2025- 01 - 10   |   بحث في الموقع  
logo “انفجار” داخل خيمة سوريّة في المنية.. إليكم التفاصيل! logo بالفيديو.. رئيس الجمهورية “لا ينام بالقصر”! logo تفجيرات في بلدة جنوبيّة.. هذا ما فعله جيش العدو logo عناوين الصحف logo افتتاحية “الجمهورية”: العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية… أعلن برنامجاً متكاملاً للانقاذ logo مانشيت “الأنباء”: يومٌ انتظره اللبنانيون طويلاً… logo رئيس الجمهورية في يومه الأول في قصر بعبدا تقبل التهاني وطالب بنزع الصور واللافتات logo الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة يوم الاثنين المقبل… اليكم المواعيد
معن سجيناً: رفع الصوت في وجه علي مملوك
2025-01-10 19:25:46

الإسم: معن عاقلالمؤهلات العلمية: خريج كلية إعلامالمهنة: صحافي مشاكس في جريدة "الثورة" الحكوميةالتهمة: الثرثرة23/11/2009 كان يوماً استثنائياً، ما زال محفوراً في ذاكرتي بكل تفاصيله حتى الآن. صباحه بدأ مليئاً بالضحك والفرح مع ابني وزوجتي. كنا نشتري ثياب العيد لطفلي نوار الذي أصرّ على اختيار اللون البرتقالي رغم اعتراضاتي. كانت الأجواء حماسية، فنحن نستعد للسفر إلى قريتي في الساحل السوري، لكن هذا الدفء العائلي قُطع فجأة باتصال طارئ من رئيس تحرير جريدة "الثورة" حيث كنت أعمل.كان الاتصال يحمل إلحاحاً غريباً بضرورة حضوري الفوري إلى مقر الجريدة. حاولت تأجيل الأمر للاستمتاع بهذه اللحظات الأسرية، لكنه أصرّ بشدة. بعد نقاش طويل، وافقت على الذهاب، لكني وعدت عائلتي بألا أتأخر أكثر من نصف ساعة. أوصلت زوجتي وابني، قبّلتهما، وطلبت منهما أن ينتظراني.وصلت إلى مرآب الجريدة التي طالما نشرت فيها تحقيقات أثارت الجدل. ركنت سيارتي كالمعتاد وصعدت إلى مكتب رئيس التحرير في الطابق السادس. هناك، كان المشهد مريباً؛: عنصران من الأمن يجلسان في المكتب الفاخر، يحتسيان القهوة وسط ترحيب واضح من رئيس التحرير.صافح أحدهما رئيس التحرير بحرارة ثم أمسك بيدي بقسوة، طالباً مني مرافقته فوراً. حاولت التملص، وأخبرته أني صحافي في جريدة حكومية، وليس من حقه استدعائي بهذه الطريقة. تدخل رئيس التحرير مطالباً بأن أذهب معهم لبعض الوقت، لكني رفضت، موضحاً أني في عطلة رسمية وفي عجلة من أمري، فاليوم يوم عيد.لاحظت ترددهما في اتخاذ خطوة مباشرة داخل المكتب، وسمعتهما يتشاوران حول نصب كمين لي خارج الجريدة. رئيس التحرير طمأنني: "لن يستغرق الأمر سوى دقائق". أدركت حينها أني في مأزق، وأنني طُعنت في ظهري وسط المكان حيث أفنيت سنوات من عمري في خدمته. في النهاية، استُدرجت إلى مواجهة لم تكن في الحسبان، وسلمت نفسي للأمن في مشهد يختزل الخذلان بأبشع صوره.بشرى الأسد أنا الآن في فرع أمن الدولة، على بُعد خطوات من مبنى الجريدة، حيث يجري معي رئيس الفرع تحقيقاً حول تحقيق استقصائي كنت أعمل عليه. كان التحقيق يتناول ملفاً حساساً عن الدواء السوري، مُوثَّقاً بالتفاصيل حول فعاليته واستثماره. كنت قد وزعت العمل على مراحل وطرحت أسئلة جريئة، مثل: لماذا يوصي الأطباء بأدوية أجنبية بدلاً من السورية؟ من هم مالكو معامل الأدوية؟ ما مصادر المواد الأولية المستخدمة في تصنيعها؟ ولماذا تُستورد من دول بعينها دون غيرها؟حتى تلك اللحظة، كانت الأسئلة تبدو ضمن السياق المقبول، لكن الأزمة الحقيقية بدأت عند سؤال تضمَّن علاقة بشرى الأسد، بشكل مباشر أو غير مباشر، بصناعة الدواء. هنا بدأ التوتر، وأحد المحققين استفهم بغضب: "كيف تتجرأ على طرح مثل هذا السؤال؟ هل لزوجة الرئيس، أسماء الأسد، علاقة بدفعك لذلك؟".حاولت الدفاع عن نفسي، مؤكداً أن عملي كصحافي يتطلب توثيق الحقائق، وأن طرح السؤال مشروع في سياق التأكد من صحة الإشاعات المنتشرة في الشارع السوري. وأوضحت أن بحوزتي تسجيلات بالصوت والصورة تثبت حيادية ما أكتب، لكن ذلك لم يغير شيئاً.رئيس مكتب الأمن القومي وصفني بالكاذب وقليل الأدب. أجبته بحزم: "أنا صحافي ولست سجيناً لديك"، ليضحك بازدراء ويهز رأسه قائلاً: "بلى، أنت موقوف. خذوه"!أثناء اقتيادي، همس لي أحد السجانين، الذي بدا طيباً بشكل لافت: "من رفعت صوتك في وجهه هو علي مملوك. كان عليك أن تضبط أعصابك". شعرت حينها بخطورة الموقف وتبعاته.في ساعات قليلة، تحوَّلت من صحافي يحتفل بالعيد مع عائلته، إلى سجين يعيش عالم التحقيق والزنزانة، عائداً إلى تجربة سبق لي خوضها كسجين سياسي. داخل الزنزانة، فكرت في طفلي نوار وكنزته البرتقالية، في العيد الذي كنت أستعد له، وفي العائلة التي تنتظرني. كل هذا لأني تجاوزت الخطوط الحُمر لمافيا الدواء.الاقتحام والعقابتم اقتحام منزلي بعنف، ومصادرة كل ما عملت عليه من وثائق وتحقيقات. ثم صدر قرار رسمي بفصلي من العمل، وحُذفت كل التحقيقات الاستقصائية التي نفّذتها من الموقع الإلكتروني للجريدة. حتى سيارتي، التي كانت مركونة في مرآب الجريدة، تمت مصادرتها، وأُعلن عبر وسائل الإعلام أن اعتقالي تم على خلفية قضية جنائية.لكن الحقيقة واضحة لكل من يعرف مهام الأجهزة الأمنية في سوريا: من نفّذ الاعتقال كان إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة)، وليس الأمن الجنائي. وهذا وحده يكفي لإسقاط مزاعم القضية الجنائية، إذ باتت محاولات تشويه السمعة مكشوفة.أنا الآن الصحافي الذي وثّق الفساد ورفض الكثير من الأموال مقابل الصمت. أتذكر تحقيق "الحمى القلاعية"، حين حاول مندوب من وزارة الزراعة رشوتي بعرض نسبة مالية، مقابل عدم نشر الحقائق. واليوم، يحاولون إقناع الناس بأني سجين سيء السمعة.رغم كل شيء، زملاء المهنة يدافعون عني، ومنظمات حقوقية تطالب بإطلاق سراحي، لكن بلا جدوى. وأنا، في زنزانتي، غارق في التفكير في لحظة لقائي بطفلي، وفي الهروب من قسوة الانتظار عبر تسجيل كل ما أراه حولي في ذاكرتي.لا أصوات تعذيب هنا كما في سجن صيدنايا، بل إن هدوءاً غريباً يعم المكان، يعززه شعور دائم بالشك تجاه الجميع. أتشارك زنزانتي مع رجل متهم بالتخابر مع إسرائيل، يحرص على تكرار قصته لي حرفياً كل يوم، معتقداً أني قد أكون مخبراً. أخبره مراراً أنني حفظت القصة عن ظهر قلب، لكن هذا جزء من ثقافة سجوننا.يقطع وحدتنا صوت السجّان، الذي كان بمثابة قناة الاتصال الوحيدة بيني وبين عائلتي، يخبرني أن عائلتي ما زالت تنتظرني. أحاول التغلب على قسوة الانتظار بمشاركة السجناء الإسلاميين في لعب الورق. من بينهم كان زهران علوش، المعروف بنشاطه الدعوي، ومؤسس "لواء الإسلام" لاحقاً، قبل مقتله في الغوطة. كنت أجد في اللعبة ملاذاً مؤقتاً من الوحدة، لكن الألم لا يغادرنا.