لا يقع اختيار قائد الجيش اللبناني جوزاف عون خارج عدة الشغل اللبنانية، ذاك أن قادة الجيش شغلوا الموقع الرئاسي الأول منذ عام 1998. لكن أهمية هذا الانتخاب تقع في التقاطع مع تحولات إقليمية ودولية، وتحديداً ما يعنينا من تداعي المحور الإيراني في أنحاء المنطقة، بدءاً من هزيمة حرب "طوفان الأقصى"، وانتهاء بسقوط النظام الأسدي.وهذا واقع يعيه الرئيس المنتخب كما بدا واضحاً من خطاب القسم، الذي تحدث عن التطورات في محيطنا وألمح إلى ضرورة البناء عليها والإفادة منها. صحيح أن الخطاب ركز في أغلبه على نقاط داخلية، سياسية وإدارية واقتصادية ومالية، وهي مهمة. لكن من الضروري ألا يفوتنا بأن دوامة الخلافات الداخلية بإمكانها امتصاص أي زخم في هذا الاتجاه، وإبطاءه بالحد الأدنى. في المقابل، التحول في الإقليم متسارع بدءاً بمفاعيل سقوط النظام الأسدي وصعود أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، وانتهاء بالحملة المتواصلة على إيران، والتي ستكسب زخماً كبيراً مع تسلم الرئيس المقبل دونالد ترامب منصبه في 20 الشهر الجاري.
هل لدينا استعداد كاف لمثل هذه الحملة المتجددة على النظام الإيراني؟مع اقتراب موعد تنصيب ترامب مع فريقه المناهض لإيران، تتواتر مؤشرات إلى تصميم على المواجهة وتحجيم الدور الإيراني بحد أدنى، وإسقاط النظام الإيراني أو إضعافه وتفكيكه بالحد الأقصى. وهذا يفرض على الرئيس العتيد مهمتين. الأولى، تحييد لبنان عن هذه المواجهة، إذ أن النظام الإيراني قد يسعى مجدداً إلى إشعال الجبهة اللبنانية أو إثارة القلاقل في الداخل اللبناني، بهدف تحويل البلاد إلى ورقة يُفاوض عليها. السبيل إلى مواجهة هذه المحاولات الإيرانية يكون طبعاً من خلال تطبيق اتفاق وقف النار الأخير المبني على القرار 1701، وخصوصاً نشر الجيش اللبناني جنوب الليطاني واحتكار السلاح فيه، وإغلاق الجبهة أمام العابثين بها لأسباب خارجية.
في موازاة هذه الخطوة، بالإمكان امتصاص أي ضغوط أميركية في سياق هذه الحملة، من خلال السعي لإطلاق عجلة مفاوضات ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل. حتى لو أن هذه المفاوضات لم تتقدم بالوتيرة المطلوبة، مُجرّد إطلاقها يدل على رغبة في طي هذه الجبهة وتثبيت اتفاق الهدنة الوارد في الخطاب الرئاسي. ذاك أن إدارة ترامب سترعى مثل هذا المسار التفاوضي، ويُشكل ذلك ضمانة استقرار والتزام بحياد البلاد وتجنيبها آثار الحملة ومن ضمنها العقوبات.المهمة الثانية تقضي بالاستعداد للنتيجة القصوى من الحملة ضد النظام الإيراني، أي تحقق سقوطه بالكامل أو اتخاذه قراراً استراتيجياً بالتراجع عن تدخلاته الإقليمية أو حتى إضعاف قدراته على التمويل. كل ما سبق يفتح مجالاً لإنهاء حقبة السلاح خارج الدولة بالكامل، ونتائجها المدمرة على لبنان واللبنانيين. وهذا يحتاج من الرئيس العتيد وضع خطة للمرحلة المقبلة يجيب عن أسئلة، كمثل تجنيد بعض المتفرغين في تنظيم "حزب الله" وتحديداً ذوي الاختصاصات المفيدة للجيش، وأيضاً تجنب الانصياع للمطالب الخارجية بتدمير السلاح بدلاً من ضمه لترسانته، وهذا متوقع. هذه الخطة ضرورية بالتوازي مع إطلاق حوار داخلي حول شكل الاستراتيجية الدفاعية وشروطها، والمهل الزمنية لدمج القدرات بالجيش اللبناني. لكن الحوار اللبناني، تماماً كما الإصلاحات، يحتاج إلى مداولات وتوافقات تستغرق وقتاً طويلاً، ومن الصعب توقع تقدم سريع فيها، أقله في ظل هذا البرلمان.وتيرة التحول الإقليمي الكبير في منطقتنا أسرع من هذه الطبقة السياسية العقيمة، وقد سبقها إلى استحقاقات أساسية. لهذا السبب، على العهد الحالي الاستعداد لهذه التحديات المقبلة منفرداً، أقله لمحاولة تحويلها لفرص وحلول مستدامة تُخرج اللبنانيين من دوامة حروب المحور الإيراني.