في خضمّ الحراك السّياسيّ الذي يشهده لبنان بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهوريّة، يتصدّر النقاش حول الاستشارات النيابيّة الملزمة لتسمية رئيس الحكومة واجهة الأحداث. وقد أثار إعلان النائب إبراهيم منيمنة ترشُّحه لرئاسة الحكومة الأولى في هذا العهد الجديد تفاعلًا لدى الأوساط السّياسيّة والإعلاميّة، لا سيّما في صفوف المعارضة الّتي تبحث عن تكوين جبهة موحّدة قادرة على إحداث خرقٍ في المشهد الحكوميّ، كما حدث رئاسيًّا. وفي حين يشدّد منيمنة على ترشّحه، لا يُخفي انفتاحه على إمكانيّة دعم مرشّحين آخرين، وفي مقدّمهم القاضي الدوليّ نواف سلام، شرط أن يحظى بإجماع نيابيّ أوسع، وببرنامجٍ واضح يتبنّى العناوين الإصلاحيّة الواردة في خطاب القسم. التقت "المدن" النائب إبراهيم منيمنة للوقوف على خلفيّات ترشُّحه، ورؤيته للمرحلة المقبلة، وكيفيّة مقاربة الملف الحكومي بما ينسجم مع تطلّعات اللبنانيّين.
وقد أكد منيمنة أنه "بالنسبة إلينا، يجب وضع هذا الاستحقاق في إطاره الصحيح. هناك خطاب قَسَمٍ أعاد إحياء الأمل لدى اللبنانيّين، وتبنّى عناوين إصلاحيّة واضحة تتقاطع مع مشروعنا السياسي الذي ناضلنا من أجله منذ بداية عملنا السياسي، مرورًا بالاستحقاقات الانتخابيّة والثورة، وصولًا إلى اليوم.وبعد كلّ ما مرّ به البلد، نحن في لحظة تأسيسيّة تقتضي أن نلتقي مع خطاب القَسَم لوضع خريطة طريق واضحة وبوصلة سياسيّة للمرحلة المقبلة. وبالتالي، يجب أن نتعامل مع استحقاق رئاسة الحكومة من هذا المنطلق. إنّ تسمية رئيس الحكومة استحقاق سياسيّ بامتياز، ويجب أن يأتي بشخصيّة تعيد الأمل للناس، وأن يتقاطع مع زخم انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهوريّة بهدف إعادة الثقة للبنانيّين.
من هنا، رأينا أنّه من الضروري الترشّح في هذا الإطار لتثبيت العناوين السياسيّة التي تقاطعنا فيها مع خطاب القسم، وأعلناها بشكل واضح في بيان الترشّح. هذا هو مشروعنا الذي نطرحه للبنانيّين، ونرى أنّه الطريقة الصحيحة للتعاطي مع استحقاق رئاسة الحكومة. أمّا السؤال المطروح اليوم على النوّاب فهو: هل يريدون العودة إلى النهج القديم في إدارة البلاد، أم التوجّه إلى مقاربة جديدة لإعادة بناء الدولة في هذا الاستحقاق بالذات؟ بالنسبة إلينا، هذه مسؤوليّة وطنيّة وواجبٌ أمام اللبنانيّين".
ما هو تصوّركم للمرحلة الانتقاليّة؟ وكيف يمكن إنجاحه، خصوصًا إذا تسلّمتم أنتم أو أي شخصيّة أخرى تملك المواصفات اللازمة لهذه المرحلة؟
- برأينا، بعد كلّ الانقسام الحادّ والدمار الذي مرّت به البلاد، علينا أن نواجه المشكلات بشجاعة وجرأة. الانقسام الحاصل بين اللبنانيّين نتج بالدرجة الأولى عن إدارة الطبقة السياسيّة التي عمّقت الخلافات. في المقابل، أظهر الشعب تضامنًا كبيرًا في الحرب الأخيرة تجاوز فيها معظم الانقسامات السياسيّة.
