منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ فجر السابع والعشرين من تشرين الثاني العام 2024، وبدء مسار حصر السلاح بيد السلطة الشرعية في الجنوب، وبعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، أصبح الجيش اللبناني يواجه مع كلّ إشراقة شمس تحديات بالجملة وعلى كلّ الجبهات.عودة الحربفي الجنوب، من الواضح أنّ الجيش الإسرائيلي لا يسهّل مهمة الجيش اللبناني، لا بل إنه يعرقلها عن سابق تصور وتصميم، تحت عناوين واهية غير دقيقة.يعتبر جيش الاحتلال أن الجيش اللبناني ينفذ ما يعنيه من الاتفاق ببطء شديد. تقرّ بهذا الأمر مصادر ميدانية لـ"المدن"، وتوضح "أنّ هذا البطء أو العرقلة بشكل أدق، لا يتحمّل الجيش اللبناني مسؤوليتها".
وتتابع المصادر "في الواقع، ما يجري في الميدان الجنوبي هو التالي: يتعمّد الجيش الاسرائيلي تجاوز الخطوط المتفق عليها في الاتفاق. ففي أكثر من مرة أبلغ الجانب الاسرائيلي اللجنة أنه سينسحب من موقع ما في وقت محدد، ومن ثم يتراجع عن قراره ويقوم في المقابل بالانسحاب من موقع مختلف، من دون أن يبلغ أيا من الاطراف المعنية بذلك". هذا الأمر حصل عندما أبلغ الجانب الاسرائيلي الجيش اللبناني عبر اللجنة أنه سينسحب من القطاعين الغربي والشرقي، ثم فاجأ الجميع وبدلاً من تنفيذ هذا الانسحاب، خرج من بلدة الخيام، من دون سابق إنذار.أكثر من ذلك، تكشف المصادر أنّ الجانب الاسرائيلي الذي أبلغ المعنيين بنيته الانسحاب من الناقورة، وأنجزت الاستعدادات للدخول إليها والانتشار فيها من قبل الجانب اللبناني، واذ به يفاجئ الجميع فينسحب من شمع، ويبقى في الناقورة ويمعن تدميراً فيها وفي كلّ المواقع التي لا يزال يحتلها.
النوايا الاسرائيلية ليست خافية على أحد والتذرع ببطء انتشار الجيش هو في الحقيقة "مخطط له من قبل الاسرائيلي لتمديد احتلاله للقرى والبلدات الحدودية التي عادت أًصوات مستوطني الشمال ومن خلفهم بالمطالبة بجعلها أرض محروقة غير قابلة للعيش لاقامة المنطقة العازلة".وبالتالي، "طالما أن الجيش الاسرائيلي موجود في قرى وبلدات ومواقع في الجنوب، لا يمكن للجيش اللبناني أن يدخلها وينتشر بجوار المحتل. هذا المحتل الذي يتذرع أيضا بأن الجيش لا ينفذ الجزء المتعلق بنزع سلاح حزب الله من منطقة جنوب الليطاني، يتحمل وحده مسؤولية عدم اخلاء المنطقة من السلاح لاستمرار تواجده فيها". المصادر التي رفضت أن يحمل الجيش اللبناني مسؤولية أي تأخير في تنفيذ الجانب اللبناني من الاتفاق، ركنت إلى البيان الصادر في الثالث من كانون الثاني الحالي، عن السفارة الاميركية بعد الزيارة التي قام بها رئيس لجنة المراقبة الدولية لتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار الجنرال جاسبر جيفرز مع الجيش جنوبا ولاسيما إلى منطقة الخيام، التي عادت إلى حضن الشرعية اللبنانية بعد انسحاب القوات الاسرائيلية منها."فعلى الرغم من كل العقبات التي يضعها الاسرائيلي بكل حقد وعن سابق تصور وتصميم لجعل مهمة الجيش صعبة، الا أن الجيش اللبناني أثبت قدرته على التعامل مع الصعوبات والدليل هو باعتراف حليفة اسرائيل، الولايات المتحدة، وممثلها في اللجنة الدولية والذي انعكس موقفه في البيان الذي نوه باحترافية الجيش اللبناني وتنفيذه لجانبه من الاتفاق بنزع 9800 قطعة من المتفجرات من أكثر من 80 موقعا، حتى الان. فكيف اذا سقطت العراقيل واستكمل الجيش مهمته في الانتشار الكامل في الجنوب وجعله منزوع السلاح؟"