في إحدى الزوايا، ثلاثة موقوفين بتهمة بيع كِلاهم في مصر، مقابل 175 ألف ليرة سورية للكِلية الواحدة، فقط ليتمكنوا من بناء مسكن يأوي أطفالهم. مشاهد القهر والضعف كانت في كل مكان.يطالب المرصد السوري لحقوق الإنسان بالإفراج عني، ويدعو إلى وقف التضييق على الصحافيين، وضرورة إلغاء محكمة أمن الدولة السورية، واصفاً إياها بأنها سيئة السمعة والتأثير. لكن كل هذه المناشدات بدت بلا جدوى.بعد ثلاثة أشهر، فُتح باب السجن أمامي. قيل لي إن تهمتي كانت "الثرثرة". خرجت لأجد نفسي مفصولاً من عملي الذي أخلصت له، بينما بقيت آثار التجربة محفورة في أعماقي، تذكرني بثمن الكلمة الحرة في مواجهة منظومة الفساد.الصمت أولاًبعد خروجي من السجن، عانقت طفلي وزوجتي مطولاً، محاولاً استعادة دفء العائلة الذي افتقدته طيلة شهور. طلبت منهما أن يستعدا مجدداً للسفر، وأن نكمل حياتنا من النقطة التي توقفنا عندها. قررت الصمت بشأن أسباب اعتقالي، فقد كنت مقتنعاً بأن ما حدث لا يعدو كونه "غباوة أمنية".لكن المفاجأة الكبرى لم تأتِ من الجهات الأمنية، بل من اتحاد الصحافيين نفسه، الذي طعن في نزاهتي واتهمني بإشراك الأمن في عملي على ملف الدواء السوري! زعموا أن اعتقالي لم يكن مرتبطاً بمهنتي كصحافي، وهو ما دفعني إلى اتخاذ قرار بالحديث بصوت عالٍ.صرحت بوضوح: "تم اعتقالي لأني طرحت سؤالاً حول شخصية مهمة مقربة من مركز القرار السياسي والأمني، وما إذا كانت لهذه الشخصية علاقة بصناعة الدواء في سوريا. تساءلت أيضاً عما إذا كانت هناك مراكز قوى في السلطة شريكة خفية في هذه الصناعة".الإجابات التي تلقيتها حينها كانت نفياً قاطعاً: "لا علاقة لها بأي معمل من المعامل، ولم يكن لها أي عمل خاص لأسباب سياسية". لكن المشكلة لم تكن في الإجابات، بل في السؤال ذاته، الذي اعتُبر محظوراً. من كان يجب أن يخضع للمحاسبة هو من أصرّ على ملاحقتي، بينما كنت أنا من دافع، واعتُقل، ومُنع من السفر.في ذلك الوقت، كنت داعماً للمشروع الإصلاحي الذي طرحه الرئيس بشار الأسد، مؤمناً بضرورة تغيير واقع المؤسسات الإعلامية. لكن ما كان مطلوباً من الإعلاميين آنذاك هو أن يكونوا أدوات مطيعة بمقاسات محددة؛ فاسدين لا يجرأون على طرح أي مشكلة حقيقية.هذا الواقع دفعني لاحقاً للنزول إلى الشارع، موثقاً التظاهرات ومشاركاً فيها. كانت تلك المرحلة نقطة تحول كبيرة في مسيرتي، إذ أدركت أن الصمت لم يعد خياراً، وأن مواجهة الفساد والاستبداد تتطلب صوتاً عالياً مهما كان الثمن.الذهاب بعيداًأعيش اليوم مع طفلي، الذي كبر وأصبح شاباً، حياة هادئة في فرنسا. اخترت الابتعاد عن العمل الصحافي منذ زمن طويل، وانتقلت إلى مهنة أخرى لا تمت بصلة إلى شغفي الحقيقي.رغم هدوء حياتي، إلا أن قلبي ما زال مثقلاً بالقلق على مستقبل بلادي، أتمنى لها الأفضل دائماً، وأحلم أن ترى أياماً أكثر إشراقاً. لكني، حتى الآن، ما زلت أعتبر البرتقالي لوناً ضائعاً بين الأحمر والأصفر، تماماً كأحلام مؤجلة وآمال معلقة بين واقع مؤلم ومستقبل غامض.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top