2025- 01 - 13   |   بحث في الموقع  
logo آمال غادرت ولم تعد.. هل تعرفون شيئًا عنها؟ logo قائد الجيش بالنيابة استقبل لاثارو ووفدا بلغاريا logo رؤية نواف سلام الإصلاحية اقتصاداً وسياسة وقضاء logo مخالفة بيئية في طرابلس.. مخلفات لحوم ودجاج مرمية في نهر logo من لاهاي إلى السراي.. نواف سلام رئيسا مكلفا.. logo الحريري: كل الدعم للرئيس المكلف وكل الشكر للرئيس الصديق نجيب ميقاتي logo الرئيس ميقاتي يهنئ الرئيس المكلف: كما تجاوزنا الحروب والأزمات معًا سننهض معًا من جديد. logo طيران الشرق الأوسط: هذه الأخبار ليست صحيحة
مخاوف من إعادة تدوير الفساد والقتلة
2025-01-13 11:25:45

تتواتر الأخبار تباعًا عن عودة بعض شركاء عائلة الأسد المخلوع وأذرعهم الأمنية من دفاع وطني وغيرهم، المتورطة في جرائم كبرى بحق السوريين، بعفو خاص من الإدارة الجديدة، مما يثير موجة من التساؤلات والقلق بين السوريين. فهذه الشخصيات، التي أدينت اجتماعيًا بسبب ارتكاباتها التي طالت جميع مكونات المجتمع السوري، أصبحت اليوم محورًا للجدل حول نوايا النظام الجديد في التعامل مع إرث الفساد والقمع. وبينما يحاول البعض تبرير هذه الخطوة بأنها تأتي في سياق سياسة تطمينية لشريحة معينة أو محاولة لاحتواء توترات طائفية محتملة، فإن الواقع يشير إلى أن هذه التحركات قد تحمل تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا، إذ إنها تعزز مخاوف السوريين بشأن احتمالية إعادة إنتاج منظومة الفساد والاستبداد تحت شعارات جديدة.إن منح العفو لهذه الشخصيات لا يمكن اعتباره خطوة نحو المصالحة الوطنية، بل يُنظر إليه كرسالة سلبية تعمق انعدام الثقة حول آلية العدالة، فهؤلاء لعبوا أدوارًا رئيسية في تعزيز سلطة النظام السابق عبر القتل والقمع والفساد، لم يكونوا مجرد أدوات قمعية، بل كانوا رموزًا لمرحلة مظلمة من تاريخ سوريا، مرحلة تسعى الثورة السورية منذ بدايتها إلى إنهائها، لذلك، فإن عودتهم ليست فقط إهانة مباشرة لضحاياهم، بل هي أيضًا إعادة إحياء لمخاوف السوريين بشأن جدية المرحلة الجديدة في تحقيق العدالة والانتقال الديمقراطي.
ولا يقتصر الأمر على الأبعاد الرمزية لهذه العودة، بل يتعداها إلى الأثر الواقعي الذي قد تتركه هذه الخطوة على بنية النظام الاقتصادي والسياسي. فهذه الشخصيات، التي استفادت خلال سنوات النزاع من الفساد وتكديس الأموال، تمتلك اليوم الأدوات اللازمة للعودة إلى الواجهة الاقتصادية وربما السياسية، مما يعيد إنتاج المنظومة نفسها التي استغلت السوريين لسنوات طويلة. ولعل الأخطر من ذلك أن عودتهم تعيد للأذهان ممارساتهم السابقة، حين استخدموا نفوذهم المالي والأمني لتحقيق مكاسب شخصية على حساب مصلحة الشعب السوري، وهو ما يجعل هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر على مستقبل البلاد.