تغطي المياه 70 في المئة من مساحة كوكبنا، لذا من السهل أن نتصور أنها سوف تظل وفيرة إلى الأبد. ولكن بعد التمعّن قليلاً سنجد أن الحقيقة مختلفة تماماً. فالمياه العذبة التي نشربها ونستحم بها ونروي بها حقول مزارعنا نادرة للغاية، ذاك أن نحو 3 في المئة فقط من مياه العالم عذبة، وثلثا هذه المياه مختبئة في الأنهار الجليدية المتجمدة أو غير متاحة للاستخدام. لذا هناك نحو 1.1 مليار شخص في مختلف أنحاء العالم يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى المياه العذبة، ويعاني نحو 2.7 مليار شخص من ندرة المياه لمدة شهر واحد على الأقل في العام. كما يشكل سوء الصرف الصحي مشكلة أخرى بالنسبة لنحو 2.4 مليار شخص كونهم معرضين لأمراض مثل الكوليرا وحمى التيفوئيد، وغير ذلك من الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه.الجفاف وتغير المناخوفق تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، قد يضطر أكثر من 700 مليون شخص إلى النزوح بسبب النقص الشديد في المياه بحلول عام 2030. فيما يشير البنك الدولي إلى أن 40 في المئة من سكان العالم يتأثرون بالفعل بندرة المياه، حيث تواجه بعض المناطق، مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحديات شديدة بشكلٍ خاص. أما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فلا تزال الكثير من المجتمعات تعتمد على مصادر ملوثة، ما يؤدي إلى مشاكل صحية عامة وكبيرة.لندرة المياه أسباب عدّة أهمها الجفاف. ويُعدّ الجفاف ظاهرة طبيعية تنتج عن نقصٍ سواء في هطول الأمطار أو تساقط الثلوج في مناطقٍ معينة لفترةٍ من الزمن. وفي حين أن كمية الأمطار يمكن أن تختلف بشكلٍ طبيعي بين مناطق وأوقات مختلفة من العام، فإن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة العالمية يغيران أنماط هطول الأمطار، ما يؤثر بدوره على جودة وتوزيع موارد المياه العالمية. وتعني درجات الحرارة الأكثر دفئاً أن الرطوبة في التربة تتبخر بمعدلاتٍ أسرع، بينما تؤدي موجات الحر الأكثر تكراراً وشدّة إلى تفاقم ظروف الجفاف والمساهمة في نقص المياه.
هذه الظروف تفضي إلى أرض خصبة مثالية لحرائق الغابات، ما يؤدي إلى زيادة موسم الجفاف والإجهاد المائي. وأكد علماء المناخ، في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن المياه الجوفية المخزنة في طبقات المياه الجوفية، والتي توفر 36 في المئة من إمدادات المياه المنزلية في العالم لأكثر من 2 مليار شخص، حساسة للغاية تجاه تغير المناخ في المستقبل. وخلصوا إلى أن المناطق الرطبة من المتوقع أن تصبح أكثر رطوبة في حين ستصبح المناطق الجافة أكثر جفافاً.سوء إدارة المياه والتلوثيبلغ عدد سكان العالم اليوم ما يقارب ثمانية مليارات نسمة، وهو ما يترجم بزيادة هائلة في الطلب على المياه العذبة للأسر، ويدفع وراء نقص المياه، لا سيما في المناطق التي تعاني من نقص بالإمدادات.
وقد شهدت مدينة كيب تاون عاصمة جنوب أفريقيا عام 2018 أزمة مياه حادة وأصبحت أول مدينة حديثة تنفد منها مياه الشرب فعلياً نتيجةً للجفاف الشديد وسوء إدارة موارد المياه والإفراط في الاستهلاك. وعلى نحو مماثل، تواجه الصين أيضاً خطر نفاد المياه بسبب سوء إدارة المياه. ووفقاً للبنك الدولي تقدر إجمالي موارد المياه المتجددة لكل فرد في الصين سنوياً بنحو 2,018 متراً مكعباً، وهو أقل بنسبة 75 في المئة من المتوسط العالمي.
أما المياه الملوثة وغير الآمنة فهي عامل آخر يسهم في نقص المياه. ويقتل تلوث المياه بالفعل عدداً من الناس كل عام أكثر من الحروب وجميع أشكال العنف الأخرى مجتمعة. وبما أننا لا نملك سوى أقل من 1 في المئة من المياه العذبة المتاحة لنا على كوكب الأرض، فإن النشاط البشري يهدد بشكلٍ نشط مواردنا المائية.
ويمكن أن يأتي تلوث المياه من عدد من المصادر، بما في ذلك مياه الصرف الصحي لأن أكثر من 80 في المئة منها تتدفق إلى البيئة دون معالجتها، في حين تتسرب المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية السامة إلى المياه الجوفية وأنظمة المياه العذبة القريبة، ونتيجةً لهذا تتلوث موارد المياه الثمينة، وهذا ما ينتج عنه تلقائياً قلة المياه العذبة ومياه الشرب المتاحة.التأثيرات الكارثيةيموت ألف طفلٍ كل يوم بسبب عدم الوصول إلى المياه الآمنة. وبحلول عام 2050 ستؤدي مشاكل المياه إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 8 في المئة، مع مواجهة البلدان الفقيرة لخسارة قدرها 15 في المئة من ناتجها القومي. أما اقتصادياً فتؤدي ندرة المياه إلى تعطيل الزراعة والصناعة. ومن الأمثلة على ذلك، ولاية كاليفورنيا الأميركية التي شهدت موجات جفاف مطولة دمرت المحاصيل ورفعت أسعار المواد الغذائية وتسببت بعدم الاستقرار الاقتصادي. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعيق ندرة المياه التنمية الصناعية وتديم الفقر وتحد من فرص النمو.
إلى ذلك تتسبب ندرة المياه بانعدام الأمن الغذائي، وقد أفاد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير صدر في شباط 2021 بأن الجفاف الشديد الناجم عن ظروف الجفاف القياسية ترك ما يقدر بنحو 13 مليون شخص يواجهون الجوع في منطقة القرن الأفريقي. وأدت موجات الجفاف الشديدة والممتدة إلى تدمير المحاصيل الغذائية ونتج عنها ارتفاع في معدلات نفوق الماشية وتالياً ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ولعل أحد أكبر تأثيرات نقص المياه تتجلى بزيادة المنافسة بين مستخدمي المياه، وبالتالي إشعال فتيل الصراعات، والتي قد تعرض ملايين الأرواح للخطر. وعلى سبيل المثال تسبب الجفاف في الهند باندلاع صراع خطير بين مستخدمي المياه على المستوى المحلي، والذين يعتمد الكثير منهم على المياه في معيشتهم. وعلى مستوى أوسع، كانت الهند في صراعٍ مع دولة باكستان المجاورة بشأن المياه، وتتنازع الدولتان حول السيطرة على سدود مياه المنبع ومشاريع البنية التحتية منذ عقود من الزمن.
وبالمثل، تتعرض إمدادات المياه في مصر للتهديد بسبب تطوير سد النهضة الإثيوبي الكبير على امتداد نهر النيل. ورغم أن السد يجلب فوائد اقتصادية واجتماعية هائلة لإثيوبيا ويولد الطاقة لثلثي سكانها، فإن مصر قد تخسر ما يصل إلى 36 في المئة من إجمالي إمدادات المياه بسبب تقليص السد للمياه المتدفقة باتجاه مجرى النهر، وقد تلجأ مصر في النهاية إلى العمل العسكري لحماية مواردها المائية.