اليوم وأمام الاستحقاق الرئاسيّ الذي طال انتظاره لعامين من التعطيل والمراوحة و"المناكفة" والتسويف، يعود اسم جهاد أزعور، إلى واجهة المُرشّحين ذويّ الحظوظ المرتفعة لتولي سدّة الرئاسة الشاغرة. المرشح الذي اقترب وبشدّة إلى استحقاق المنصب في آخر جلسات انتخابيّة منذ نحو العام. انضم أزعور إلى نادي المُرشّحين، كاسمٍ تكاد مختلف القوى السّياسيّة في لبنان، تُجمع على أنّه ليس مُرشّح "تحدٍّ" لأحد، بل شخصيّةً "تكنوقراطيّة" حافظت على سُمعتها وحمتها من لوثّة السّياسة اللّبنانيّة، الّتي يعرف هو نفسه نقاط ضعفها وقوّتها.
أزعور "التكنوقراطيّ"وُلد جهاد أزعورعام 1966 في بلدة سير الضنّية. وهو ابن شقيقة السّياسيّ الراحل جان عبيد، الذي تأثر به وبأسلوبه في العمل السّياسيّ. يشغل حاليًا منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدوليّ، حيث يُشرف على أعمال الصندوق في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز.
تولى أزعور منصب وزير الماليّة بين عامي 2005 و2008، وهي فترة شهدت تنفيذ إصلاحاتٍ جوهريّة تحت قيادته، مثل تحديث النظامين الضريبيّ والجمركيّ. بالإضافة إلى عمله الحكومي، شغل مناصب قياديّة في القطاع الخاص، بما في ذلك عمله في شركات كبرى مثل "ماكينزي" و"بوز آند كومباني" كنائب للرئيس والمستشار التنفيذي الأول، كما كان شريكًا إداريًّا في شركة "إنفنتيس بارتنرز" للاستشارات والاستثمار قبل انضمامه إلى صندوق النقد الدولي عام 2017.
حائز على دكتوراه في العلوم الماليّة الدوليّة، ودرجةً متقدمة في الاقتصاد الدوليّ من معهد الدراسات السّياسيّة في باريس، بالإضافة إلى زمالة ما بعد الدكتوراه من جامعة هارفارد، حيث أجرى أبحاثًا حول الاقتصادات الناشئة واندماجها في الاقتصاد العالميّ. وقد نشر العديد من الكتب والمقالات حول القضايا الاقتصاديّة والماليّة، وله باعٌ طويل في التدريس والتعليم العالي.
برز اسم أزعور إلى دائرة الضوء عندما عُيّن وزيرًا للماليّة في حكومة فؤاد السنيورة عام 2005، وهي الفترة الّتي شهدت تحدياتٍ سياسيّةٍ وأمنيّة كبرى، من بينها سلسلة اغتيالات سياسيّة وحصار الحكومة من قبل حزب الله وحلفائه في تلك الفترة. وخلال هذه المرحلة الشائكة، أظهر أزعور احترافيّة، ووضوح رؤية، مما أكسبه احترامًا واسعًا، لدى مُختلف الأطراف. والجدير بالذكر، أنّه وفي العام 2011، طُرح اسمه من قبل فؤاد السّنيورة كمرشحٍ لتولي حاكميّة مصرف لبنان، إلّا أن الرئيس الأسبق سعد الحريري فضل التمديد لرياض سلامة، ليستمر أزعور بعدها في العمل في القطاع الخاص ضمن كبرى الشركات العالميّة، قبل أن ينتقل إلى دوره الحاليّ في صندوق النقد الدوليّ.رؤيته الإصلاحيّة والاقتصاديّةمنذ عام 2017، يشغل أزعور منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدوليّ، حيث يتولى الإشراف على أنشطة الصندوق في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز. وقد أتاح له هذا الدور فرصة اكتساب خبرةٍ واسعة في إدارة اقتصادات الدول الناميّة والمضطربة سياسيًّا واقتصاديًّا، وكذلك في وضع استراتيجيات للنهوض بها وإنقاذها.. ورغم أن لبنان يقع ضمن النطاق الجغرافيّ لإدارته، إلّا أنّ أزعور ليس مسؤولًا مباشراً عن الملف اللّبنانيّ نظرًا لجنسيته اللّبنانيّة تفاديًّا لـ"تضارب المصالح". ومع ذلك، يُشهد له أنّه لا ينأى بنفسه عن أزمة بلاده. فهو يلتقي بشكلٍ غير رسميٍّ مع المسؤولين الحكوميين والشخصيات السّياسيّة بعيدًا عن الإعلام، يطّلع على المستجدات، ويقدّم نصائح بنّاءة، خصوصًا فيما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ. ورغم حرصه على البقاء بعيدًا عن الاجتماعات الرسمية المتعلقة بلبنان، فإنه يشارك فيها فقط بطلب مباشر من مدير الصندوق.