الفخ الاكبرصحيح أن اتفاق وقف اطلاق النار ينص على نزع السلاح من كافة الأراضي اللبنانية، وفي مقدمة هذا السلاح تفكيك ترسانة حزب الله من السلاح الخفيف، المتوسط، والثقيل، وصحيح أن الجانب اللبناني الذي أبرم الاتفاق والمتمثل بشكل رئيسي برئيس مجلس النواب نبيه بري اطلع بدقة على كل عبارة وردت في الاتفاق ووافق عليها، " لكن ما لم يطلب من الجيش بشكل صريح، وما لم يتخذ القرار السياسي ببدء عملية تسلم السلاح، كل السلاح اينما وجد على الاراضي اللبنانية كافة، لن يدخل الجيش في مغامرات غير محسوبة أو ينجر إلى أفخاخ تضعه في صدام مع حزب الله اذا تحرك شمال الليطاني، من دون قرار سياسي". هنا يوجه السؤال إلى من بيده هذا القرار السياسي: متى سيعطي الجيش الضوء الاخضر للتحرك على الاراضي اللبنانية كافة؟ وأصلا هل من ارادة سياسية لتنفيذ الجزء الثاني من اتفاق وقف اطلاق النارالعين على الحدود مع سوريايبقى التحدي على ضبط الحدود مع سوريا هو التحدي الاخطر والاكبر. عند انهيار نظام الرئيس بشار الاسد، سارع الجيش اللبناني لاتخاذ الإجراءات اللازمة على طول الحدود الشرقية بقاعاً وشمالاً. لم ينتظر أي قرار سياسي للتحرك. وترد المصادر الميدانية السبب إلى "أن الجيش مصمم على عدم السماح لأي مجموعات سورية مسلحة بالعبث بأمن لبنان أو استخدامه كمنطلق لأعمال أمنية ومنع تكرار ما حصل في زمن الحرب السورية واحتلال مجموعات ارهابية للجرود اللبنانية".
لذا عزز الجيش انتشاره على الحدود قدر المستطاع، نشر وحدات خاصة من قوات النخبة الى جانب الألوية والأفواج المنتشرة أصلاً هناك ونصب راجمات صواريخ.كل ذلك تحسبا لأي طارىء، لاسيما وأنه لم تتضح بعد طبيعة الحكم في سوريا وما إذا كانت الإدارة المؤقتة ستكون نهائية وبأي صيغة؟ أتت حادثة معربون وبغض النظر عن خلفياتها، لتثبت صحة نظرة الجيش للميدان الحدودي. لاسيما وأن تلك الحادثة ليست الوحيدة منذ سقوط النظام. إذ كشفت مصادر عسكرية لـ"المدن، أنه قبل حادثة معربون، وقع اشكال في العريضة عندما اقترب أحد المسلحين السوريين باتجاه عناصر الجيش وأطلق النار بالهواء في خطوة استفزازية، من المقلب المحاذي والقريب جدا من نقطة الجيش.أيضا في وادي العشاير، حصلت مواجهة بين عناصر الجيش اللبناني ومسلحيين اثنين توجها إلى مركز عسكري داخل الأراضي اللبنانية، أرادا التمركز فيه بعدما كان الجيش اللبناني استرده من جيش النظام السابق، فمنعهما الجيش وسلمهما للامن العام اللبناني وتمت اعادتهما الى الداخل السوري.عودة هوكشتاينعلى وقع كل هذه التطورات، ينتظر الجيش اللبناني عودة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين الاثنين إلى بيروت ليرى ماذا يحمل في جعبته في ما خص التطورات الجنوبية لاسيما مع تهديد إسرائيل المتكرر بتمديد بقاء جنودها في المنطقة الحدودية. فإسرائيل تضرب عرض الحائط اتفاق وقف اطلاق النار، تعتدي على مراكز اليونيفيل، وتعتدي على الجيش. تستهدف مواطنين، تفجر وتدمر بذرائع ضرب حزب الله، بدلاً من ترك المهمة للجيش اللبناني بفرض الشرعية اللبنانية على أرض الجنوب.
