أعاد مقهى "أغونيستا"، فرع الزلقا، افتتاح أبوابه بمفهوم جديد، مفتتحاً مسار إشراك العمال كمساهمين في الحصص. فهذا المقهى فريد في لبنان لأن فريق عمله يقتصر على الأشخاص المعوقين. ويتألف فريق عمله من أشخاص يعانون من متلازمة داون والتوحد، والاضطرابات العصبية كالصّرع الشديد ومتلازمة أنجلمان. ورشة تجديده وتحديثه لم تطل الهندسة الداخلية فحسب، بل بات العمال شركاء فيه أيضاً.دعم إيطالي للمبادرة أتى الافتتاح بدعم من جمعية "الأرض المقدسة" الإيطالية، التي سعت إلى إشراك جورج جرجي، الذي يتحدى متلازمة داون، وفرح بلوط، التي تتعايش مع التوحد. وبات كل منهما مساهماً في المقهى بنسبة 15 بالمئة.جرى الافتتاح بحضور السفير الإيطالي في لبنان، فابريسيو مارسيللي، الذي ألقى كلمة عبّر فيها عن سروره بالمشاركة في هذه المناسبة. وأكد مارسيللي لـ"المدن" أن "هذه المبادرة مهمة جداً في لبنان، ويسعدني أن تكون جمعية إيطالية قد ساهمت في دعمها". وأضاف: "الأجواء هنا رائعة، والموظفون يتميزون بلطفهم وابتساماتهم الدائمة. أشجع الجميع على زيارة المقهى والاستمتاع بفنجان من القهوة اللذيذة".من جهة أخرى، عبّر الحضور والرواد عن سعادتهم بإعادة افتتاح المقهى بحلته الجديدة وإضافة أصناف جديدة إلى قائمة الطعام. وفي حديثها لـ"المدن"، قالت سارة، إحدى الزبائن الدائمين: "أنا دائماً أزور هذا المكان، وأحياناً آتي فقط لرؤية فرح وزملائها. فرح بالفعل اسم على مسمى، فهي تنشر البهجة في كل زاوية من المقهى. وهذا المكان بالنسبة لي ليس مجرد مقهى لتناول القهوة، بل هو تجربة إنسانية متكاملة تجمع بين الجودة والرسالة الاجتماعية، مما يجعله مقصداً مميزاً في بيروت".قدرات فكرية وجسديةافتتح المقهى أبوابه للمرة الأولى في كانون الأول 2018، بمبادرة من المعالج الفيزيائي وسيم الحاج، الذي أكد على أهمية تعزيز الوعي بقدرات الأشخاص المعوقين على العمل وتحمل المسؤوليات. وفي حديثه لـ"المدن"، قال الحاج: "أنا أثق تماماً بقدراتهم الفكرية والجسدية، وأؤمن بأنهم قادرون على تحقيق الكثير إذا أتيحت لهم الفرصة".
يتألف فريق العمل في المقهى بفرعيه (في الزلقا وسيتي سنتر) من 14 موظفاً. وأشار الحاج إلى أن النقلة النوعية للمشروع جاءت مع إشراك جورج وفرح كشريكين في المقهى، موضحاً: "هذا القرار كان برهاناً عملياً على أن هؤلاء الشباب والصبايا لا يمكنهم فقط التوظف والعمل مثل أي شخص آخر، بل يمكنهم أيضاً أن يصبحوا شركاء في مشاريع ناجحة".وأضاف: "في أغونسيتا، لم نكتفِ بإعطائهم فرصة للعمل، بل طورنا المشروع ليصبحوا شركاء فعليين، مما يضمن لهم مستقبلاً أفضل واستمرارية حقيقية. هذه الخطوة رفعت من معنوياتهم ومنحتهم تحفيزاً كبيراً، وهي دليل على أن الدمج في المجتمع على كافة المستويات هو حق أساسي لهم".ولفت إلى أن هذه المبادرة لا تهدف فقط إلى تحقيق الدمج الاجتماعي، بل إلى تقديم نموذج يُحتذى به على أهمية المساواة والتمكين، مما يعزز من مكانة الأشخاص المعوقين كأفراد منتجين ومساهمين في المجتمع.دعم المشاريعمن جهتها، أوضحت فانيسا فرحات، مسؤولة التواصل في جمعية "الأرض المقدسة"، أن الجمعية تعمل على مشروع WIP الذي يهدف إلى دعم الشباب اللبناني للاستثمار والبقاء في البلد، مما يساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي. وقالت: "نوفر لهم التدريبات اللازمة لمدة أربعة أشهر أو أكثر، ونمول المشاريع المناسبة التي تتماشى مع قدراتهم وطموحاتهم".
وأضافت فرحات: "قررنا دعم جورج وفرح بعدما لمسنا قدراتهما وحبهما للعمل، فكان مشروع أغونيستا فرصة لمساعدتهما ليصبحا مستقلين مادياً. وجودهما كشريكين في المقهى، بدلاً من كونهما مجرد موظفين، يعطي دفعاً كبيراً للمشروع. هذا التحول لا يشجع الزوار فقط، بل ينعكس إيجاباً على حياة جورج وفرح من خلال تحمل المسؤوليات التي تترتب على أصحاب العمل".وختمت حديثها بالتشديد على أهمية التعامل مع ذوي الإرادة الصلبة كأفراد متساوين، قائلة: "لا يجب أن نعاملهم كأشخاص مختلفين عنا. جورج وفرح هما أكبر دليل على أن ذوي الهمم الصلبة يمكنهم أن يكونوا بنائين ومساهمين حقيقيين في المجتمع. ونحن في الجمعية نعمل دائماً على دعمهم وتمكينهم لتحقيق هذه الغاية"."أحب عملي"بدوره عبّر جورج جرجي، الذي أصبح شريكاً في المقهى، عن حبه الكبير لعمله قائلاً: "أنا أحب عملي وأحب أغونيستا من قبل أن أصبح شريكاً. كما أنني أحب الجميع هنا، سواء فريق العمل أو الزبائن".
من جهتها، أوضحت ميرا جرجي، والدة جورج، أن ابنها كان يعمل في المقهى منذ ست سنوات كموظف، قبل أن يشارك في الدورة التدريبية التي نظمتها الجمعية الإيطالية. وأضافت: "بفضل هذه الدورة، ربح جورج المشروع وحصل على 15 بالمئة من الأسهم في أغونيستا. وهذا إنجاز كبير ودليل واضح لكل من يشكك في قدرات هؤلاء الشباب. ربما يحتاجون إلى اهتمام ودعم أكثر من غيرهم، لكنهم مجتهدون وشغوفون بعملهم. هم دائماً يستقبلون العالم بابتسامة مشرقة".واختتمت جرجي كلامها عن ابنها قائلة: "جورج هو أجمل شيء في حياتي، وأنا فخورة جداً به وبما حققه".