2025- 01 - 08   |   بحث في الموقع  
logo مساء اليوم.. اجتماع لنواب المعارضة في معراب logo إجتماع لنواب المعارضة في الصيفي logo ميقاتي: أشعر بالسرور لانه باذن الله سيكون لدينا غدا رئيس جديد للجمهورية logo مسؤولون إسرائيليون: لن ننسحب من بعض الأماكن بلبنان لسنوات logo بين بيروت ودمشق "روضَتان"...والمستقبل أمامها مفتوح logo مُلّاك ليفربول يصدمون إيلون ماسك.. فما القصة؟ logo السفارة الأميركية في بيروت تُغلق أبوابها غداً logo معرض بترام شالاش: اللغة الفنية بين السخرية والإخلاص
أحمد عدوية: ظاهرة غنائية...صنعها المثقفون!
2025-01-07 12:25:53

فيما كان العام 2024 يلملم أوراقه، أُعلنت في القاهرة وفاة المطرب الشعبي أحمد عدوية عن تسعة وسبعين عاماً. وبرحيل عدوية انطوت صفحة مهمة من تاريخ الغناء الشعبي المصري وصل أثرها إلى المحيط العربي في مرحلة كانت شديدة الحساسية من تاريخنا المعاصر. فلم يكن عدوية مجرّد صوت شعبي، وإنما كان - ومن دون مبالغة - عنواناً لمرحلة شهدت كثيرا من التغيرات في الواقع المصري طوال عقد السبعينيات من القرن الماضي وما بعدها. ولئن كان الرجل المولود في العام 1945 قد لفظه المثقفون واعتبروه واحداً ممن أفسدوا الذوق العام، فقد كان هؤلاء من دون عمد وراء انتشار هذه الظاهرة الغنائية جراء موقفهم الرافض له.

فقد عرف الغناء الشعبي المصري مراحل متعدّدة طوال القرن الماضي ربما بدأ خليعاً، أثناء الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها، على نحو "إرخي الستارة إللي في ريحنا" و"إوعى تكلمني بابا جاي ورايا" و"تعالي يا شاطر" وغيرها من تلك التي تجذرت داخل الملاهي الليلية وعوامات النيل، ثم خرجت إلى الشارع بدلاً من أن تأتي منه. ومع بدء البث الإذاعي فى العام 1934 تهذبت كلمات الأغنية الشعبية، ونشأ جيل من صناع الأغنية يستقون كلماتهم هذه المرة من الشارع نفسه، وكان على رأس مطربي هذا الجيل محمد عبد المطلب الذي غنى "بتسأليني بحبك ليه" و"إسأل مرة عليا" و"ساكن في حي السيدة"، ثم جاء من بعده الجيل الذهبي - كمّاً وحضوراً - متمثلاً في محمد رشدي وشفيق جلال ومحمد العزبي، محافظاً على وقار الأغنية الشعبية بفضل نهوض الإذاعة المصرية في إنتاج مثل هذه الأغنيات.
غير أن الهزة المجتمعية التي أحدثتها هزيمة حزيران 1967 انسحب أثرها على فن الغناء بصورة واضحة، لا سيما في مجال الأغنية الشعبية، فعاد مستوى الكلمة إلى التراجع، وهى الفترة التي ظهرت فيها ليلى نظمي بأغنيات مثل "ما اشربش شاي" و"ما أخدش العجوز أنا" وكذلك عايدة الشاعر بأغنيات مثل "الطشت قاللي" و"كايدة العزال". في هذه الأجواء الرخوة والمتقلّبة، ظهر أحمد محمد مرسي العدوي، الشهير بأحمد عدوية، بمفردات أكثر غرابة، ناحتاً معجمه الغنائي الخاص به وحده، فكانت الصدمة الكبرى التي لم تستطع صفوة المثقفين تحملها، وباتت علامات الاستفهام وعبارات الاستهجان تطارد هذا الشاب الآتي من صعيد مصر. إذ كيف يغني عبد الحليم حافظ "رسالة من تحت الماء" و"يا مالكاً قلبي" وتشدو أم كلثوم بـ"ليلة حب" و"حكم علينا الهوى"، فيما يغني هذا العدوية "السح دح امبو" و"سلامتها أم حسن"، حتى وصلنا إلى ما لم يكن مفهوماً من الكلمات مثل "قرقشندي دبح كبشه" و"سبع لحاليح استلحلحناهم" وما إلى ذلك، مستعيناً بشعراء حققوا شهرتهم على وقع صوته واللون الذي يقدمه مثل حسن أبو عتمان والريس بيرة.
