على بعد يوم من انعقاد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، ما زال اللبنانيون لا يعرفون إذا كانت الجلسة ستعقد أم لا، وإذا كان سينتج عنها انتخاب رئيس للبلاد، بعد سنتين ونصف من الفراغ. أما المرشح العتيد لتولي رئاسة الجمهورية فما زال غير معروف، بل هو رهن البازار السياسي الداخلي والخارجي. صحيح أن غالبية الأنظمة البرلمانية لا تعتمد آلية ترشيح محددة لانتخاب رئيس البلاد بل يتم انتخاب أي شخص بمعزل عن ترشحه، إلا أن بعض الدول ذهبت نحو وضع أسس وآليات ترشح لجعل الاستحقاق أكثر ديمقراطية.آلية ترشح وقسيمة اقتراعلطالما طالبت "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (لادي) بإصلاحات أساسية للانتخابات الرئاسية للحد من هذا البازار الذي يجرب كل ست سنوات. فعلى المستوى التقني، أي تأمين الشروط الأساسية كي ينطبق على الانتخابات الرئاسية صفة الديمقراطية، يشير أمين عام الجمعية عمّار عبود إلى أن أهم إصلاحين أساسيين تطالب بهما الجمعية وضع آلية ترشيح واضحة وشفافة، واعتماد قسيمة اقتراع مطبوعة سلفاً يصوت النواب من خلالها.في الأنظمة البرلمانية تعتبر الانتخابات الرئاسية أقرب إلى عملية تشاور منها انتخاب. فآلية توزع الأصوات في المجلس وتأمين الأغلبية المطلوبة دستورياً لاختيار الرئيس، تفرض مشاورات وتوافقات معينة بين الكتل النيابية. وصحيح أن لبنان ليس بلداً بنظام رئاسي، ولا ينتخب الرئيس من الشعب مباشرة، لكن الإصلاحات التي تطالب بها الجمعية تعتبر أساسية لتأمين الحد الأدنى لصفة "انتخابات" تتوافر فيها مبادئ الشفافية والنزاهة.اقتراع شكلي لا انتخاباتويوضح عبود أن ما هو حاصل في لبنان ليس انتخابات للرئيس بل اقتراع شكلي للمرشح الذي يفرضه الخارج ويجري توافق شكلي عليه من الداخل. فلا يوجد آلية للترشح، ويبقى أسم المرشح غير معلوم حتى بعد الانتهاء من التصويت. بل تتوافق الكل النيابية على اسم ما تصوت له. من هنا تطالب "الجمعية" بإصلاحات لعدم ترك الانتخابات الرئاسية عرضة للبازار الحالي. ومن هذه الإصلاحات تحديد آلية ترشح تتضمن تحديد مهل لفتح باب الترشيح ومهل لأقفاله. وهذا يترافق مع وضع شروط ومؤهلات عامة يجب أن يتمتع بها المرشح لمنصب الرئيس كي يكون له الحق بالترشح.ويشرح عبود أنه بعد تسجيل أسماء جميع المرشحين بحسب المهل يصار إلى طباعة قسمة اقتراع تتضمن أسماء جميع المرشحين الذين يستمرون بالسباق. ويكون الاقتراع بهذه القسيمة حصراً وهي تضمن سرية الاقتراع التي ينص عليها الدستور. فما هو حاصل حالياً أن النواب يصوتون على ورقة بيضاء. وبعض النواب يصوتون بكلمة متفق عليها مع الزعيم الحزبي. وحصلت سوابق كثيرة في لبنان كيف يفرض الزعيم الفلاني على النواب التصويت بكلمة أو رمز ما. وبالتالي الاقتراع من خلال القسيمة المطبوعة سلفاً، والتصويت من خلال وضع إشارة في المكان المخصص بجانب اسم المرشح، تمنح النائب حرية معينة في كيفية التصويت، لأنه لا يصبح مراقباً، وتؤمن المبدأ الدستوري بسرية الاقتراع.وقف الهرطقة الدستورية من الإصلاحات غير التقنية التي تطالب بها "الجمعية" يؤكد عبود أنه يجب حسم الهرطقة الدستورية التي سيّر بها رئيس المجلس النيابي نبيه بري المجلس خلال السنوات السابقة. فلا إشكالية دستورية حول كيفية انعقاد الجلسة والنصاب القانوني لها، طالما أن الدستور واضح في هذا المجال. بل تفسير بري لنصاب الجلسة مخالف لنص الدستور، ويجب الإقلاع عن وجهات النظر والذهاب إلى التطبيق الحرفي للنص. وفي حال كان المشرع يريد قواعد غير ملحوظة عليه تعديل الدستور. أما في الدستور الحالي فانعقاد الجلسة تفرض أغلبية الثلثين والاقتراع في الجولة الأولى ينجح المرشح الذي ينال أغلبية الثلثين. وتبقى الجلسات مفتوحة حتى انتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة. أما ما هو حاصل وفق عبود فهو تعطيل الانتخابات الرئاسية لفرض توافقات والتوصل إلى إخراج شكلي لانتخاب الرئيس. وهذا يعني أن لا انتخابات رئاسية في لبنان، بل مجرد اقتراع شكلي للشخص المفروض من الخارج.الجمعية اللبنانية تراقب كل أنواع الانتخابات في لبنان. صحيح أنها تأسست لمراقبة الانتخابات النيابية في مطلع تسعينات القرن المنصرم، إلا أن أي نقابة أو جامعة خاصة ترغب بانتخابات شفافة ونزيهة، تستعين بالجمعية، سواء لمراقبة الانتخابات وفق الشروط المحددة مسبقاً، أو للنقاش معها لتحسين الأنظمة الانتخابية المعتمدة.وحول الإصلاحات التي تطالب بها الجمعية على مستوى التصويت داخل المجلس النيابي، أكد عبود أن أهمها اعتماد التصويت الالكتروني. فالمجلس النيابي مجهز بأنظمة التصويت الالكتروني، الذي طالبت به جمعيات المجتمع المدني لمراقبة عمل النواب. لكن ثمة ذرائع بأن النظام الداخلي للمجلس لا يسمح بهذا التصويت وأن الأمر بحاجة لتعديل النظام. وبالتالي لم يسر المجلس بهذا التصويت، رغم أن قاعة المجلس مجهزة بالبنية التحتية اللازمة.ويؤكد عبود أن تصويت النواب على القوانين ليس سرياً واعتماد النظام الالكتروني وعرض التصويت على الشاشة الكبيرة في المجلس يمكن المواطن من معرفة كيف صوت النائب وكتلته النيابية على القوانين التي تعنيهم. وهذا أحد أهم قواعد المحاسبة التي تكون بحوزة المواطن في كيفية التصويت في الانتخابات النيابية. وهذا أحد أسباب رفض السير بالتصويت الالكتروني.