يتصدّر الملفّ الرئاسيّ في لبنان المشهد السّياسيّ مع اقتراب موعد الجلسة النيابيّة المقرّرة في التاسع من كانون الثاني، وسط تجاذباتٍ داخليةٍ وإقليميةٍ تحاول التأثير في مسار الاستحقاق الرئاسيّ. وتتوالى الدعوات إلى إنجاح هذه الجلسة وإنهاء حالة الشغور، في موازاة تقدّم الجهود الإقليميّة والدوليّة لمعالجة الملفّ الرئاسيّ في لبنان.وفي السياق، عُقد اليوم اجتماعين لنواب المعارضة، فاجتمع فيها عددٌ من النواب بالمبعوث الأميركيّ آموس هوكشتاين، وثانيها جاء ضمن الاجتماعات الدوريّة المفتوحة لمختلف القوى المعارضة.
والحال أنّه بين تجاذبات القوى الداخليّة وضغوط الأطراف الإقليميّة والدوليّة، تتبلور صورة المشهد السّياسيّ بشكل يعكس عمق الانقسامات اللبنانية. وإزاء ذلك، تجد المعارضة نفسها أمام تحدٍّ مزدوج: توحيد صفوفها من جهة، وطرح مرشح توافقيّ يُحقق الحدّ الأدنى من الإجماع من جهة أخرى. فهل ستشهد الجلسة المرتقبة انفراجة تفتح أبواب الحلول؟ أم أن المأزق السّياسيّ سيستمر ليضاعف أزمات لبنان؟الرهانات الرئاسيّةالنائب ميشال الدويهي يشير في حديثه إلى "المدن" بعد الاجتماع الدوريّ مع قوى المعارضة إلى أن "التوافق على قائد الجيش قد يكون ممكنًا إذا توافرت الظروف المناسبة، وخصوصًا في حال حصول إجماعٍ وطنيّ عليه، وبالطبع سيكون نواب المعارضة موافقين على هذا الإجماع. ولكن ما يبدو واضحًا حتى الآن أن الثنائي لا يقبل بقائد الجيش. وبالتالي، أمام استحالة حصوله على ستة وثمانين صوتًا ستكون المعارضة كنواب مجبرة على التفكير في خيارات أخرى تتناسب مع المرحلة وتؤثر بشكل كبير على الواقع السياسي الراهن، وإذا كان هناك رغبة في تشكيل المجلس النيابي الحالي".
وبسؤاله عما سمعته المعارضة من هوكشتين ومن في الوفد السعودي قال الدويهيّ: "لم يتم إبلاغنا بأي شيء، ولم نتلقَ شيئًا، ولا نرفض تلقي أي توصيات. لكن من الواضح أن هناك إجماعًا إقليميًا ودوليًا على شخصية قائد الجيش، وهو أمر معروف على نطاق واسع. علينا كنواب أن نغتنم الفرصة بعد حدوث حرب شعواء في هذا البلد، أن ننتخب الشخص المناسب لهذا المنصب". هل سيتمّ الإعلان عن المرشحين قبل الجلسة؟ يجيب"يفترض إعلان الاسم قبل الجلسة وهذه حاجة ملّحة. ولا أعتقد اليوم سيتمّ الإعلان، لكن هناك احتمالًا في الغد".
توحيد الصفوف في مواجهة المشهد المتأزم، تبدو المعارضة اللبنانية وكأنها تسير في حقل ألغام سياسي، حيث تواجه تحديات كبيرة لتوحيد صفوفها وتحديد موقف موحّد من الاستحقاق الرئاسي. رغم تعدد الاجتماعات بين القوى التغييرية والأحزاب التقليدية، لا تزال مواقف المعارضة تتسم بضبابية تمنعها من تقديم خيار حاسم.
النائب إبراهيم منيمنة أوضح أنّهم كنوّاب لم يحسموا موقفهم النهائي بعد، قائلاً: "نحن في طور مناقشة الخيارات المتاحة، لكن الأمور تُلعب حتى اللحظة الأخيرة". وأضاف: "هناك مؤشرات على اهتمام خارجي بدعم مرشح يتمتع بالكفاءة والاستقلالية، لكن هذا لم يترجم بعد إلى توافق داخلي". في آخر أسبوعين، زارنا عدة وفود وزار لبنان عدة وفود. بالطبع قابلنا السعوديّ، واليوم كنا مع آموس هوكشتاين. من الواضح أنهم يميلون إلى انتخاب رئيس لديه تاريخ من الاستقلالية والالتزام القانون، وعنده نظافة كافية. وكما هو واضح، فإنّه بنظرهم جوزاف عون وهم يُلمحون إليه ولكن ليس بصراحة".
