في خضم أزمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وفي لحظة فارقة من تاريخ وطننا، يتسلّم العماد جوزاف عون مقاليد الحكم، ويقود دفة القيادة في لبنان.
لم يرث العماد عون ” وطنا” بما للكلمة من معنى؛ بل استلم ” أشلاء” وطن، ومفاتيح لدولةٍ غارقة في بحر الظلمات.
بعد سنوات من الفشل والانهيار الرئاسي في العهد السابق، متوّجة بمرحلة شغور وانقسام دامت لفترة سنتين وثلاثة أشهر، وأدّت الى دولة منهارة، واقتصاد منهك، ومجتمع جريح؛ وبعد أن كبّدت الحرب الاخيرة مع العدو الغاشم وطنناخسائر جسيمة؛ يأتي انتخاب الرئيس عون كبارقة أمل ليفتح صفحة جديدة، ويعيد الحياة للجمهورية والثقة بلبنان.
ولأنه يتمتع بأخلاق عالية ونزاهة ورحمة، كما أظهر ذلك خلال توليه منصب قائد الجيش اللبناني أثناء الأزمات التي أصابت لبنان، فقد فاز ليس فقط ب٩٩ صوتا، بل بترحيب وابتهاج وتأييد من جميع اللبنانيين الذين باتوا على يقين تام بأنه لا يمكن للبنان أن ينهض من جديد إلا تحت قيادته القوية وإرشاده وكفاءته ووطنيته.
يدفعنا ذلك الى السؤال:
هل نحن أمام استنساخ لنهج الرئيس فؤاد شهاب؟ الرئيس فؤاد شهاب الذي نجح خلال فترة حكمه القصيرة (1958-1964)، بفضل سياسته الحكيمة، في وضع أسس الدولة المؤسساتية الحديثة، وترسيخ مبدأ سيادة القانون وتقويةالأجهزة الأمنية، وتحقيق الاستقرار والأمن، وتعزيز الديموقراطية والتنميةالاقتصادية؛ ليشكل بذلك علامة فارقة في تاريخ لبنان، ويترك إرثاً كبيراً لا يزال يؤثر في مسيرة لبنان حتى اليوم.
هذا تماما ماعكسه الرئيس جوزاف عون في خطابه الرئاسي الوطني”السيادي” و”الجامع”، “الشامل” و “المفصّل”؛ اذ لم يترك الرئيس جانبًا من جوانب الحياة اللبنانية إلا وتطرّق إليه، وكانّه كان خلال السنوات الماضية يسجّل كل قضايا وشجون اللبنانيين، وما أكثرها!
من الاقتصاد المتعثر إلى الأمن الهش، ومن التعليم المتأزّم إلى الأموال”المنهوبة”، رسم لنا الرئيس خارطة طريق واضحة المعالم، حدد فيها أبرز التحديات التي تواجه وطننا، مقترحا الحلول الجذرية لها، مؤكدا على أهمية القضاء كصمام أمان للدولة والمجتمع.
كما تعهّد الرئيس بتنفيذ المشاريع الإصلاحية وإزالة الإحتلال الأسرائيلي وردع عدوانه، واحتكار السلاح بيد الدولة اللبنانية من خلال انتهاج استراتيجية دفاعية، والتزام ” الحياد الايجابي”، وعمل كل ماهو ضروري وأساسي لإعادة لبنان إلى تألقه التاريخي ليصبح، كما كان، جنة الشرق ومرتع الاستثمارات الهامة.
لقد أظهر لنا الرئيس رؤية شاملة لمستقبل لبنان، ورغبة أكيدة في بناء دولة عادلة ومزدهرة. وبصوت حازم وواثق، أكّد على أهمية الوحدة الوطنية والتكاتف، وضرورة وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، واتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، بقولنا جميعا “لا” قاطعة امام كل أشكال الفساد والمحسوبيات والحصانات لأي مجرم أو فاسد. هذه هي وعوده التي باتت كعقد بينه وبين شعبه.
ومع هذا، فإن رئيس الجمهورية يواجه اليوم تحديات جسيمة في ظل تحولات المنطقة والعالم. وفي هذا السياق، يمثل تشكيل الحكومة محطة حاسمة، واختبار حقيقي لقدرته على إدارة شؤون الدولة وسط المتغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة، لذا لا بد من تشكيل حكومة قوية وفعّالة، متماسكة ومتعاونة
لبناء دولة العدل والمساواة، دولة القانون والمؤسسات.
في الختام، إنّ فخامة الرئيس العماد جوزاف عون هو اليوم أمام مسؤولية وطنية “تاريخية” تتمثل في إعادة بناء الوطن من “تحت الانقاض”، ووضع اللبنانيين على طريق الاستقرار والازدهار.
إيماننا راسخ بأن لبنان أصبح اليوم بين أيدي أمينة، قوية، قادرة على تجاوز الصعاب، وأن العهد الجديد الذي دشّن المئوية الثانية لدولة لبنان الكبير سوف يكون قادرا على اجتراح المعجزات، والمضي قدما بلبنان في رحلة التقدّم والبناء..
الكاتبة: إيمان درنيقة الكمالي
أستاذة جامعية- باحثة سياسيّة
موقع سفير الشمال الإلكتروني