بادرت تركيا إلى تقديم الدعم الدبلوماسي للإدارة السورية الجديدة منذ الأيام الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، وتجسد الدعم في زيارة رئيس الاستخبارات إبراهيم قالن إلى دمشق، ثم اللقاء الاستثنائي الذي جمع بين وزير الخارجية التركية حقان فيدان وقائد الإدارة السياسية الجديدة أحمد الشرع، وما تخلله من جولة على جبل قاسيون في العاصمة دمشق في أجواء ودية للغاية، كما طالب فيدان بدعم الإدارة السورية الجديدة من أجل إعادة هيكلة المؤسسات من جديد.
الأسابيع التالية للزيارات التركية شهدت انفتاحاً عربية ودولياً على الإدارة السورية، حيث أجرت الأخيرة جولة على البلدان العربية بدأتها بزيارة ودية للغاية إلى المملكة العربية السعودية، مروراً بقطر والإمارات، وستنتهي بزيارة إلى الأردن، واللافت أن الجولة الخارجية لم تشمل الجانب التركي.
يتردد في الأوساط السياسية التركية قناعة بضرورة عدم إظهار أي تنافس تركي مع العرب في سوريا، بل العمل على التكامل لتجنب حالة الاستقطاب التي حصلت خلال السنوات الأولى من تحول الثورة السورية من النشاط السياسي إلى العمل المسلح، حيث شهدت تلك الحقبة الممتدة من 2012 حتى 2017، استقطاباً واضحاً بين القوى الإقليمية.
تشير المعطيات إلى أن الجانب التركي يبذل جهوداً دبلوماسية من أجل تليين الموقف المصري تجاه الإدارة السورية الجديدة، ويبدو أن هذه الجهود نجحت جزئياً حيث أرسلت القاهرة طائرة مساعدات إنسانية إلى سوريا، بالمقابل تعول أنقرة على علاقتها التي تطورت في العامين الأخيرين مع الإمارات من أجل توفير تطمينات للأخيرة تدفعها للتعاطي بإيجابية، خاصة وأن أنقرة ترعى حالياً وساطة بين الحكومة السودانية والإمارات لإنهاء حالة التوتر بينهما.
ومن الواضح أن أنقرة تحرص على التنسيق الفعال مع العرب فيما يخص الملف السوري، وبالأخص مسألة إعادة هيكلة المؤسسات وعلى رأسها الجيش، حيث رشحت تسريبات تفيد بأن وزير الخارجية التركية بحث مع نظيره الأردني في 6 كانون الثاني/ يناير الجاري، هذه المسألة، مما ينفي أي مساعي تركية للسيطرة على نظام الحكم في سوريا على غرار ما كانت تفعل إيران.
تشترك أنقرة اليوم مع غالبية دول الخليج العربي، خصوصاً المملكة العربية السعودية، بمصالح وهواجس مشتركة، حيث يمكن للدولتين إلى جانب دولة قطر، العمل على مشاريع مشتركة في العراق وسوريا، كما يدور في الكواليس نقاشات عن إمكانية تأسيس محور بين تركيا والعرب تجمعه مشتركات كثيرة أبرزها، المخاوف من التغول الإسرائيلي في المنطقة، ولهذا الرأي ما يدعمه، حيث سارعت أنقرة والرياض والدوحة ومصر إلى استنكار توغل الجيش الإسرائيلي جنوب سوريا في الأيام التالية لهروب بشار الأسد وانهيار الجيش.
وطالب فيدان بداية الشهر الجاري، بأن تضع الإدارة السورية الجديدة يدها على السجون التي تحتوي عناصر سابقين من تنظيم داعش، والحديث هنا عن سجون غويران الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
ويعتبر ملف مكافحة تنظيم داعش من المبررات المهمة التي ضمنت لقوات سوريا الديمقراطية استمرار الدعم الأميركي والأوروبي حتى اللحظة، خصوصاً في ظل احتجاز القوات لعناصر سابقين من داعش يحملون جنسيات أوروبية وتتحرج دولهم من استعادتهم.
من الواضح أن أنقرة تدعم اشتراك الإدارة السورية الجديدة في ملف مكافحة الإرهاب ليكون بوابة لدمجها بالمجتمع الدولي، وبما يتيح لها المزيد من الموثوقية لدى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وربما هذا يسهّل لاحقاً إزالة هيئة تحرير الشام التي تقود الإدارة الحالية في سوريا من قائمة المنظمات الإرهابية.
النهج التركي عموماً يركز في سوريا على الاستقرار، ودعم حصول الإدارة الجديدة على شرعية دولية وإن كان على أساس اعتبارها حكومة مؤقتة، مما يوفر لأنقرة التعاون الفعال مع "إدارة شرعية" لتقويض مشروع "الإدارة الذاتية"، والمساهمة الفعالة بتأسيس المؤسسات السورية بصيغة لا تهدد الأمن التركي مستقبلاً.