بدأت معالم الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية للعهد الجديد في سوريا تتضح بشكل تدريجي، إذ توحي القرارات الصادرة عن الحكومة والتي تخص التجارة الداخلية والجمارك والقطاع المصرفي بأن سوريا قد تشهد نهاية عصرالإتاوات لا الضرائب والرسوم، مع توفير كل الخدمات للمواطن، لكن من دون تدخل الدولة أو تقديم الدعم كما في السابق.
جمود تجاريوفيما ألغت الحكومة الضابطة الجمركية ودمجت المعابر البرية والبحرية، انعكست النشرة الجمركية الموحدة الصادرة حديثاً، بشكل فوري على الأسواق، حيث أكد تجار من مدينة سرمدا لـ"المدن" أنهم توقفوا عن عمليات البيع والشراء لأن تعرفة الجمارك في باب الهوى تضاعفت عدة مرات، بعد توحيد التعرفة بين كافة المعابر البحرية والبرية.وبالفعل، انخفضت الرسوم في النشرة الجديدة عن الرسوم المعمول بها سابقاً بنسبة 50 إلى 60 في المئة، لكن التجار الذين تواصلت معهم "المدن" أوضحوا أن هذا التخفيض لا ينطبق على رسوم المعابر شمالي البلاد كونها كانت أقل بعدة أضعاف.ورصدت المدن ارتفاع أسعار معظم السلع في محافظة إدلب بعد رفع التعرفة الجمركية في معبري باب الهوى والسلامة نتيجة توحيد الرسوم، وقال تجار من إدلب إن الأسعار سجلت ارتفاعاً لا يقل عن 10 في المئة، وسط فوضى في التسعير، وعزوف معظم تجار الجملة عن البيع وإغلاق محالهم التجارية، كما خرجت مظاهرات منددة بالتعرفة الجديدة في سرمدا والدانا، حيث طالب المتظاهرون بإلغاء أو تعديل القرار. قرارات مهمةولا تقتصر القرارات الجديدة للحكومة على النشرة الجمركية، فقد سبقتها قرارات عديدة على رأسها السماح بتصدير مواد الكونسروة مثل الفول والبازلاء والفريكة والعدس والبرغل من دون حاجتها إلى موافقة. كما أصدرت الحكومة تعميماً يحظر بيع وشراء المعادن الخردة (الطوناج) وذلك تلافياً لأي نشاطات اقتصادية مدمرة للبنية التحتية خصوصاً المعدات العسكرية والدبابات التي قد يتم بيعها وصهرها بالرغم من قيمتها السوقية المرتفعة.ويبدو أن الحكومة السورية تتجه بخطى حثيثة نحو رفع الدعم عن المواطن السوري، في خروج نهائي من اقتصاد السوق الاجتماعي المعمول به منذ عقود طويلة، وتدل تصريحات المسؤولين الحكوميين على أن الرفع سيتم في غضون شهر أو شهرين، وسبق هذه الخطوة حل "السورية للتجارة" التي كانت وسيلة النظام المخلوع في توزيع المواد المدعومة. الحد من دور الدولةوتعليقاً، يوضح الباحث في الاقتصاد السياسي والمحليات في مركز "عمران" للدراسات أيمن الدسوقي أن السلطة الجديدة "ورثت جميع مشاكل النظام المخلوع، فالاقتصاد مترد ومؤسسات الدولة متهالكة ومواردها محدودة، والسوريون في وضع لا يحسدون عليه خدمياً و معيشياً".ويلاحظ خلال حديث لـ"المدن" أن الحكومة عمدت إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية عاجلة بمفاعيل إيجابية سريعة على حياة السوريين، فكان إلغاء العديد من الضرائب والرسوم، وإزالة حواجز الإتاوات وتسهيل عملية استيراد السلع الأساسية عاملاً مباشراً في انخفاض أسعار السلع في الأسواق السورية بشكل ملحوظ. ومن جانب آخر، يرى الدسوقي أن القرارات حتى الآن، "تعكس تبني السلطة الجديدة لنموذج الاقتصاد الحر على حد تعبير مسؤوليها، بما يتضمنه من الحد من دور الدولة في تنظيم المجال الاقتصادي وإعادة هيكلة بعض مؤسساتها وإلغاء سياسات الدعم للتقليل من الهدر والضغط على الخزينة العامة".وحول تبني سياسة رفع الدعم، يؤكد أنها "تعني ترك فئات مجتمعية بكاملها من دون غطاء للبقاء الاقتصادي، لا سيما وأنها غير مستعدة بعد لتحمل كلفة هذه الإجراءات، وليس لديها بدائل اقتصادية بعد تعينها على تحمل هذا التحول الكبير في سياسات الدولة". ولا يخفي الدسوقي وجود هواجس من نشوء حالة احتكار بديلة لما كان سائداً، عمادها قلة من التجار ورجال أعمال يمتلكون أفضلية عمن سواهم بما لديهم من علاقات ورؤوس أموال، في حال لم يتم حوكمة الاقتصاد بطريقة شفافة.