حزم النائب ملحم خلف حقيبة ملابسه وغادر المجلس النيابي بعد أن أمضى القسم الأكبر من ولايته النيابية معتصماً داخل قاعته رفضاً للفراغ الرئاسي. بعد عامين ونيف من الفراغ انتُخب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية في دورة انتخابية ثانية وبأكثرية 99 صوتاً.
بدأ توافد النواب إلى ساحة النجمة عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً. اكتظ المجلس وباحته بالصحافيين والمصورين وعناصر القوى الأمنية والجيش اللبناني. وبعد ما يزيد على الساعة بدأ توافد المدعوون لحضور الجلسة الانتخابية من سفراء ومبعوثين. وصل السفير السعودي وليد العسيري قبل 40 دقيقة من موعد انطلاق الجلسة، وقبله بقليل وصل سفير قطرالشيخ سعود بن عبدالرحمن آل ثاني، وبعدهما المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان.كانت تحركات النواب مهمة من حيث الشكل بداية، دخلت كتلة الوفاء للمقاومة بهو المجلس بكامل عدد نوابها، ولم تننقطع كتلة الكتائب عن الدخول والخرج الى القاعة ولم تتوقف تصريحات نوابها أمام الكاميرات.النائب علي حسن خليل على هاتفه الخلوي، ذهاباً وإياباً أمام الإعلاميين الذين يكررون على مسامعه السؤال ذاته "هل من جديد".قبل نصف ساعة من موعد الجلسة كان النصاب النيابي مكتملاً، والسفيرة الأميركية ليزا جونسون في ساحة النجمة، لكنها لم تدخل القاعة العامة إلا قبل دقيقتين من موعد رنّ جرس إيذاناً ببدء الجلسة. الساعة 11 دخل رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد اجتماع عقده مع كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة وانطلقت الجلسة التي وعد بري سابقاً أنها ستحمل رئيساً للجمهورية.رسائل سياسية غريبة هي الكلمات التي خطب بها بعض النواب قبل الشروع بالتصويت في الدورة الأولى، بعضهم أصر على اعتبار انتخاب جوزاف عون مخالفاً للدستور ولو أن انتخابه جاء مشابهاً لآلية انتخاب ميشال سليمان سابقاً، وبعضهم الآخر اعترف بمخالفة الدستور ولكن لأجل المصلحة العامة. 16 مداخلة نيابية "بالنظام"، تخلل بعضها كلام خارج النظام والأخلاق بعد مشادة كلامية بين النائبين سليم عون وبولا يعقوبيان وتدخّل النائب فراس حمدان مدافعاً عن يعقوبيان، قبل أن يُرسل بري نائبه الياس بو صعب لتهدئة الموقف.
انتهت الخطابات وبدأت عملية الانتخاب التي انتهت بالتصويت لجوزاف عون ب 71 صوتاً فقط، بعد أن صوت الثنائي وحلفائه بـ 37 ورقة بيضاء، والتزام نواب التيار الوطني الحر"بالدستور والسيادة".انتهت الدورة الأولى، وطلب بري تعليق الجلسة لساعتين لأجل التشاور، خرج غالبية النواب والزوار إلى المقاهي القريبة لتناول الطعام وانتظار الدورة الثانية، وبقي علي حسن خليل والحاج محمد رعد للتشاور.خبايا التشاور وما سبقهقبل الدخول في تفاصيل التشاور الذي فصل الدورة الأولى عن الثانية، لا بد من العودة بحسب مصادر سياسية متابعة، إلى زيارة المبعوث السعودي يزيد بن فرحان إلى رئيس المجلس نبيه بري، إذ وصفت المصادر "الجو خلال اللقاء بالسلبي للغاية" نتيجة كلام بن فرحان "التهديدي" وقوله لبري "إما عون وإما لا مساعدة لإعادة الإعمار"، ليجيبه بري يومها "نحن قررنا أن لا نُعيد الإعمار".
انتهى اللقاء، وقرر الثنائي الشيعي عدم السير بالانتخابات، فالمشكلة بالنسبة إليه لم تكن بإسم قائد الجيش، بل بالطريقة، إذ تُشير المصادر إلى شعور الثنائي برغبة خارجية لكسره واستكمال الحرب عليه بالسياسة بعد العسكر، وإلا لا معنى آخر لعبارة المبعوثين الدوليين التي تقول: "انتخبوا عون ثم نتحدث"، أو ما قاله لودريان لبري: "جوزاف عون هو الخيار A,B,C,D).أبلغ الثنائي رفضه السير بما يُحكى، وكانت خياراته إما السير بالاتفاق مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على المرشح الياس البيسري، وإما التصويت بورقة بيضاء، فسقط الخيار الأول بعد تخلي باسيل عن البيسري، فما كان أمام الثنائي سوى التصويت بالورقة البيضاء، تقول المصادر، وذلك ما تم إقراره عصر يوم الاربعاء خلال لقاء كتلتي التنمية والتحرير، والوفاء للمقاومة في عين التينة.حسن خليل في اليرزةتكشف المصادر أن عين التينة يومها أجرت إحصاءً بالناخبين، وكانت النتيجة لديها مطابقة لما حصل خلال الدورة الاولى، مشيرة إلى أن اتصالاً أعاد تحريك الملف الرئاسي فجر الخميس، فزار علي حسن خليل الأمير السعودي في اليرزة للمرة الثانية، بعد كانت زيارته الأولى كسراً للجمود الذي رافق زيارة الأمير لرئيس المجلس، وخلال الزيارة الثانية كان نقاش معمق بما بعد انتخاب جوزاف عون، وحديث بشكل الحكم وملف إعادة الإعمار، وكان الثنائي بانتظار الأجوبة الرسمية من المملكة، وهو ما يُفترض أنه حصل صباح جلسة الانتخاب.بعد الإتفاق، كان لا بد من مخرج للشكل أيضاً، تقول المصادر، مشيرة إلى أن نتائج الدورة الأولى أرادها بري للقول إن الثنائي ممر إلزامي للرئيس، وأن التوافق غير مؤمن فهناك 57 صوتاً رافضاً لا الشيعة فحسب، وانتخاب عون يحتاج للاجتماع مع الثنائي، وبعد الدورة الأولى، كان الاتفاق على أن يجتمع الثنائي مع قائد الجيش، فتوجه علي حسن خليل ومحمد رعد بسيارة واحدة للقاء عون في مكان قريب من المجلس. تطرق الحديث لمرحلة ما بعد الانتخابات. وثمة معلومات تحدثت عن لقاء للثنائي مع السفير السعودي الذي خرج بعد الدورة الاولى متأخراً عن زملائه بحوالي العشرين دقيقة.دورة ثانية معروفة النتيجةقبل انطلاق الدورة الثانية رسمياً، وصلت عائلة الرئيس جوزاف عون إلى المجلس، وكانت إشارة واضحة إلى توقيع الاتفاق ووصول عون إلى بعبدا. نال الرئيس المنتخب 99 صوتاً وأصبح رئيساً للجمهورية.
أقسم عون على حماية الدستور، وكان خطاب القسم الطموح والواعد، فهل دخل لبنان مرحلة جديدة سيكون عنوانها الاستقرار وإعادة بناء وتفعيل الدولة؟