2025- 01 - 10   |   بحث في الموقع  
logo الخارجية السورية: استئناف إصدار جوازات السفر.. اعتباراً من الأحد logo الغارات الإسرائيلية مستمرة على غزة.. والمفاوضات تحرز تقدماً logo باسيل: هناك مرحلة جديدة سنعطيها الدفع اللازم لانجاحها logo تفاؤل دولي وعربي بانتخاب عون: بداية مرحلة من الاستقرار logo إسرائيل تريد إبقاء قواتها في 3 مواقع بجنوب لبنان logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الخميس logo “الجماعة الإسلامية”هنأت الشعب اللبناني بإنهاء الفراغ الرئاسي logo رحيل "صائدة المشاهير"...ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي
"العام الجديد الذي لم يأت أبداً".. على شفا الثورة
2025-01-09 14:25:45

يمثل السابع عشر من ديسمبر 1989 تاريخاً حاسماً بالنسبة لرومانيا. إنه اليوم الذي أُمر فيه الجيش بفتح النار على الحشد الأعزل في تيميشوارا (ثاني أكبر مدن البلاد) من الهاتفين بشعارات مثل "الخبز والحرية". في تلك اللحظة، التي تلقي ضوءاً قاتماً على الثورات المخملية المندلعة في تلك السنوات في أراضي أوروبا الشرقية، يبني المخرج بوغدان موريشانو (1974) في فيلمه "العام الجديد الذي لم يأت أبداً" قصّة جماعية ليروي حكاية بلد على شفا الثورة.الفيلم، الفائز أخيراً بجائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي 44، ينسج شبكة كثيفة من الشخصيات، ومع مرور الدقائق يقدّم لنا منازلهم أو أماكن عملهم. هناك الممثلة التي تضطرّ إلى غناء ترنيمة عيد الميلاد الوطنية لإنقاذ حياتها المهنية، وكل ما تريده هو حشو نفسها بالفاليوم، والطالبة التي تريد الهروب سباحةً عبر الحدود في نهر الدانوب، والمرأة التي لا تستطيع قبول هدم المنزل الذي عاشت فيه دائماً، في منطقة مخصّصة لوحدات الإسكان الحكومية الجديدة. هؤلاء بعض، وليس كل، أبطال هذه القصة، الزاخرة بمتمّلقين وجبناء، وقبل كل شيء بناس عاديين، خاضعين لمراقبة قسرية، وتلاعب بالمعلومات، وسيطرة على وسائل الاتصال (البريد وخطوط الهاتف)؛ كلّ العمليات التي نفذّتها أجهزة الأمن لضمان حماية الدكتاتور تشاوشيسكو (العم نيكو كما كان يُسمّى) من أي نوع من المعارضين.
الغذاء شحيح، والوضع صعب ومليء بالاضطرابات، والعالم الموصوف في لحظاته الأخيرة. لقد وصلنا إلى نهاية التجربة الاشتراكية، والبلاد على وشك السقوط في جمر الاستهلاك، كما يخبرنا مخرج روماني آخر، رادو جود، في "ثماني بطاقات بريدية من يوتوبيا"، الذي يجمع مواداً إعلانية تلفزيونية منذ سقوط النظام الشيوعي الموالي للسوفييت حتى 2024. اللحظة التي تسبق ذلك، هي موضوع فيلمنا: الخوف من إعلاء الصوت الغاضب، والأعصاب المتوترة، والتعذيب الجسدي والنفسي، والابتزاز. ومع ذلك، ومن دون رقابة، ومن دون إخفاء أي شيء، لا تتحوّل نبرة الفيلم أبداً إلى لهجة درامية، بل إنها تجد راحتها في الكوميديا. والهدف استكشاف خطّ رمادي شاسع، ذلك المحتوي جزءاً كبيراً من الرومانيين أُجبروا على الصمت إما بالتواطؤ أو بسبب الخوف، للنظر إلى ما وراء ستار الصمت، بعيداً من عيون وآذان المتطفلّين والمتلصّصين. تولد الثقة والشجاعة للمجازفة من جديد، ويقرّر العمّال التمرّد، وتجمع الأُسر قواها بعد لحظة من الشكّ وتتشكّل الضمائر النقدية.