في المقابل، تزداد الأصوات التي تقول إن حزب الله عائد إلى المواجهة وإنه لن يبقى متفرجاً على التعديات الاسرائيلية بعد انقضاء مهلة الستين يوماأ، على الرغم من تعاونه مع الجيش في الجنوب وتسليمه لمخازن الاسلحة حيث ينتشر الجيش.فهل يتحمل حزب الله ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري تداعيات المغامرة باطلاق شرارة الحرب مجدداً من الطرف اللبناني، مع كل ما يحمل ذلك من تداعيات كارثية على مستوى البلد بأكمله وتهديد إسرائيل بحرب مدمرة على كل لبنان؟ وأين موقع الجيش من كل هذا؟هل يخدم أي تصعيد تعزيز موقع السلطة العسكرية الشرعية أم يضربه ولصالح من وماذا؟ قد يكون هناك كثر ينتظرون أن يقدم الجيش أو بالأحرى قائد الجيش العماد جوزف عون، المرشح الرئاسي الأبرز اليوم على "دعسة ناقصة" ويرتكب خطأ أكان في الجنوب أو عند الحدود مع سوريا أو حتى في الداخل، للانقضاض عليه وضرب صورته الرئاسية كالمرشح الأنسب بالنسبة إلى الخارج وبعض الداخل، بعدما شكل الجيش بقيادته الحل لإنهاء الحرب والسلاح من خلال تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، برأي داعميه. ولكن إلى أي مدى يمكن للمتضررين من جوزف عون المرشح الرئاسي أن يذهبوا بعيداً في تطويق الجيش، المؤسسة الوحيدة المطلوب منها الكثير في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، من دون أن يدركوا أنهم بمغامرتهم هذه، لا يقطعون الطريق على ترشيح عون، إنما يهددون ما تبقى من استقرار وأمن للبلد اذا منع الجيش من تنفيذ المهام الملقاة على عاتقه. وجهة نظر يقابلها رأي يقول إن الخلاف مع عون لا يتعلق بأداء الجيش أو المهام المطلوبة منه على كامل الأراضي اللبنانية بعد توفير أوسع مظلة سياسية له بكل ما سيقوم به من مهام. المشكلة هي في الدمج بين موقع عون الحالي في قيادة الجيش وفي الموقع الذي يطمح البعض لتوليه اياه، أي رئاسة الجمهورية. أين يمكن للعماد جوزف عون في هذه المرحلة الدقيقة أن يكون أكثر تأثيراً، في استمراره بتأدية مهامه الأخطر في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان على خريطة المنطقة، أو أن يترك موقعه الميداني الذي أكسبه هذه الأفضلية، لينتقل إلى موقع آخر على رمزيته وأهميته، إلا أنه قد يعني الطلاق مع الموقع العسكري في زمن التحديات الحدودية؟
أين سيكون العماد جوزيف عون عند انتهاء مهلة الشهرين لانسحاب الإحتلال الإسرائيلي من الجنوب؟ الجواب على هذا السؤال بعد تحديد أي موقع يمكن أن يكون وجوده فيه أكثر فائدة ومردوداً وفعالية لصالح لبنان، هو المسألة الأكثر أهمية في وقت تشهد فيه المنطقة كلها ولادة شرق أوسط جديد بمعزل عمن ستكون الغلبة فيه أو اليد الطولى.