"أنا أرى أن هناك احتمالاً عاليًا أن لا نخرج برئيس الجمهورية. وأتصور أنه هناك إرادة لدى النواب اليوم والتزامهم بالنصاب وفي نفس الوقت الخوف من تغير الموقف في الإدارة الأمريكية. كل هذا يؤثر على قدرة أو ضرورة إتمام الاستحقاق. والرئيس بري التزم بنفسه بتسعة أشهر، فأتصور أنه لا أحد له مصلحة اليوم أن يخرج بلا رئيس أو يؤجل الانتخابات. صحيح تماماً. إذا لم يتم انتخاب رئيس فهذا الأمر خطير. ولا أحد يستطيع التنبؤ بما قد يحدث، لأنه أعتقد أن الدول ستفقد الأمل في لبنان تماماً. نحن اليوم نواجه تحديًا حقيقيًا في استعادة الثقة في لبنان. وأعتقد أن هذه هي المحطة الأولى". مواقف المعارضة وتحدياتهامن جهته، أشار النائب جورج عقيص في تصريحٍ له بُعيد الاجتماع إلى أن "هناك خطة واحدة ستدخل بها المعارضة إلى جلسة 9 كانون الثاني"، مشددًا على أن الاجتماعات المستمرة بين مختلف الكتل تهدف إلى تحقيق الحدّ الأدنى من التفاهم. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر أمام المعارضة هو قدرتها على تجاوز الخلافات الداخليّة وتقديم مرشحٍ توافقيّ ينافس في هذا الاستحقاق المصيريّ".
من جهته اتهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع "جماعة الممانعة بعرقلة انتخاب العماد جوزاف عون عبر تحالفات مع التيار الوطني الحرّ". مؤكداً "لم نضع أي فيتو على اسم جوزاف عون، لكن الممانعة تواصل عرقلتها بحجج واهية". وأضاف: "إذا أعلنت الممانعة دعمها الرسمي للعماد عون، فإننا على استعداد لإعادة النظر في خياراتنا ودراسة هذا الطرح بجديّة".
مع اقتراب موعد الجلسة، تبدو الأجواء السّياسيّة مشحونة، حيث تعقد الأطراف السّياسيّة آمالًا كبيرة على هذه المحطة لتحقيق اختراق في الملف الرئاسيّ. ممثلو حزب الكتائب اللّبنانيّة شدّدوا على ضرورة الاتفاق على مرشح قادر على قيادة المرحلة، مؤكدين أن "العماد عون يبقى الخيار الأكثر تداولًا، لكنه ليس الوحيد. هناك أيضًا أسماء مثل الوزير السّابق جهاد أزعور تُطرح بناءً على التقاطعات الممكنة مع المكونات المختلفة".
هذا وتأتي زيارةُ المبعوثِ الأمريكيّ آموس هوكشتاين في وقتٍ حرجٍ، إذ يتوقع أن يبحث ملفّ وقف اطلاق النار في الجنوب وربما يربطه بخيار قائد الجيش. وتشير بعض التسريبات إلى أنّ الضغط الأمريكيّ قد يربط انتخاب رئيس بإستمرار إعادة الإعمار وتثبيت الهدوء الحدوديّ، ما يعني رفع نسب الضغط على برّي وحزب الله، ولكنهما يجدّدان التأكيد على عدم الرضوخ لأي ضغوطٍ خارجيّة.
وكُلّ هذه المعطيات تمهّد لسيناريوهات متعددة في جلسة التاسع من كانون الثاني: إما يفاجئنا توافقٌ يفتح طريق بعبدا أمام رئيسٍ جديد، أو تتوالى عراقيل تزيد من احتمالات الفوضى الدستوريّة والأمنيّة، لا سيّما في ظل حديث بعض القوى عن رئيس سيصعب فرضه. وحتى الساعة، يبقى اسم قائد الجيش حاضرًا وبقوّة في سوق الترشحات، ولكنّه ما زال يواجه فيتو من الثنائيّ الشيعيّ والتيار الوطنيّ الحرّ، ما يجعل احتمال ولادة رئيس توافقيّ متأرجحة. وحدها جلسة التاسع من كانون الثاني ستُحدّد ذلك.