تنشر "المدن" على حلقات هذه الدراسة للباحث أنطوان شلحت حول آخر مستجدات خطط إسرائيل بشأن مأسسة الضم والأبارتهايد في أراضي 1967.
في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2022، أدت الحكومة الإسرائيلية الـ37 اليمين الدستورية. وإلى حين عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وبداية الحرب في غزة، تركز النقاش والخطاب العام في إسرائيل حول ما عرف باسم "الإصلاحات القانونية" الذي تروّج لها الحكومة، والتي رأت فيها المعارضة أنها بمثابة انقلاب قانوني.ضم مناطق من الضفة
ومع ذلك، أكدت منظمات حقوقية إسرائيلية أنه إلى جانب الانقلاب القانوني كان يجري ما وصفته بأنه "انقلاب صامت آخر" هو انقلاب ضم مناطق من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وهو "الانقلاب الهادف إلى تغيير طابع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، كما جاء في تقرير المشترك صدر في تموز/ يوليو 2024 عن جمعيات "يش دين" (يوجد قانون)، جمعية حقوق المواطن، و"أوفك"، ولنكسر الصمت، والذي تمحور حول تفصيل التغييرات الهيكلية والقانونية وكيف تُترجم ميدانيًا.
وشدّد التقرير على أن الحكومة الإسرائيلية تعمل بشكل منهجيّ ومُنظم لتنفيذ استراتيجية مصممة لتحقيق رؤية سياسية هي عبارة عن فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، أي ضمّها، إلى جانب إنشاء واقع الأبارتهايد الذي يرسّخ التفوّق اليهوديّ ودفع الفلسطينيين القاطنين في المنطقة صوب حيّز جغرافي محدود ومقلّص قدر الإمكان.
وأشير في التقرير إلى أن العديد من الخطوات التي اتخذتها الحكومة تغيّر وجه الضفة الغربية وهيكل السيطرة الاسرائيلية فيها، ويذكر في هذا السياق ما يلي:
• تعيين وزير المال بتسلئيل سموتريش (رئيس حزب "الصهيونية الدينية") كوزير إضافي في وزارة الدفاع ونقل صلاحيات واسعة إليه من قيادة الجيش الإسرائيلي؛
• تخصيص ميزانيات ضخمة لتوسيع المستوطنات وتحسين البنية التحتية وجودة الحياة؛
• شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية؛
• الإعلان عن تخصيص أراضي دولة ومحميات طبيعية لتوسعة المستوطنات؛
• غضّ الطرف عن عنف المستوطنين وعدم إنفاذ القانون؛
• سوء معاملة المجتمعات والجماعات الفلسطينية مما يؤدي ويدفع إلى تهجيرهم قسرًا من منازلهم.
وجاء في الخلاصة التي توصل إليها التقرير ما يلي: "تنزع الحكومة الإسرائيلية الحالية القناع الذي اعتمرته الحكومات الإسرائيلية السابقة حتى الآن أمام العالم. وقد صوّر هذا القناع إسرائيل لسنوات كما لو أن حكمها وسيطرتها على الأراضي المحتلة يفيان بالالتزامات القانونية السارية عليهما في أراضي الضفة الغربية، وكما لو أن قراراتها خاضعة إلى مراجعة قضائية من طرف المحكمة العليا. الآن، تسعى سياسة الحكومة علنًا إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية ومأسسة الفوقية اليهودية في الضفة الغربية".نقل السيطرة للمستوطنين
وصدر هذا التقرير بعد وقت قليل من إعراب جهات قانونية في إسرائيل عن اعتقادها بأن قيام الحكومة الإسرائيلية، في أيار/ مايو 2024، بنقل السيطرة على إدارة مناطق الضفة الغربية من الجيش إلى أيدي المستوطنين، من خلال تعيين نائب لرئيس الإدارة المدنية يكون تابعًا لوزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي هو، كما ذكرنا، وزير ثان في وزارة الدفاع ومستوطن في أراضي 1967، ينطوي على ما يمكن اعتباره بمثابة انتقال من حالة الاحتلال العسكري المؤقت إلى حالة ضم مدني دائم. فبهذا التعيين ستكون للمستوطنين سيطرة تامة على مسائل البناء في المستوطنات، وعلى مسألة هدم منازل الفلسطينيين، إلى جانب ضمان مبالغ هائلة من الميزانية الأمنية من أجل حراسة المستوطنات. والهدف من هذه الخطوة، حسبما أعلن سموتريتش نفسه، هو إحباط فرصة إقامة دولة فلسطينية بصورة نهائية. وفي تسجيل صوتيّ نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية (نهاية تموز/ يوليو 2024) قال سموتريتش: "إن هذا الأمر هائل جدًا. ومثلُ هذه التغييرات سوف تغيّر الشيفرة الوراثية للنظام"، كما أكد أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على عِلم بالخطة، ويتعاون معها بصورة تامة.خطة سموتريتش
