لا تقتصر الخلافات بين أعضاء جمعية المصارف على قرار من هنا وإجراء من هناك بين كبرى وصغرى المصارف، إنما يشكّل ملف إعادة هيكلة القطاع جوهر الأزمة فيما بينهم. فبعض كبار المصارف وفي مقدّمهم مصرف رئيس جمعية المصارف سليم صفير، يحيكون طروحات لإعادة هيكلة المصارف على قياسهم بما يتماشى ومصالحهم بشكل كامل، متجاهلين مصالح الغالبية الساحقة من المصارف لاسيما منها الصغرى والمتوسطة.
وإن كان طرفا الخلاف في جمعية المصارف يتجاهلان مصلحة المودعين وحقوقهم، إلا أن بعض المصرفيين الصغار يرون أن المصارف الكبرى تسعى إلى "ابتلاع السوق بما فيها من مصارف صغرى ومتوسطة ومودعين"، ما دفع المصارف الصغيرة والمتوسطة إلى تعطيل نصاب جلسة اليوم للجمعية العمومية غير العادية بعد تعرّضهم لـ"خديعة من قبل المجلس الحالي".تعنّت صفير
منذ شهر تموز الفائت أي منذ قرابة 6 أشهر ومجلس إدارة جمعية المصارف فاقد للشرعية، هذه الحالة لم يشهدها القطاع المصرفي في تاريخه إلا أن "تعنّت" رئيس الجمعية، المنتهية ولايته، أفضت إلى تأخر انتخابات الجمعية واستمرار صفير على رأسها بشكل "غير شرعي". ولطالما كان مصرّاً على التمديد له استثنائياً للمرة الثانية وإن اضطر الأمر لتعديل النظام الداخلي للجمعية. إصرار صفير مدفوع بعدة عوامل منها التوافق مع عدد من المصارف الكبرى بينها بنك عودة وبيبلوس على التفرّد بقرار الجمعية في المرحلة الحالية التي ستشهد إخراجاً نهائياً لمشروع إعادة هيكلة المصارف.
محاولة استئثار المصارف الكبرى بالقرار على حساب باقي المصارف لم يمر في تموز الماضي، فقد تمكن تجمع المصارف الصغيرة والمتوسطة وعددها 15 مصرفاً من تطيير الجمعية العمومية غير العادية التي دعا إليها صفير بهدف التمديد لولايته سنة كاملة بعد تمديد سابق لمدّة سنة أيضاً. نجحت المصارف الصغيرة والمتوسطة في إفشال خطة صفير ووضعت حينها شروطها على الطاولة وأبرز الشروط تمثيل المصارف الصغرى والمتوسطة بعضوين إضافيين في مجلس إدارة جمعية المصارف على أن يتم تحديدهما من قبل مَن يمثّلون. وقد تم التوافق بين المصارف الصغرى والمتوسطة على إسمين هما رائد خوري ومروان خير الدين.
رفض صفير حينها شرط المصارف الصغرى والمتوسطة، ورغم إثبات الأخيرة قدرتها على تعطيل نصاب أي جمعية عمومية، استمر صفير بإصراره على رفض مطالبهم واستمرت الجمعية مرؤوسة بمجلس إدارة فاقد الشرعية إلى حين توجّه مجلس الوزراء إلى طرح مشروع إعادة تنظيم المصارف فاضطر صفير إلى توجيه دعوة منذ أيام لانعقاد جمعيتين عموميتين، إحداهما غير عادية اليوم 8 كانون الثاني، والثانية عادية في 29 كانون الثاني.
على أن تخصّص الجلسة الأولى لتعديل النظام الأساسي للجمعية لزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة بشكل استثنائي ولمرة واحدة إلى 14 عضواً بدلاً من 12 يمكن تجديدها لمرّة واحدة مع ولاية الرئيس، وإفساح المجال أمام تجديد ولاية رئيس الجمعية أي صفير لمرّة ثالثة متتالية بشكل استثنائي ولمرّة واحدة. أما الجلسة الثانية فتخصّص للجمعية العمومية العادية لانتخاب الرئيس والأعضاء.خديعة صفير
دعوة صفير المفاجئة أقلقت المصارف الصغيرة والمتوسطة، فعلى الرغم من أن مجلس إدارة جمعية المصارف أرسل إشارات بموافقته على شرط تعديل النظام الداخلي وإضافة مقعدين ممثّلين للمصارف الصغيرة والمتوسطة إلا أن التلاعب بقي وارداً، بحسب ممثل أحد المصارف الصغيرة الذي قال في حديث لـ"المدن": "نحن إن حضرنا الجمعية العمومية غير العادية وأمّنا النصاب من سيضمن لنا أن المرشحين المحدّدين من قبلنا (خوري وخير الدين) سيتم إدخالهما إلى المجلس الجديد؟ أليس من الممكن ان تستغل المصارف الكبيرة حضورنا وتقوم بانتخاب عضوين ممثلين للمصارف الصغيرة ممن يدورون في فلكها؟ يسأل المصرفي. من هنا اشترطت المصارف الصغيرة والمتوسطة المعارضة لمجلس إدارة الجمعية إدراج الإسمين المتفق عليهما في لائحة موحدة مع باقي الأعضاء وانتخاب الجميع في لائحة واحدة. وإلا فلنذهب إلى منافسة عادلة في جلسة عادية في 29 الجاري، ويقول "نحن جاهزون للذهاب إلى انتخابات في جمعية عادية وقد يترشّح أحدنا للرئاسة أيضاً".
ما حصل في جلسة اليوم: التأمت جمعية عمومية غير عادية، لم يوافق مجلس الإدارة الحالي على إعطاء ضمانات للمصارف المعترضة، وطمئنتهم بأن الإسمين المطروحين (خوري وخير الدين) سيكونان من ضمن التشكيلة الجديدة بعد تعديل النظام الداخلي ورفع عدد الأعضاء إلى 14. فالمجلس الحالي وعلى رأسه صفير يصر على أن يزيد المجلس عضوين من المصارف الصغيرة والمتوسطة من دون تحديد الأسماء. وهو ما يفتح المجال لاختيارهم من بين أولئك الذي يدورون في فلك كبرى المصارف، على ما يقول المصدر المصرفي.
وبالتالي تعطّل نصاب جلسة اليوم وذهبت جمعية المصارف إلى انتخاب مجلس جديد في 29 من الشهر الجاري، على أن يكون سليم صفير خارج المجلس لعدم تعديل النظام الداخلي، إضافة إلى انتخاب 12 عضواً وليس 14. وبذلك يكون صفير قد خسر حربه في مواجهة المصارف الصغيرة والمتوسطة وبات خارج دائرة القرار المصرفي.
مع الإشارة إلى أن صفير تولى رئاسة جمعية المصارف في دورتين متتاليتين، الأولى عام 2019 قبل اندلاع الأزمة المالية، والثانية عام 2021، وعند انتهاء ولايتيه تم التمديد له وللمجلس استثنائيا ًلعام واحد تحت ذريعة الوضع المصرفي الصعب. انتهى التمديد في تموز الماضي حين طرح صفير تعديل النظام الداخلي للجمعية والتمديد لمجلسها مرة جديدة، فجوبه بالرفض من قبل 15 مصرفاً ما عطّل النصاب الذي يستلزم تصويت غالبية الأعضاء أي 75 في المئة منهم باعتبار أن الجمعية العمومية غير عادية.