وبقراءة مقالاته وتدويناته ونظرياته المتعلقة بالملفين الاقتصاديّ والماليّ، يبدو أن أزعور يؤيد الإصلاحات المُطروحة من قبل صندوق النقد الدوليّ للبنان. وهذا ما يراه مراقبون بادرةً إيجابيّة، جعلت منه شخصيّة تثير اهتمام الأوساط اللّبنانيّة والدوليّة في خضم أزمة لبنان الماليّة والاقتصاديّة.شخصية تتجاوز التقليد السّياسيّعلى خطى خاله، السّياسيّ المعروف جان عبيد، استطاع أزعور بناء شبكةٍ واسعةٍ من العلاقات مع مختلف الأطراف اللّبنانيّة. ويتميز بعلاقةٍ خاصّة مع البطريركيّة المارونيّة، حيث يُجري لقاءات منتظمة مع البطريرك المارونيّ، يناقش خلالها الملفات الاقتصاديّة والماليّة الشائكة الّتي تهم الكنيسة ولبنان. يرى البطريرك فيه شخصية مناسبة لقيادة المرحلة الانتقاليّة، لا سيّما وأنّ اسمه طُرح بين الأسماء التوافقية المحتملة لرئاسة الجمهورية.
ورغم أنّه لا يتحدّر من عائلةٍ سياسيّة تقليديّة، إلّا أن مسيرته المهنيّة وأسلوبه الشخصيّ أكسباه احترام العديد من الجهات. الجدير بالذكر أنه انسحب من شركة العائلة التي أسسها والده، مكتفيًّا بحياةٍ مهنيّة متواضعة بعيدًا عن المال والأعمال منذ توليه مسؤولياتٍ عامّة. مدفوعاً بسجله المهنيّ البارز وسيرته المهنيّة المشهورة بالاستقامة الأخلاقيّة، بات معروفًا على الصعيد الدوليّ، فالأميركيون يعرفونه من خلال عمله في صندوق النقد الدوليّ، والفرنسيون يقدّرون دوره في التحضير لمؤتمري باريس 1 و2. أما على الصعيد العربيّ، فإن خبرته كوزير سابقٍ للمالية وموقعه في صندوق النقد الدوليّ منحاه احترامًا واسعًا.
داخليًّا، عارض حزب الله ترشيحه لأسبابٍ تتعلق بدوره في السّياسات الماليّة لحكومة فؤاد السنيورة وارتباطه بسياسات صندوق النقد الدولي، وتعاطى معه على أنه مرشح رئيس الحكومة السابق. كما أن المعضلة المسيحية تُلقي بظلالها، إذ يرى البعض أنه قد يلقى دعمًا من سمير جعجع لأسباب إنقاذية، لكنه يُرفض لأسبابٍ مناطقيّة وجغرافيّة، خصوصًا أنّه ينحدر من الشمال، مما قد يشكل منافسة غير مباشرة لجعجع.