية واضحة، الأمر الذي لا يبدو سهلاً في ظلّ نظامٍ طائفيّ معقّد، تتشابك فيه مصالح الأحزاب وشبكات المحسوبيّة. يُضاف إلى ذلك التأثيرات الخارجيّة على المشهد اللبناني، ما يجعل من مهمّة أيّ رئيسٍ للحكومة محفوفةً بالتوازنات والضغوط المتبادلة.
لكن ما يلفت الانتباه في سلام هو تمسّكه بأخلاقيات الانضباط القانونيّ، والعزوف عن المهاترات السياسيّة، كما ظهر في مناسباتٍ سابقة عندما اكتفى بالعمل الدبلوماسيّ الفاعل من دون الانجرار إلى سجالاتٍ إعلاميّة أو حزبيّة.
وفي المحصّلة، لا شيء يحسم مستقبل لبنان إلّا توافقٌ داخليّ يضع مصلحة البلاد فوق الاعتبارات الحزبيّة والاقليميّة. لكنّ المؤكّد أنّ تجربة سلام في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدوليّة منحه ذخيرةً قانونيّة ورؤيةً دوليّة واسعة، إذا ما أمكن استثمارها في الحلّ اللبنانيّ، فقد تفتح باباً طال انتظاره لاستعادة الدولة وهياكلها ومؤسّساتها، وإطلاق مسارٍ إصلاحيّ يوصل اللبنانيّين مجدّداً إلى برّ الأمان.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top