اليوم، إذا كنّا نريد القيام بإصلاحات وبناء الدولة، فالخطوة الأولى هي إعادة بناء الثقة بين المكوّنات اللبنانيّة وتكريس المساواة بينها على مختلف المستويات، من موضوع حصر السلاح بيد الدولة إلى آليّة الوصول إلى الموارد، وإلى الإنماء المتوازن وإعادة هيكلة المصارف ومعالجة الاستحقاقات الماليّة وسواها من المواضيع. لبناء هذه الثقة، علينا أن نكرّس مرجعيّتنا بالمؤسّسات ونضع خريطة إصلاحيّة تتعامل مع الأولويّات. هذه الحكومة لديها سنة وبضعة أشهر قبل الانتخابات النيابيّة الجديدة، وهي فترة نعتبرها تأسيسيّة. لذا، ينبغي أن نقدّم للبنانيّين رؤية واضحة للمستقبل، يبدأ رئيس الحكومة منطلقًا من خطاب القَسَم بخطوات عمليّة ترسّخ المصارحة والمصالحة بين المكوّنات برعاية رئيس الجمهوريّة، ثمّ ننطلق إلى الإصلاحات وفق أسس علميّة بعيدًا عن المناكفات السياسيّة والحسابات الحزبيّة الضيّقة. بهذا الشكل، نتمكّن من تحويل الالتفاف الشعبي الذي ظهر في الحرب الأخيرة إلى تكاتف سياسي حول رؤية إصلاحيّة تسير بالبلد نحو مستقبلٍ أفضل.
عندما نراجع خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس المنتخب العماد جوزاف عون، نجد بعض العناوين التي لم نكن نتخيّل أن تُطرح في خطابٍ رسميّ بهذا الوضوح، مثل حصر السلاح بيد الدولة. هل يمكن أن ينعكس ذلك في بيانٍ وزاريّ يتوافق مع روح خطاب القسم، ويكون حاسمًا في شأن الملفات الشائكة؟
- من المفترض أن يكون البيان الوزاري ترجمة عمليّة لخطاب القسم، لأنّ هذا الخطاب يتوافق مع خيارنا السياسي ومشروعنا الذي نتبنّاه، كما يلبّي توق اللبنانيّين الذين استعادوا شيئًا من الأمل بعد سماعه.
البيان الوزاري يجب أن يحدّد الأولويّات بشكل واضح، من دون تحويل القضايا الشائكة إلى مواضيع انقساميّة أو صراعات طائفيّة أو فئويّة. ربّما نختلف على طرق المعالجة، وهذا أمر طبيعي في النظام الديمقراطي، لكن لا يمكن العودة إلى عقلية المحاصصة ومصالح الأحزاب التي تؤدّي إلى صدامات غير مجدية. نريد حوارًا ديمقراطيًّا حول دور لبنان وموقعه واقتصاده ومؤسّساته، وكيفيّة إدارة سياسته الخارجيّة وعلاقته بمحيطه العربيّ، إلى جانب مواجهة التحدّيات الكبرى على مستوى المنطقة والعالم. خطاب القسم أشار بوضوح إلى ضرورة التضامن والتكاتف بين اللبنانيّين واعتبر أنّه لا غالب ولا مغلوب. لقد تجاوزنا منطق الانقسام، وعلينا المضيّ بمشروع بناء الدولة. أما الاستقطاب الجديد، فهو بين مَن يريد بناء دولة حديثة على أسس سليمة، ويملك شجاعة القيام ببعض التنازلات المؤلمة إذا اقتضت مصلحة الوطن، وبين مَن يريد الاستمرار في النظام القديم والعقليّة القديمة. هذا هو التحدّي الحقيقي أمام الحكومة الجديدة، وهو ما يجعل انتخاب الرئيس جوزاف عون فرصةً لتلاقي اللبنانيّين حول مشروع بناء الدولة.
بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون، يبدو أنّ توازنات جديدة بدأت تتشكّل، وهناك من يروّج لطرح اسم الرئيس نجيب ميقاتي مجدّدًا حفاظًا على التوازنات. كيف ستواجهون ذلك، أنتم الذين كنتم معارضة سابقة وأثبتم قدرتكم على فرض التغيير في انتخاب جوزاف عون؟
- نحن نرى أنّ استحقاق رئاسة الحكومة يجب أن يتكامل مع خطاب القسم، ولن تكون المعركة سهلة. فالأحزاب التقليديّة ما زالت موجودة وتتمتّع بمصالح راسخة في الدولة وخارجها، وأدّت إلى إضعاف قدرة البلد على تحقيق الإصلاح.هذه القوى السياسيّة مدعوّة اليوم إلى مواجهة الحقيقة والوقائع، ومصارحة جمهورها بأنّ الطرائق القديمة في إدارة البلد لم تعد قابلة للاستمرار ولا تأتي بحلول. والأسوأ من ذلك أن نواصل الاعتماد على الخارج في إدارة أزمتنا.
نحن نرحّب بأيّ دعم خارجي للبنان تحت سقف الدولة وسيادتها، ونريد لهذه الموجة من التضامن الدولي أن تترسّخ عبر دعم رئيس الحكومة وشكل الحكومة المقبلَيْن. لم نعد قادرين على العودة إلى مقاربة توازناتٍ قديمة لم تُنتج سوى الفشل. الناس في مكان آخر، والطبقة السياسيّة في مكان مختلف تمامًا. مسؤوليتنا الآن هي أن نلاقيَ الناس بدل البقاء في النهج الذي أفلَس البلد.
هناك كتل معارضة أُخرى تؤكّد أنّها تحترمك وتقدّرك، وأنّك تلتقي معها في أكثر من نقطة. لكنّها تقول إنّ المشكلة في الأرقام؛ فمن هو الشخص القادر على حصد أكبر عدد من الأصوات ليشكّل أكثرية؟ هل تتواصلون مع هذه الكتل، كالتقدّمي الاشتراكي أو القوّات اللبنانيّة وغيرها؟
- منذ إعلان ترشّحي في بيانٍ واضح، أكّدتُ انفتاحي على كلّ القوى التي تريد التوافق على رئيس حكومة تتوافر فيه المواصفات والمصداقيّة الكافية لحمل برنامج حكومي ينسجم مع خطاب القسم. ترشّحي هو تعبير عن طموحنا بأن يكون الاستحقاق السياسي لتسمية رئيس الحكومة منطلقًا من إطارٍ سياسيّ واضح، كي لا نخسر فرصة الزخم الذي ولّده انتخاب العماد جوزاف عون ولا فرصة بناء دولة حقيقيّة.
نحن نحرص، من خلال هذا الترشيح، على فرض إيقاع جديد في عمليّة التسمية، لأنّ ترك المسألة للتوازنات الحزبيّة الضيّقة قد يعيدنا إلى المحاصصة والمصالح الحزبيّة والفئويّة التي لا يستطيع البلد تحمّلها مجدّدًا. ترشّحنا جِدّي، لكنّنا منفتحون على أيّ حوار أو مشروع أو ترشيح شخص يحقّق المصلحة العامة ويضمن أكبر توافق ممكن.
هناك من ينتقد لقاءاتكم مع شخصيّات من المنظومة السابقة، ويعتبر ذلك سعيًا لاكتساب شرعيّة من هؤلاء. كيف تردّون على هذه الانتقادات؟
اعتدنا على خطاب التخوين والتشكيك اعتدنا عليه من الطبقة السياسيّة، وقد واجهناه سابقًا بقدراتنا الذاتيّة، متسلّحين بمصداقيّتنا وعملنا ونهجنا السياسي الواضح. لسنا بحاجة إلى فحوص دمّ جديدة، ولا نرضخ لأيّ تشكيك مماثل. مواقفنا السياسيّة علنيّة وواضحة، ويكفي الاطّلاع على بيان الترشّح الذي أصدرناه لمعرفة توجّهاتنا. من يريد النقاش السّياسيّ فنحن حاضرون ومُنفتحون، لكننا نرفض العودة إلى خطاب التشكيك والتحريض.