ومما يزيد من تعقيد هذا المشهد أن النظام السابق لم يكن مجرد منظومة قمعية منفصلة عن المجتمع، بل كان شبكة معقدة من الفساد شملت مختلف الطوائف والمجتمعات، فمن خلال إشراك شخصيات من كافة الانتماءات في جرائمه، سعى النظام إلى تعميم سلوكه الإجرامي ليصبح إرثه موزعًا على الجميع، مما يخفف من عزلة النظام داخليًا وخارجيًا. لذا، فإن عودة بعض الشخصيات من الأغلبية السنية، التي كانت شريكة في الفساد والقتل، تعكس بوضوح هذا النمط. فهذه الشخصيات لم تكن تمثل طوائفها بقدر ما كانت أدوات لتنفيذ سياسات النظام القمعية، الأمر الذي يجعل محاولات إعادة دمجها في المشهد الجديد تحت ذريعة قدرتها على ضبط مجتمعاتها أو تمثيل طوائفها مجرد تكرار للاستراتيجية القديمة ذاتها، التي أثبتت فشلها في بناء دولة قائمة على العدالة والمساواة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي خطوة تهدف إلى العفو عن هذه الشخصيات أو إعادة دمجها في المشهد السياسي والاقتصادي تُعد ضربة قاسية لجهود المصالحة الوطنية.فالسوريون، من جميع الطوائف والمناطق، لديهم موقف موحد من هذه الشخصيات، ليس بدافع شخصي، بل لأنهم أصبحوا رموزًا "لطوائفهم" حتى عندما يكونوا من الأكثرية السنية، في مرحلة القمع والفساد التي يتطلع الجميع إلى تجاوزها، ولذلك، فإن تبرير وجودهم في النظام الجديد على أساس قدرتهم على ضبط مجتمعاتهم أو تمثيل طوائفهم يعد استهانة صريحة بتطلعات السوريين نحو العدالة والمحاسبة.
وعليه، فإن إعادة هذه الشخصيات إلى المشهد العام، بدلاً من أن تكون وسيلة لطمأنة الطوائف، تزيد من حالة الاحتقان وتُضعف الثقة في الإدارة الجديدة، إن المصالحة الوطنية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق عبر إعادة إنتاج منظومة الفساد والاستبداد، بل من خلال محاسبة جميع المتورطين في الجرائم، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مواقعهم السابقة.وفي هذا السياق، فإن العدالة ليست مجرد مطلب شعبي يمكن تجاوزه، بل هي شرط أساسي لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع. إن محاسبة المتورطين في الجرائم والانتهاكات ليست خيارًا يمكن تأجيله، بل هي أساس أي عملية انتقال ديمقراطي ناجحة. فالشعب السوري، الذي تحمل معاناة طويلة بسبب القمع والفساد، لن يقبل أن يرى الوجوه نفسها التي كانت جزءًا من تلك المعاناة تعود لتتصدر المشهد مجددًا.
لا شك أن ما يقوله رئيس الإدارة الجديدة (أحمد الشرع) عن التسامح، يطمئن السوريين من كل المرجعيات. لكن مع ذلك، فهناك رموز فساد لا يمكن تجاهل تاريخها المسيء، ولا يدخل ضمن التسامح إعادة تدوير الشخصيات التي ساهمت في إفساد الماضي، فالشرعية الحقيقية لا تُبنى على العفو عن المجرمين أو استرضاء الفاسدين، بل على تحقيق العدالة وضمان عدم تكرار الممارسات القمعية. ولذلك، فإن الأنباء عن عودة شركاء النظام السابق بعفو خاص ليست مجرد أخبار عابرة، بل هي مؤشر خطير على مسار العدالة الانتقالية.التسامح هو قيمة أخلاقية عليا يفترض أن تكون سائدة بين سوريين كمواطنين، مع قيم الحرية والكرامة والمساواة، وهي نقيض سياسة التعصب والكراهية ونبذ الآخر، التي كرسها النظام، لكن التسامح لا يعني العفو عن مجرمين تلوثت أياديهم بالدماء أو تلاعبوا بقوت الشعب السوري. فهذا شأن أخر. ولأننا نريد لهذه المرحلة من حياة السوريين أن تكلل بالنجاح والاستقرار والديمومة، ربما من المفيد القول، إن بناء سوريا جديدة يتطلب محاسبة كل من تورط في الجرائم والانتهاكات، والعمل على بناء دولة قائمة على العدالة والمساواة، بعيدًا عن استرضاء الفاسدين أو إعادة تمكينهم. فلا يمكن لأي مشروع سياسي أن ينجح إذا كان قائمًا على طمس حقوق الضحايا وتجاهل تطلعات الشعب السوري نحو مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top