اليوم ونحن على مشارف الانتخابات الرئاسية يتوه المواطن اللبناني في هذه التأويلات المتناقضة والتحليلات المتضاربة والمُوّجهة أحيانا في تفسير الدستور اللبناني..
نعم، نصطدم في الكثير من الأحيان وفي حياتنا العملية، بغموض الدستور في بعض قواعده وغموض القانون في بعض نصوصه وحتى المرسوم في بعض مواده وغيرها من الأمور.. حتى أصبحنا نخشى ان يكون للنصوص القانونية نصيبٌ في “سياسة الغموض المتعمّد” إحدى أفرع السياسة العالمية!! الى حدّ دفع المواطن اللبناني الى ان يرفع شعار “لن أعيش في جلباب القانون” بدلا من “لن أعيش في جلباب أبي”..
المُهّم والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، من يفسّر الدستور؟
تضمنت وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي أقرت بموجب قانون ٢٢/١٠/١٩٨٩ نصا جاء كالآتي “ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية.”
اذاً في قراءتنا لهذا النص يتبدّى لنا جليا ان الغاية أيضا من انشاء المجلس الدستوري تفسير الدستور ومراقبة ضمان تطابق عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية مع العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين اللبنانيين المنصوص عليها في الدستور..
لكن، في العام ١٩٩٠ عندما تقرر تعديل الدستور اللبناني تطبيقا لوثيقة الوفاق الوطني حصل الكثير من الأخذ والرّد فيما يتعلق بصلاحية المجلس الدستوري بتفسير الدستور مستندين الى ان السلطة التشريعية هي صاحبة الصلاحية الاولى والاخيرة في لبنان في تفسير الدستور..
مع العلم ان العديد من الدول لديها مجلس خاص او محكمة خاصة يعود لها فقط أمر تفسير الدستور..
المهم، انه ولغاية الآن هناك اقتراحات قوانين تتقدم والغاية منها اناطة صلاحية تفسير الدستور الى المجلس الدستوري او الى هيئة قضائية تبتّ في موضوع تفسير الدستور ونحن نرى أن هذا أقرب الى المنطق والعدالة لا سيما عندما يقع الخلاف بين مجلس النواب والحكومة فلا بد من مرجعية نهائية حيادية تكون لها كلمة الفصل، ولا سيما أيضا ان تفسير الدستور من قبل مجلس النواب قد يتأثر بالخلافات القائمة بين الكتل النيابية الممثلة لقوى سياسية التي قد تكون مصالحها متضاربة ومنطلقاتها الإيديولوجية متناقضة فيؤدي ذلك الى خلاف في تفسير نص دستوري وعدم امكانية التوصل الى تفسير موحّد يعبر عن حقيقة معنى النص او الى الوصول الى تسوية سياسية قد تؤدي الى تفسير النص بما لا يعبر عن مضمونه الحقيقي !! هذا ناهيك ان لم يؤدِ هذا الخلاف حول تفسير الدستور الى اضعاف سلطة مجلس النواب وقيادته الى الشلل ما سيؤدي الى ما لا يُحمد عقباه..
الوضوح القانوني هو من أولى القواعد الأساسية والمرتكزات الضرورية التي يقوم عليها الأمن القانوني في دولة القانون، فالقاعدة القانونية أينما وجدت يجب أن تكون مُصاغة بشكل واضح ومفهوم وغير غامض لا تدع أي مجال للشك والتأويل، قابلة للفهم والتطبيق وهذا من أبسط حقوق الانسان المنصوص عنها في الشرعة الدولية لحقوق الانسان.
الوضوح والعدالة، هما وجهان لعملة واحدة فكما في قاعدة تعليل الأحكام الصادرة عن المحاكم وكما أيضا في المطالبة الحقوقية والواسعة اليوم لبعض المحاكم الاستثنائية في لبنان باستدراك هذا الانتهاك الفادح لحقوق الفرقاء في الدعوى والمجتمع بعدم تعليل أحكامها والمسارعة الى فرض تعليل الاحكام التي تصدر عنها.. فحين تستفرغ الأحكام والنصوص من علتّها وسببها تظهر بدون معانيها ومقاصدها ويكون الامتثال لها صوريا لا روح فيه، ففي التعليل إتقان للعلم والعمل بعيدا عن الظلم والعبث..
الكاتبة: المحامية الدكتورة رنا الجمل.
أمينة سر الهيئة الوطنية لحقوق الانسان في لبنان.٠
موقع سفير الشمال الإلكتروني