ويمكن القول إن الرجل الذي هز المجتمع المصري كله كان صنيعة المصادفات القدرية، فقد أتى عدوية من مدينة المنيا جنوبي مصر ليعمل كضابط إيقاع في شارع محمد علي، شارع الغناء الشعبي الشهير. لكن الصدفة جعلته ذات ليلة من ليالي العام 1969 يعتلي خشبة أحد الأفراح الشعبية مجرباً حظه في الغناء، فسمعت عنه المطربة شريفة فاضل ودعته للغناء في منزلها في حفلة عيد زواجها، لتقع المصادفة الثانية حين تواجد في الحفلة الشاعر المعروف مأمون الشناوي الذي أعجب بصوت المطرب الشاب وأخذه من يده إلى منتج أشرطة الكاسيت عاطف منتصر، لتبدأ رحلة صعود أحمد عدوية.
بيد أن المصادفة الأهم كانت في التوقيت الذي ظهر فيه عدوية، ما بين حربي حزيران 1967 وتشرين 1973، ثم مع نشوء طبقة الحرفيين مع بداية مرحلة الانفتاح الاقتصادي التي عاشتها مصر في أعقاب حرب 1973، فوجد عدوية آذاناً صاغية لمعجمه الغنائي الصادم وسط هذه الطبقات الشعبية ومنها إلى الشريحة الأعلى في الطبقات المتوسطة. أما المثقفون وصفوة المجتمع فقد شنوا عليه هجوماً ضارياً واخذوا منه موقفاً عدائياً حاداً، ووقف كبار الموسيقيين حائلاً بينه وبين اعتماد صوته في الإذاعة والتلفزيون حتى العام 1980.
وحيال هذا الرفض، وانطلاقاً من قاعدة "الممنوع مرغوب"، وبزوغ عصر شريط الكاسيت، باتت أشرطة أحمد عدوية الأكثر مبيعاً، والأوسع تداولاً بين الناس في تنافس غريب بينه وبين أشرطة رجل الدين الشعبي - إذا جاز التعبير – الشيخ عبد الحميد كشك الذي اعتمد هو الآخر في خطبه من المنابر على أسلوب السخرية من كل شيء في المجتمع بنبرته الحادة ومفرداته اللاذعة.وشيئاً فشيئاً أصبح عدوية واقعاً ملموساً، فلحن له بليغ حمدي وسيد مكاوي وعمار الشريعي وهاني شنودة، وتلقفت السينما نجاحه اللافت، فاستعانت به أولاً كمطرب فقط، منذ العام 1974 في فيلمي "لعنة امرأة" و"الفاتنة والصعلوك"، ثم جربته ممثلاً بداية من العام 1979 ليشارك كبار النجوم أمثال عادل إمام ومحمود عبد العزيز وسمير غانم وحسين فهمي، بطولة أفلامهم. وأمام هذا الاختراق من جانب عدوية، تغيرت نظرة المجتمع له وبات معترفاً به كأحد كبار مطربي الأغنية الشعبية، بل إنه قاد جيلاً كاملاً من المطربين الذين تشبهوا به أو تشربوا منه حتى ولو على طريقتهم الخاصة، كان أبرزهم كتكوت الأمير وحسن الأسمر ثم حكيم وغيرهم. وتحولت عبارة الذم التي وصفه بها الموسيقار محمد عبد الوهاب بأنه اشبه بحبات الترتر التي تزين بدلة الرقص، إلى دليل استحسان باعتباره الشيء الذي لا غنى عنه كي يكمل واقعنا الغنائي.
وإذا كانت الحادثة المأسوية التي تعرض لها عدوية نهاية الثمانينيات وأثرت على صوته الشجي وحركته الجسمانية، قد عطلت مسيرته لأكثر من عشر سنوات، فقد حاول الرجل كثيراً استعادة مجده القديم من خلال مجموعة من الثنائيات الغنائية،أابرزها مع المطرب رامي عياش في أغنية "وبحب الناس الرايقة"، وكذلك مع ابنه المطرب محمد عدوية الذي أخذ منه خامة الصوت من دون السير على نهجه فى اللون الغنائي. لكن عدوية الذي عاد بعد الحادثة لم يكن هو ذاته الرجل الذي عرفناه قبلها، فقد افتقد بحكم عامل السن أيضاً نبرة صوته المميزة وحيويته المعهودة، والأهم أنه عاد ليجد المجتمع نفسه الذي احتضنه في السابق قد تغيّر، والأذواق قد تبدلت، وانصرف عنه الناس إلى أغاني "المهرجانات" بأسلوبها الصاخب وأصواتها الرديئة ومفرداتها الأكثر سوقية، ليترحم كل الذين هاجموه عند ظهوره وأخذوا منه موقفا عدائياً على اللون الغنائي الذي كان يقدمه. وأياً كان موقف الناس من أحمد عدوية، فإنه سيبقى صفحة مهمّة في تاريخ الغناء العربي، شاء من شاء وأبى من أبى.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top