في فيلمه الروائي الطويل الأول يوازن بوغدان موريشانو بمهارة بين الأجزاء، ويتغلّب على صعوبات السرد المتعدد الأصوات، ويترك للتاريخ مهمة العمل كسمة مشتركة. ويتمكّن من التواصل مع الأحداث الراهنة عبر تناوله موضوع التلاعب والحيل السياسية التي أصبحت الآن قاعدة العصر، مع تخريب الواقع بالتزوير للحصول على حاضر أبدي؛ كما يذكّرنا الأميركي هارموني كورين في فيلمه الأخير متعدد الوسائط، Baby Invasion، الذي يُظهر لنا الهاوية التي سقطنا فيها.يوازن الفيلم جيداً بين طاقم الممثلين، حيث يمنح كل شخصية وزناً مناسباً ويُظهر كيف ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر ببعضها البعض. من فوضى مديري برنامج تلفزيوني لعيد الميلاد يحاولون حلّ مشكلة في اللحظة الأخيرة وينتهي بهم الأمر بالبحث عن ممثلة مسرحية تعيش في الحيّ نفسه الذي يعيش فيه رجل قلق بشأن مصير أسرته بسبب رسالة كتبها ابنه الصغير، إلى هذا الرجل نفسه، الذي يساعد رجلاً وأمّه أجبروا على الانتقال بأمر من الحكومة.بُنية "العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً" عضوية تماماً. ينسج المخرج شبكة مصائر حيث تتقارب السرديات المختلفة في النهاية عند نقطة واحدة، ليستحضر ذلك الشعور حين تلتقي شخصاً ما في الحياة الواقعية دون أن تدرك كل ما يجري حوله: جار، قريب، أحد المعارف أو شخص من العمل.ومن الجوانب الجديرة بالملاحظة أيضاً مزيج الفكاهة والدراما، مع لحظات من النقد الاجتماعي المعبّر عنه من خلال الكوميديا، ومعالجة قضايا مثل العنف المنزلي، وإساءة استخدام السلطة وحتى القمع السياسي. ومع ذلك، يتم التعامل مع هذه القضايا أيضاً بجدية، حسبما يسمح السياق السياسي. وفيما يعكس بشراً على وشك تجربة تغيير كبير، سواء وافقوا عليه أم لا، تعمل الفكاهة كلغة مقاومة تقريباً، تخفي الحقائق المؤلمة تحت طبقة من السخرية وتقدّم للمشاهد لمحة عن حياة محاصرة في رومانيا تحت الظلّ الثقيل للاتحاد السوفياتي.الشخصيات ملموسة، حيث يسهل نسبياً التعرّف على بعض المواقف المقدَّمة، أو على الأقل التعرّف على شيء مشابه. هم، في الأساس، أشخاص من كل الأعمار يعيشون معاً في المكان نفسه: شباب يبحثون عن مستقبل أفضل، وكبار محاصرون في العمل أو مخاوف القمع، وعجائز متمسّكون بالماضي. يضاف إلى ذلك أداء الممثلين.بصرياً، يلتقط الفيلم فترة الثمانينيات بشكل جيد، مع جماليات تستحضر صور التلفزيون في ذلك الوقت. بالإضافة إلى ذلك، استخدام الكاميرا المحمولة باليدّ والتركيز على لحظات انزعاج الشخصيات يوفّر إحساساً بردود الفعل في الوقت الفعلي، على غرار ما يحدث في الأفلام الوثائقية الساخرة. المونتاج مثير للاهتمام أيضاً: على الرغم من أن السيناريو منظم لضمان التماسك والسيولة، فإن قرارات التحرير، التي تربط المَشاهد من خلال أفعال أو أشياء متشابهة، هي ما تعزز الشعور بالاستمرارية والارتباط بين القصص. يحافظ هذا النهج على إيقاع عضوي، وكأن كل قطعٍ نبضٌ يحافظ على شبكة العلاقات في حركة مستمرة.الفصل الثالث مُرضٍ، ويقدم خاتمة تجيب على سؤال يطرحه كثيرون عند النظر إلى حدث ٍتاريخي: أين كنت عندما حدث ذلك؟ تجيب كل شخصية بشكل مختلف، مما يجعل التجربة مثرية بشكل جماعي.يقدم فيلم بوغدان موريشانو مجموعة متنوعة من القصص التي تتشابك برباط وثيق. وطبيعيته تجعله اقتراحاً جريئاً يلتقط الفروق الدقيقة في وقتٍ صعب، ما يجعل هذه القصص، عندما تتحد، تتردّد مثل صدى حياتنا الخاصة، خصوصاً حين تكون أحد مواطني بلد يحلم بالتغيير.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top