تشهد مدينة حلب حالة من الفوضى الأمنية المتصاعدة، والتي أثرت بشكل كبير على الحياة اليومية للأهالي، وحدّت من نشاطهم، وأعاقت عودة العدد الأكبر من الورش والمصانع إلى العمل والإنتاج من جديد، كما ساهم نقص الكوادر البشرية، وغياب بعض الخدمات الأساسية، في زيادة بؤس المدينة التي شهدت عودة الآلاف من أبنائها خلال الأسابيع القليلة الماضية.
أمان نسبي
وعد محافظ حلب عزام غريب، بتنفيذ خطة أمنية محكمة لضبط حالة الفلتان والفوضى التي تعيشها حلب، يعتمد جزء منها على كاميرات المراقبة التي سيتم نشرها في كافة أرجاء المدينة، لتمتد لاحقاً نحو المناطق الكبيرة في ريفها، كما وعد بزيادة أعداد قوات الشرطة والمفارز الأمنية وإحداث مخافر ونقاط أمنية جديدة بحيث تشمل كافة الأحياء.
ويشتكي سكان الأحياء الشعبية في حلب من كثرة حوادث سرقة السيارات والمحال التجارية، بالإضافة إلى عمليات الابتزاز والسلب التي تنفذها مجموعات مسلحة منظمة في أوقات متأخرة من الليل.
يخاف أحمد حمامي الذي يسكن في حي المشهد، العودة متأخراً إلى منزله، ويفضل دائماً التنقل خلال ساعات النهار لتأمين حاجات عائلته خشية تعرضه لعملية سرقة أو ابتزاز، وربما خطف.
ويؤكد حمامي لـ"المدن"، أن حي المشهد والكثير من الأحياء الشعبية، ومثالها، طريق الباب وكرم الجبل والعرقوب والسكري والميسر والجزماتي والمرجة، وغيرها، تنام مبكراً، أو بالأحرى لا يخرج سكانها خارج منازلهم ليلاً، إلا للضرورة، وذلك بسبب الخوف من عصابات السرقة والتشليح. ويقول: "أحياؤنا معتمة بلا كهرباء، والأسواق تغلق مبكراً، والخروج ليلاً خطر للغاية، بالأخص إذا كان الشخص وحيداً".
وبحسب حمامي، عادت الحياة ولو بشكل جزئي إلى بعض أسواق حلب في قلب المدينة التجاري وفي بعض الأحياء الغربية التي تشهد إقبالاً من المتسوقين ومرتادي المقاهي والمطاعم، وحتى ساعات متأخرة من الليل، على عكس الأحياء الشعبية المعتمة، والتي يعاني سكانها إلى جانب التزامهم منازلهم مبكراً، يعانون من الهلع المضاعف بسبب تداول الأخبار حول حوادث السرقة والخطف والاعتداء، قسم منها حقيقي وقسم آخر مبالغات اعتاد الناس على تناقلها.
نقص الكوادر
وتعاني حلب من نقص الكوادر البشرية العاملة في مختلف القطاعات الخدمية، وعلى رأسها جهاز الشرطة الذي ينتشر عناصره بأعداد قليلة في بعض النقاط داخل المدينة وحول المؤسسات الحكومية، ولا تظهر دوريات الأمن كأرتال كبيرة إلا خلال عمليات الدهم التي يتم تنفيذها بين الحين والأخر، مستهدفة عصابات مسلحة تمتهن السرقة والسلب، أو مجموعات من "الشبيحة" تتم مطاردتها داخل الأحياء، وكان آخرها في حي الصالحين، الذي شهد حملة أمنية موسعة طالت متعاونين سابقين مع الدفاع الوطني.
وبحسب مصادر في محافظة حلب، أعلن عن فتح باب الانتساب لقوات الشرطة في حلب مبكراً، في محاولة لتغطية النقص الحاصل. وتؤكد المصادر لـ"المدن"، أن عمليات التسجيل للراغبين بالانضمام إلى الجهاز مستمرة والأعداد في زيادة، وإن تخريج الدفعة الأولى من عناصر الشرطة الجديد ونشرهم والتوسع في المخافر والمفارز الأمنية يحتاج وقت.
البطالة وتوقف المصانع والورش
ويتوقع الكثير من الأهالي في حلب أن حالة الفوضى والفلتان الأمني قد تتصاعد خلال الفترة المقبلة، بسبب الفقر المنتشر بكثرة في أحياء المدينة التي توقفت معظم معاملها وورشها الصناعية عن العمل منذ شهر ونصف تقريباً، وتحول آلاف الشباب العاملين في ورش الخياطة والألبسة الجاهزة والنسيج والأحذية وغيرها من الصناعات إلى عاطلين عن العمل، وهو ما قد يدفع بعضهم للانحراف والسرقة والانضمام إلى العصابات.
وتؤكد مصادر "المدن"، أن الورش والمعامل التي عادت إلى العمل في المناطق الصناعية في الشيخ نجار والعرقوب والشقيف والراموسة والقاطرجي، قليلة جداً، والقلق الأمني لأصحابها هو الذي عرقل عودتها إلى العمل، بالإضافة إلى حسابات وأسباب أخرى تتعلق بالكهرباء والديزل وغيرها من لوازم الإنتاج التي يفتقدها قطاع الصناعة في حلب.
ويرى محمود عتقي، من حلب، أن حالة الفوضى الأمنية في حلب تقف خلفها مجموعات المليشيات التي كانت تقاتل إلى جانب النظام السابق، والتي لم تتم ملاحقتها جدياً حتى الآن (لواء الباقر ولواء دوشكا ولواء القدس ولواء الشمال)، وهؤلاء ينتشرون في الأحياء الشعبية وأعدادهم كبيرة، ومعظمهم تحول إلى مجموعات سرقة وسلب منظمة تحت غايات كثيرة، ليس فقط جمع الأموال.
ويضيف عتقي أن "وجود قسد حتى الآن في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية وبني زيد، يشكل تحدياً أمنياً كبيراً يمنع الاستقرار. قسد قتلت واعتقلت العشرات خلال أسابيع، وهي تشبه عصابة كبيرة تتمركز وسط المدينة وتنتشر الذعر والخوف وتكرس حالة عدم الاستقرار".