وبموجب ما تؤكد بعض تلك الجهات القانونيّة [ومنها منظمتا "يش دين" (يوجد قانون) وجمعية حقوق المواطن] ينظّم القانون الدولي وضع الاحتلال بصفته إدارة مؤقتة للأراضي من جانب قوة الاحتلال، ويمنع منعًا باتًا الضم من طرف واحد. وهذا ليس مجرد حظر، بل قاعدة مركزية الهدف منها منع استخدام القوة، إلّا من أجل الدفاع عن النفس. وإذا أمسى من الواضح أنه لا يمكن تحقيق السيادة بواسطة القوة فستقلّ الحوافز على الحروب. والمقصود هنا مبدأ هو جزء أساس من نظام عالمي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وجوهره كبح الحروب. والهدف من القانون الذي يدعو إلى إدارة أراضٍ محتلة من جانب حكم عسكري، وليس مباشرة من حكومة الاحتلال، هو وضع حاجز معيّن بين مواطني دولة الاحتلال وبين السلطة في الأراضي المحتلة. ويستند هذا الترتيب إلى فهم مفاده أن الجيش أقل التزامًا بالاعتبارات السياسية من وزارات حكومة منتخبة وملزمة بها. غير أن نقل صلاحيات الحاكم العسكري إلى موظفين من حكومة الاحتلال ونوابها يخلق سيطرة مباشرة لمواطني دولة الاحتلال على الأراضي المحتلة، وعمليًا يوسع الخطوط السيادية إلى داخل المناطق المحتلة، أي الضم. وهذا ما نجح سموتريتش فيه، فلقد أبعد الجيش تمامًا عن عملية اتخاذ القرارات بشأن كل ما ليس له علاقة مباشرة بالأمن في الضفة الغربية، وعمليًا بدأ بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة، أي الضم. وسيكون لذلك تداعيات على حقوق الفلسطينيين لأن القيود التي فرضها الجيش للحؤول دون نهب أراضي الفلسطينيين وإيذائهم ستزول الآن، وهي بالطبع قليلة جدًا.وقائع فرضتها سياسة الائتلاف
في واقع الأمر، منذ تولي الحكومة الإسرائيلية الحالية مقاليد الحُكم في نهاية عام 2022 تشهد الضفة الغربية أكبر حركة استيطان فيها منذ بدايات حركة "غوش إيمونيم" عام 1974. وينعكس ذلك في الوقائع التالية:
اعتراف الحكومة بـ13 بؤرة استيطانية حصلت على مكانة مستوطنات جديدة؛
إقامة عشرات المزارع والتلال التي تُستخدم للرعي والزراعة وتمتد على مساحة مئات الآلاف من الدونمات؛
حركة بناء لعشرات ألوف الوحدات السكنية في مستوطنات الضفة الغربية؛
شق آلاف الكيلومترات من الطرقات الجديدة والتحويلات وساحات المرور والإشارات وتغيير جذري في المواصلات؛
مضاعفة "كتائب الدفاع" واتخاذ إجراءات تحسّن الاستجابة العملانية لعمليات دفاعية في كل المنطقة؛
إخلاء آلاف الخيام البدوية وطرد سكانها بمساعدة مجموعات "شبان التلال"؛
سلسلة عمليات هجومية في مدن الضفة الغربية؛
ما توصف بأنها "ثورة العمل العبري" في المستوطنات التي آلت إلى منع دخول عمال عرب إلى المستوطنات واستبدالهم بعمال يهود أو أجانب.
ومثلما يؤكد قادة المستوطنين، فإنه بهذه الإجراءات "بدأت ثورة استيطانية جديدة ستؤدي بسرعة إلى تحقيق رؤيا أرض إسرائيل الكاملة".
ومع مواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة لا تلوح في الأفق الإسرائيلي أي مؤشرات إلى بديل عن هذه السياسة، فضلًا عن استمرار تماسك ائتلاف الحكومة اليمينية الكاملة، والتي شخّص العالم الكيميائي الإسرائيلي أهارون تشاحنوفر، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2004، الوقود الذي يشغّل محركاتها بأن نصفه مؤلف من الفساد والمصالح السياسية والشخصية لرئيسها نتنياهو، فيما نصفه الآخر مؤلف من الأفكار المسيانية والقومية المتطرفة التي يتبناها تيار الصهيونية الدينية ويحاول فرضها بالقوة على كل مفاصل الدولة، وكذلك على الجيش والشرطة وسائر الأذرع الأمنيّة ("يديعوت أحرونوت"، 1/8/2024).