روّج الإعلام الإسرائيلي لانتخاب البرلمان اللبناني قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية، بعد شغور المنصب لأكثر من عامين، وكأنه حدث سياسي يمثل دليلاً آخر بعد سقوط نظام الأسد، على نجاح الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، وضرباتها الجوية بسوريا، في تغيير وجه الشرق الأوسط.
ووفق الادعاء، وضع محللو التلفزيونات العبرية، تل أبيب في صورة المنقذ للبنانيين، بدعوى أنه لولا الحرب التي خاضتها في لبنان ضد "حزب الله" الذي فتح بشكل منفرد جبهة إسناد لغزة، لما تمكنوا من حل معضلة اختيار رئيسهم بعيداً من التأثير الإيراني، وبقبول دولي. وهو زعم عبري يندرج ضمن حرص إسرائيل على إظهار نفسها بطلاً منتصراً في نهاية فيلم هوليوودي، لا يُهزم في أي حرب، إلى جانب محاولاتها التأثير في اللبنانيين، بمختلف مرجعياتهم وطوائفهم، وتطبيع فكرة وجود دولة إسرائيل لديهم وتفكيك عقيدة زوالها التي ينشرها "حزب الله".وحلل التلفزيون العبري "مكان" انتخاب عون بلسان لبناني، حيث استهل معالجة الموضوع ببث تقرير لريم مارون، وهي إسرائيلية من أصل لبناني، مستعرضاً إخفاق الجولة الأولى لانتخاب البرلمان للرئيس، وما تخللها من مشادات كلامية وشتائم بين النائبة بولا يعقوبيان والنائب عن "التيار الوطني الحر"سليم عون. وتوقف التقرير العبري عند الشتائم بالتفصيل لهدفين: الأول إظهار الشرخ العميق بين اللبنانيين، والثاني لمحاولة مفاضلة الكنيست الإسرائيلي على البرلمانات العربية، وكأنه لا ذكورية فيه ولا لسان إسرائيلياً "بذيئاً" فيه.وبعد التقرير، استعان التلفزيون بمحلل الشؤون اللبنانية فيه بيار دياب، وهو إسرائيلي من جذوره لبنانية تؤكدها لهجته أيضاً. وصادق دياب سؤال المذيع الذي اعتبر انتخاب عون، إيذاناً بعهد جديد للبلد. ولأنّ المسألة الأمنية هي ما يهمّ تل أبيب، ركز دياب على النقاط الأمنية التي سردها الرئيس عون في خطاب القسم، خصوصاً تأكيده لحق الدولة في احتكار حمل السلاح، في إشارة إلى سلاح "حزب الله". وأوضح دياب أن عون جاء بأجندة واضحة لتنفيذ القرارات الدولية، بدءاً من اتفاق الطائف وحل جميع الميليشيات وسحب سلاحها، مروراً بالقرارين الأمميَين، 1559 و1701.وكان السؤال الرئيسي الذي دار حوله المذيع الإسرائيلي هو: "هل سيتعاون حزب الله مع الرئيس اللبناني الجديد؟"، خصوصاً أن الثنائي الشيعي منح صوته لعون في جولة الانتخاب الثانية بالبرلمان بعد "مقايضات" ومنطق "خذ وهات". وبينما قال دياب أن الأمر سيكون "تحدياً" للرئيس الجديد، نوه أيضاً بأن المتغيرات الإقليمية، خصوصاً اتفاق وقف إطلاق النار وسقوط الأسد، تشكل عوامل دافعة نحو نزع سلاح "حزب الله" وعلاقة مختلفة مع إسرائيل، مستدلاً على ذلك بتعهد عون بضبط الحدود والحفاظ على الهدنة.إلى ذلك، جزمت وسائل إعلام عبرية بأن تصريح السفير الإيراني في لبنان أخيراً، بشأن الحفاظ على "المثلث الذهبي- جيش وشعب ومقاومة"، مجرد "كلام لا قيمة له"، في إشارة إلى بدء مرحلة لبنانية جديدة. ولم ينسَ التلفزيون العبري الرسمي السؤال عما إذا سيقود عهد لبنان الجديد إلى تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، فكان بعض المحللين الإسرائيليين واثقين بأن بيروت ستدخل ركب التطبيع إذا فعلت السعودية ذلك، وإذا طبّق لبنان اتفاق الهدنة لعام 1949، باعتباره "كان الأكثر أماناً لإسرائيل".والواقع أن موقف إسرائيل المعلن لا يعكس المخفي منه، إذ تنظر تل أبيب بحذر إلى جوزاف عون، كونه شخصية مهنية ومقبولة إقليمياً ودولياً، وهي صفات تنزع منها ذرائعها لاستباحة الأرض اللبنانية، وتقيّد اعتداءاتها. لكن تل أبيب أرادت رغم ذلك أن تدق إسفيناً بين اللبنانيين، وتثير الجدل بينهم، عبر تهنئة انتهازية قدمها وزير خارجيتها جدعون ساعر، لانتخاب عون رئيساً للبنان، متمنيا إسهامه بـ"حسن الجوار".من جهتها، أشارت الكاتبة الإسرائيلية سيمدار بيري، في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى أن عون "وطني" و"نظيف الكفّ"، ويرفض قبول الرشاوى، ويتخذ القرارات على أساس الأمر الواقع. وهي صفات لا تريح إسرائيل الرسمية، وتجعلها متأهبة لشخصية حازمة مثل عون، بحيث تحسم داخلياً، وتكون عنيدة خارجياً.ولفتت بيري إلى أن عون الذي بدأت حياته العسكرية العام 1983، خصص لإسرائيل جملة واحدة في خطابه بالبرلمان، بدعوته إلى إزالة الاحتلال عن أراضي لبنان، وأشارت إلى أنه "لم يسمّنا بالصهاينة"، في اختلاف عن سياسيين لبنانيين آخرين.وهنا، تبدو الدولة العبرية غير متيقنة تماماً من كيفية سير الأمور بلبنان، فتراقب سلوك الرئيس اللبناني الجديد، بموازاة استعدادها لشكل جديد لمعركة سياسية ضد الدولة اللبنانية، تارة بدفع أطراف دولية لتكثيف ضغوطها على عون، وتارة أخرى بابتزاز لبنان.وعرضت قناة "كان" بروفايلاً عن عون الذي يحتفل يوم الجمعة بعيد ميلاده الحادي والستين، مبينة أنه غرس الأمل في نفوس اللبنانيين، وأن الأمر سيكون مختلفاً هذه المرة. واستذكر التقرير الذي أعده المراسل الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العربية، روعي كايس، أرشيف الرئيس المنتخب، خصوصاً محاربته جماعات جهادية في الأراضي اللبنانية المحاذية للحدود مع سوريا العام 2017، وحديثه سابقاً عن فقر المواطن والعسكري اللبناني ومعاناتهما نتيجة الصراعات السياسية في بلد الأرز.